الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 02:01

هويدة شقير قادرية: على الإنسان تغذية جانبه الروحي

لقاء خاص بمجلة
نُشر: 16/07/13 15:43,  حُتلن: 15:48

خبيرة الصحة النفسية والجسدية والروحية هويدة شقير قادرية:

عملية التنفس تخبر قصة حياتنا بتجاربها الحلوة والمرة

بواسطة الصلاة الواعية نطهر انفسنا من ترسبات الحياة ومادياتها

الجسد يحمل ترسبات الحياة فهو يحتفظ بكل تفاصيل التجارب التي يخوضها المرء منذ نعومة اظافره

الحياة ومتطلباتها ومادياتها والسباق والمقارنة تنسينا عالمنا الداخلي حيث يكمن فيها سر راحتنا النفسية وهدوئنا وسعادتنا

خبيرة الصحة النفسية والجسدية والروحية السيدة هويدة شقير قادرية، متزوجة وام لثلاثة اولاد. هي سيدة جامعية حصلت على اللقلب الاول في العلوم الاجتماعية والتربية من جامعة بار ايلان. اما اللقب الثاني الفريد من نوعه فقد حصلت عليه من الفرع الاسرائيلي لجامعة ليسلي الامريكية، في موضوع الصحة النفسية الجسدية والروحية. عالجت في ختامه سؤال اطروحتها عن اليقظة او الصحوة الادراكية وتأثيرها على تغيير سلوكياتنا، وتحسين نمط حياتنا نحو الافضل. تعمل اليوم كمحاضرة وتدير ورشات عمل في مواضيع التمكين، الوعي والتغيير الذاتي واسرار الهدوء النفسي. تعمل السيدة هويدة من خلال الورشات على تعميق الوعي الجسماني والروحاني، طرق التنفس الصحيح، تشخيص وكشف عادات سلوكية قديمة، ومن ثم ايقاظ طاقات روحية كامنة.

 


ليدي: ماذا دفعك سيدة هويدة الى اختيار هذا الموضوع الفريد من نوعه ودراسته كلقب ثان؟
هويدة: انا بطبيعتي انسانة تحب الاستكشاف والبحث. ولا سيما فيما يتعلق بالانسان وسر هذه الحياة. ولطالما ضج رأسي من زحام الاسئلة والتساؤلات عن ماهية سر الوجود وحقيقة الحياة. ان عملي كمنسقة بلدية لمكافحة والوقاية من المخدرات والعلاج من الادمان، او عملي في تعزيز دور المراة الشفاعمرية المعيلة الوحيدة في الاسرة، لم يسد رمقي ولم يرو ظمئي في ايجاد نفسي واكتشاف الحياة من حولي. فقد مررت في فترة شديدة تحت ضغط وتوتر شديدين، لم اكن على مقدرة لممارسة عملي على اكمل وجه. على انني احب العطاء، وخصوصًا من خلال عملي ووظيفتي، الا انني قررت ترك الوظيفة. وانني احمد الله على تشجيع الاهل والاقارب كثيرًا، خصوصًا للصعوبة المادية التي خلفها قرار ترك وظيفتي. في وقتها شعرت انني بحاجة الى اكتشاف نفسي والتعرف عليها اكثر، وربما تغيير بعض سلوكياتي التي قد تكون ترسبت من ايام طفولتي. على سبيل المثال كنت اعاني الخوف من المجهول وعدم الثقة الكافي بالذات، نظرًا لنمط التربية التي اعتمده والدي في طفولتي، والذي كان بمجمله تحصيليًّا، فكان يتوقع مني ان اقدم اكثر واحصل اكثر، وفي كثير من الاحيان انساه هذا دور التشجيع في نفسي كطفلة. فنجم عن مثل هذه الاساليب التربوية بعض السلوكيات التي عزمت على تغييرها. فنحن في المحصلة نتصرف ليس في الفطرة التي فطرنا عليها، وانما وفقًا لسلوكيات مقرونة من الماضي، فنحن نتصرف وفقها بشكل غير واعٍ، ولا شك ان لها تاثيرًا على سعادتنا وهدوئنا. وهنا قررت ان اقف برهة تأمل تساعدني على اكتشاف الذات واحداث التغيير ليتسنى لي البدء من جديد. فتابعت حدسي وكلي امل ان الاقي ما ينتظرني.

ليدي: هل دفعك هذا مباشرة الى الالتحاق بالاكاديمية مرة اخرى؟
هويدة: كلا في هذه المرحلة وقفت عند محطة المطالعة. فقد ملأت اوقات استجمامي واستراحاتي بالمطالعة والقراءة في المكاتب وبين الكتب. وجل ما جذبني من الموضوعات كان سر الوجود وحقيقة الوجود، وعلاقة الصحة النفسية والجسدية والروحانية، واثرها على حياتنا اليومية. ولكن رغم توفر المعلومة وخاصة في ايامنا هذه، بكبسة زر، كان لا يزال لدي تعطش لان اسمع من المجربين الذين طبقوا النظرية على انفسهم، واخرجوها الى حيز التفيذ وعلى الارض في حياتهم اليومية. فمن بعد المطالعة والدراسة الذاتية قررت ان اتوج هذا الذخر الذي اكتسبته بلقب اكاديمي، ارتب من خلاله المعلومات والفلسفة التي حصلت عليها. فالتحقت بجامعة ليسلي ودرست موضوع الصحة النفسية الجسدية والروحية مدة سنتين ونصف السنة.

ليدي: ما كان اثر دراسة الموضوع في نفسك؟
هويدة: اولاً، ان تعيش انت نفسك بمعرفة نقاط قوتك ونقاط ضعفك، فصرت اعي اهمية الاتصال الدائم مع داخلي، وذلك من خلال مراقبة النفس والصحوة الداخلية. واكثر من ذلك صرت ادرك اهمية مراقبة الجسد بشكل واعٍ وعميق، الامر الذي يتعامل معه غالبية الناس بشكل سطحي. وبدأت بالفعل اطبق النظريات على حياتي، نفسي وجسدي وايقاظ الجانب الروحي.

ليدي: اخبرينا كيف يكون دور الجسد ذا علاقة بالصحة النفسية؟
هويدة: ان الجسد يحمل ترسبات الحياة، فهو يحتفظ بكل تفاصيل التجارب التي يخوضها المرء منذ نعومة اظافره. فعلى سبيل المثال: لننظر بدقة الى عملية التنفس. في احدى المحاضرات التي كانت بعنوان التعبير السلوكي بواسطة الحركة، كنت القي استعراضًا معينًا حين استوقفني المحاضر قائلاً: هويدة انت لا تتنفسين. فقلت: كيف لا اتنفس؟. انا كذلك والا لما كنت حية. فقال: بل تنفسك تنفس سطحي للغاية، يحمل معه اثقالاً واوزانًا خلفتها طفولتك. وهنا كان يتحدث عن الخوف وعدم الثقة بالنفس واهمية نظرة الاخرين الي. وقد كان لهذه المقولة اثر عظيم في نفسي، اذ احدثت في داخلي صحوة معينة. ففي نهاية الامر عالمنا الداخلي بحاجة الى انتباه. الحياة ومتطلباتها ومادياتها والسباق والمقارنة تنسينا عالمنا الداخلي حيث يكمن فيه سر راحتنا النفسية وهدوئنا وسعادتنا.

ليدي: اخبرينا هويدة عن وظيفة التنفس كمنظومة تعكس عالمنا الداخلي؟
هويدة: رئتا الانسان مجزأتان الى جزأين واحد اسفل والاخر اعلى. عند الاستنشاق يدخل الهواء الى الجزء الاسفل وعندها الحجاب الحاجز يضغط الى الاسفل فيمتلئ البطن، ومن ثم يرتفع الى الصدر ليملأ الجزء الاعلى للرئتين.
ان عملية التنفس تخبر قصة حياتنا بتجاربها الحلوة والمرة. ولكن غالبية الناس تتنفس بقدر 40 بالمائة فقط. للتوضيح فلننظر الى الطفل حديث الولادة كمثال، الى التنفس الكامل او ما نسميه بتنفس 100بالمائة. فالرضيع يتنفس تنفسًا كاملاً فترى بطنه ترتفع وتنخفض بوتيرة واحدة. ولكن مع الوقت تبنى شخصية الطفل، والتي تنبع من اساليب الاهل في التربية ولاحقًا العائلة الموسعة، المدرسة والمجتمع. فهو مع الوقت يؤلف مشاعر ويبني شخصية وآليات دفاعية وما الى ذلك. وعلنا نذكر في هذا المقام، انه ما من احد يتلقى تربية مثالية او متكاملة. وتجارب الحياة تتأثر بها النفس والجسد، وهذا نتيجة للمشاعر التي نمر فيها على مر الحياة.
ولا ننسى ان التنفس وسيلة لتغذية سائر الجسد والنفس. والتنفس الذي ينحصر على معدل 40 بالمائة، يحجب كما هائلا من الاوكسيجين عن سائر خلايا الجسد، مما ينجم عنه تعب وارهاق جسماني. فترى كثيرًا من الامهات او السيدات تكثر من قول: "فش عندي وقت اتنفس". وهذه العبارة تلخص تحديدًا ما ارمي الى الوصول بكم اليه. ان التنفس يعكس اعباءً نفسية حملناها معنا خلال تجاربنا واعباء حياتنا.

ليدي: هل للمرض او الجسد علاقة بالصحة النفسية كذلك؟

هويدة: الجسد مبني بقدرة الهية لا مثيل لها. فهو نظام حكيم يعمل بتناغم وانسياب متكامل، يمكننا التعلم والاستفادة من حكمته لاحداث توازن في حياتنا. عندما يكون الجسد متناغمًا يكون صحيًّا وفي احسن حال. اما إن فقد التناغم وجد المرض. فتوجد خلايا تتمرد على الجسد وتخلق عالمها الخاص، مثل الامراض السرطانية والقلب والسكر، اي ان خللاً ما حدث في التناغم الذي تعمل به الخلية.
من هنا نقف خاشعين امام قوة الخالق سبحانه وتعالى، التي تتمثل بانسياب عمل الجسد كمنظومة واحدة. فالجسد عندما يرغب بالتعبير عن مشاعرنا، سواء الايجابية او السلبية، فهو يخرجها بواسطة احساس او وميض ليس وجعًا بل وميضًا، مثل الاحساس ان نارًا تخرج من بطني او صخرة تربض على صدري، وان لم يعالج سبب هذا الاحساس تحول الوميض الى وجع ومرض.

ليدي: ما هو دور الروحانيات بصحتنا الجسدية والنفسية بحسب نظريتك؟
هويدة: ان نغذي جانبنا الروحي، ليس بالضرورة بجلوسنا في مكان منعزل والتامل والبحث عن عالم خاص. الله اعطى لكل انسان جانبًا حكيمًا، وهنا تتجسد العدالة الالهيه بمنح هذه الهدية لكل انسان وجد على الكرة الارضية. ففي هذا الجانب تكمن الحكمة، الطمأنينة والثقة، وهذا الجانب ثابت لا يتأثر بالامور الخارجية.
السر الحقيقي في وجودنا يكمن في ايقاظ هذا الجانب فهو يحفزنا على التغيير، التطور والنضوج. نتعلم تحمل تجارب الحياة حتى التجارب الصعبة بمحبة، بصبر وشجاعة. فالروحانيات هي مبادئ وتعاليم مستوحاة من الدين، منصهرة تمامًا في حياتنا اليومية. فعلى سبيل المثال علينا ان نتمسك بمبدأ التسليم وقبول كل ما يحدث معنا، وهذه قاعدة مهمة وصى بها القران الكريم، "وعسى ان تكرهوا شيئًا وهو خير لكم" (البقرة: 216). فهذه كلها يجب ان تكون من اخلاقنا وتنعكس في سلوكياتنا.
وهنا اود القاء الضوء على اهمية التامل والصلاة الواعية، والتي هي عماد في شتى الديانات، فمثلاً في الديانة المسيحية قال المسيح "صلوا بلا انقطاع" وفي القران "الا بذكر الله تطمئن القلوب" والصلاة هي اعظم انواع الذكر، فمن خلال الصلاة تربطنا علاقة مباشرة مع الخالق بخشوع وهدوء. وهذا الهدوء هو اصل طبيعتنا. وعلينا بواسطة الصلاة تطهير انفسنا من ترسبات الحياة ومادياتها. وعلينا تنفيذ هذه االركن بشكل واع ومدرك، ومع خالص النية لتطهير وتزكية النفس، لانها الية تقلل من الثرثرة في الدماغ وتكسب الهدوء والطمأنينة.

مقالات متعلقة