الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 06:01

قصة ولادة حياة وبداية مرحلة الامومة


نُشر: 23/09/07 14:01

ها قد جاءت "حياة" وعلت صرختها الأولى لتفعم قلبي بسعادة جمة، فقد كنت أسمع أمي تقول "الأولاد زينة الدنيا" ولم أفهم كيف يمكن لي أن أمر بتجربة الحمل كغيري حينها. كانت فكرة الحمل تضعني في حيرة ما بين حاجتي لحريتي، وشكل جسمي الذي اعتدت عليه، وتشابك أوقات حياتي بين العمل والبيت والأصدقاء، والحياة الاجتماعية بأشكالها.
 وكنت وزجي كمال قد قررنا أن نؤخر الحمل قليلا ريثما نتأقلم مع حياتنا كزوجين ومع ما يلحق ذلك من مسؤوليات. إلا أن كمال عاد في يوم وقد كان في زيارة لبيت صديق له، وكانت ملامحه حائرة قليلا، وكان مشوشا. كنت أعد العشاء، وبدأ يساعدني كعادته، إلا أنه لم يكن على طبيعته، فسألته عما به. حقيقة، فاجأني رده كثيرا إذ قال "أسماء، أود لو نعيد التفكير في موضوع الإنجاب، أشعر أننا بحاجة لطفل لنا، وصراحة، أحن بشكل غريب لشعور "الأبوة". ارتبكت قليلا حين سمعته خاصة وأننا كنا نفكر في السفر سوية لبضع سنوات قبل أن ننجب، صباح ذلك اليوم بالذات. لم أرد في البداية وأكملت العشاء معه صامتة لا أعرف أين كان بالي يذهب. صراحة، كانت تخالجني أحيانا مشاعر كتلك إلا أنني كنت أوقفها لأن نظري كان معلقا بالسفر والترحال، واتخاذ نمط حياة حر لسنوات قليلة قبل أن التزم بطفل وبعائلة.



مضى شهر كامل ونحن نتباحث في الأمر لا في جدل بل في حيرة متبادلة، واختلاط مشاعر، وإعادة هيكلة لخططنا المستقبلية، ووجدنا نفسينا نتخذ القرار مع رسمنا لمستقبل آخر، يشبه الأول في نواح ويختلف عنه في نواح أخرى. فمجرد التفكير في طفل محتمل يخلق صلة ما بين المرء وبين شخص افتراضي موجود على بعد قرار. صحيح أن الفترة التي احتجناها لنتخذ قرارا كهذا كانت مليئة بالتردد، إلا أننا حين قلنا إننا سننجب طفلا كنا متأكدين من ذلك.
أنا على وشك الولادة الآن، قال الطبيب الذي فحصني قبل قليل إنني في حالة ولادة، قلت له إنني أريد أن يتم إعطائي إبرة التخدير، فقال "لا يمكننا أن نعطيك إبرة التخدير الإبودرالي إلا بعد أن يصل التوسع في عنق الرحم إلى أكثر من 3.5، وصل التوسع لديك إلى ثلاثة، سنعطيك الإبرة بعد وقت قليل". جعلتني انقباضات المخاض اتذكر كل الفترة الماضية التي مرت منذ قررنا أنا وزوجي الإنجاب.
أذكر كيف لم ينجح الأمر في المرة الأولى، وخفنا قليلا، لحسن الحظ كانت صديقتنا أمل لدينا في المنزل حين عرفنا أننا لم ننجح في إحداث حمل، وحين لاحظت قلقنا، شرحت لنا أن لا شيء يقلق في الأمر، وأن من الطبيعي ان لا تنجح المحاولات الأولى، وأنه لا داع للقلق ما لم تمر سنة على فشل المحاولات. ساورني القلق لأنني لم أكن أريد أن أدخل في قضية محاولات الإخصاب الخارجي، وطوال فترة العشاء، بقينا نتحدث في الأمر، وأخبرتنا كيف أن أختها وزوجها توجها للطبيب واضطرا لإجراء زراعة في الرحم لكي ينجبا. وشرحت أنه كان أمامهما أكثر من خيار، وأن الأمر لم يعد مستحيلا كالسابق، قالت "الطب اليوم يستطيع حل معظم مشاكل الإنجاب أكثر من الماضي، المهم الإيمان بالله والصبر والمثابرة، ولا يجب اليأس، لا يمكن لليائس أن ينجح أصلا في أي شيء، فما بالكما بالإنجاب. وبما أنكما مؤمنان في كلاليت فلا داعي للقلق. فكلاليت توفر للحامل كل ما تحتاجه من خدمات وعلاجات وفحوصات. لن تحتاري كثيرا فطواقم كلاليت المختصة في الحمل والولادة سترافقك وتواكب حملك من بدايته وحتى الولادة". يمكن القول إن كلامها أراحنا، ومع هذا كان لدي شعور أننا سننجب بشكل طبييعي. لكن ما علق في ذهني من كلامها، هو ضرورة عمل بعض الأمور لتهيئة نفسينا للحمل قالت "يجب عليك أن تبدئي بتناول أقراص حمض الفوليك طول فترة الإخصاب، قبل الحمل بثلاث أشهر وبعده بثلاث أشهر. لأنه يقلل من خطر تشوه الجنين لا سمح الله. حاولي أن تتناولي أغذية غنية بحمض الفوليك أيضا مثل الخضار الخضراء، كالخس والزهر والملفوف، والبقدونس والكزبرة والبازيلياء، ولا تنسي الحمضيات والكبد والبيض والحبوب والبقوليات والأفوكادو والجوز. وطبعا لا ننسى اللحوم والدجاج والأسماك والبيض والحليب ومنتجاته لأنها غنية بفيتامين B12"، ثم نظرت إلى زوجي الذي أخرج سجائره وهم بتدخين واحدة وقالت وهي تسحب علبة السجائر منه: "كمال! يجب أن تجنبها التدخين بالإكراه، الحمد لله أنها لا تدخن، فلو كانت تدخن لطلبت منها أن تقلع عن التدخين". ولم نكد نصمت حتى عادت وقالت "أه صحيح، افحصي أسنانك وحاولي إنهاء علاج الأسنان إذا كنت تعانين من شيء ما، وإذا لم تتطعّمي في السابق ضد الحصبة الألمانية فإنه يستحسن أن تتطعّمي قبل الحمل، واذا كنت تتناولين أدوية بشكل دائم أو عندك حساسية من أي دواء يجب أن تخبري الطبيب الذي يعالجك بذلك، كل هذا مهم قبل الحمل". بعدها دارت نحوي وقال لي وهي تنظر في عيني: "من المفضّل أن تسجلي اليوم الأول لكل دورة شهرية لأن هذا الموعد مهم في تحديد عمر الحمل".
أذكر وجهها تماما وهي تقترب منا وتقول بشكل جدي بعد أن كنا ثلاثتنا نضحك على نكتة لا أذكرها الآن "اسمعا، يجب ان تعملا على تقوية العلاقة الزوجية أثناء فترة الحمل" ثم أمسكت بيد كمال وقالت له "إذا كنت تريد أن تحضر عملية الولادة فمن المهم أن تتلقى الإرشاد والتوجيه المسبقين فيما يتعلق بما قد يحدث في غرفة الولادة وكيف يمكنك مساعدتها في إنجاب طفلكما. يقول الكثير من الأزواج إن مشاركة الزوج في عملية الولادة ليس لها أثر في التخفيف من معاناة الأم فحسب، بل إنها تساعد على تقوية العلاقة بين الزوجين والعلاقة مع الطفل الوليد. هكذا تتحول تجربة الولادة إلى تجربة مشتركة لكما معا رغم اختلاف أدواركما فيها" وسألها هو على الفور وقد لاحظت الاهتمام الشديد في عينيه: "وكيف تتم تهيئة الأزواج عادة لأمور كهذه؟" فأخبرته أن ذلك يتم عادة في إطار دورات تهيئة للولادة تعدها كلاليت فيمكنكما الاتصال والتسجيل في إحدى هذه الدورات. وأكملت "ومن الأهمية بمكان أيضا أن تتحدثا فيما بينكما عن الولادة وعما تتوقعانه من بعضكما البعض في الفترة التي تلي الولادة مباشرة، وكيف تخططان للقيام بمهام البيت المختلفة بشكل منظم. ويمكن من خلال توضيح التوقعات، التغلب على الكثير من احتمالات سوء التفاهم، في الوقت الذي تخلق فيه حساسية المرأة عقب الولادة، وإرهاقها الشديد ومسئوليتها عن الاهتمام بالطفل الجديد ورعايته، توترا وضغطا كبيرين". كان يجب أن نتذكر هذا الكلام أثناء فترة الحمل، فقد كنت مرهقة جدا، وحساسة جدا، وكنت أبكي لأي سبب، وكان هو محتارا بما يفعل ليغير ذلك الوقت، لكننا كنا نعود ونتحدث سوية حول الوضع ونتذكر نحن الاثنين أنني حامل، وأن جسمي يمر بتغيرات هرمونية تؤثر على مزاجي وعلى طاقتي واحتمالي. وكان تخيل طفلنا القادم يمسح كل أثر لما كان يحدث بيننا من توترات وكأنها لم تحدث.
جعلني الجو في قسم الولادة، وحركة الممرضات والأطباء حولي أتذكر أيام الحمل في فترته الثانية، حين بدأت بالشهر الرابع من حملي، حيث بدأ وزني بالزيادة وبدأ جسمي بالثقل، وتغير شكلي تدريجيا. تلك الفترة كان لطبيبي والممرضات وطاقم العيادة دور مهم في التخفيف عني وإراحة بالي لقد كانوا بالفعل سببا في تخفيف مصاعب الحمل وقد كانت معاملتهم الحسنة اللطيفة ومهارتهم الفائقة وخبرتهم التي استفدت منها كثيرا شيئا في غاية الإيجابية في تلك المرحلة الصعبة. أذكر أن طبيبي طلب مني حينها أن أقوم ببعض الفحوصات، ولا زلت أذكر يوم قمت بالفحص الثلاثي. لم أكن على علم بماهية هذا الفحص، إلى أنني حين وصلت إلى العيادة أخبرتني الممرضة أنّ الفحص الثلاثي فحص يتم إجراؤه للكشف عن حالات حمل ذات خطورة عالية ووجود تشوهات في الجهاز العصبي المركزي للجنين وللكشف عن احتمال وجود حالة متلازمة داون، لقد كنت قلقة جدا إزاء النتائج بعد معرفتي بذلك، إلا أنها كانت كلها إيجابية تماما والحمد لله. وفي آخر الشهر السادس أجريت فحص الكشف عن سكري الحمل، أذكر كيف شعرت حين شربت سكر العنب لأجل هذا الفحص، ياه، مرت تلك الأيام بسرعة رغم شعوري بطولها فترتها. وقد أجريت عدة فحوصات بعدها أحدها كان على ما أذكر، فحص كريات الدم الحمراء الذي أجروه لي بهدف متابعة مستوى كريات الدم الحمراء وإعطائي الحديد حسب الحاجة، وقد اخبرتني قريبتي أنهم أجرو لها فحصا إضافيا مع هذا الفحص حين كانت في نفس الفترة لأن دمها من نوع RH سالب، وذلك لفحص مستوى الاجسام المضادة، كما وأخبرتني أنهم قد أجروا لها فحص ماء المشيمة لأن عمرها فوق 35 سنة، حيث سحبوا القليل من ماء المشيمة لديها. لم أحتج انا ذلك الفحص لأن عمري أقل من ذلك، وقد مرت كل تلك الفحوصات دون أن تترك الكثير من الأثر في بالي، إلا أن أجمل فحص كان فحص الأولتراساوند لأعضاء الجنين، لا يمكن أن أنسى هذا الفحص، فعن طريق الجهاز استطعت أن أرى صورة أوضح لابنتي، لأصابعها، فقرات ظهرها، رأسها، قلبها، وكل أعضائها الداخلية، وهي بدت وكأنها تعرف أننا ننظر إليها، فصارت تمص اصبعها وتحرك يديها وقدميها، يا إلهي كم كان شعورا غامرا بالشوق والفرح وانعدام الصبر.
أشعر ببعض الخوف الآن، واتمنى أن تنتهي هذه المرحلة سريعا، لا يمكنني أن أخفي اشتياقي لرؤية طفلتي المنتظرة، تساورني مشاعر قوية تجاهها حتى قبل أن أراها. الكل حولي متشوق كذلك، سيأتي طبيب التخدير ليعطيني التخدير الأبدورالي بعد قليل، انتهيت من تفريغ أمعائي قبل دقائق بعد أن أخذت حقنة شرجية تساعد على ذلك.
مع ازدياد قوة التقلصات شعرت برغبة قوية في الضغط، وجهتني الممرضة في غرفة الولادة بالوقت المناسب للبدء بالضغط وأخبرتني ان عليّ التقيد بالتوجيهات لأن الضغط السابق لأوانه قد يسبب تمزقا في عنق الرحم. علمت أن علي في هذه المرحلة أن أكون نشيطة ومتعاونة وأن أقوم بما يطلب مني.
تباحث الطبيب مع الممرضة في ضرورة عمل جرح في فتحة الفرج لدي لتوسيع الفتحة ولمساعدة خروج طفلتي دون التسبب لي بجرح، وأخبراني أنهما سيقومان بذلك، وقاما بتخديري موضعيا لعمله.
بعد ضغط كثير خرج رأس ابنتي وبعدها خرج جسمها مرة واحدة، وبدأت بالبكاء على الفور، قام الطبيب بفصلها عن الحبل السري، وأخذتها الممرضة لتجري لها بعض العلاجات، كان لونها أزرقا في البداية إلا أنه سرعان ما تحول للوردي مع بدئها بالتنفس.
كانت أمي قد حضرت لي حقيبة فيها كل ما أحتاجه قبل ميعاد ولادتي بأسبوعين، وضعت فيها بطاقة هويتي وبطاقة هوية زوجي وتفاصيل حسابي في البنك. فتلك البطاقات ضرورية لتعبئة الاستمارات المناسبة للتأمين الوطني ولدفع منحة الولادة ورسوم إجازة الولادة لأنني أعمل. كما ووضعت فيها معدات شخصية للمكوث في المستشفى، منها أدوات اغتسال وصابون وشبشب مطاطي وعدة أزواج من الكلاسين الداخلية ورزمة ضمادات، وصدريات رضاعة مصنوعة من القطن وحذاء بيتي وثوب طويل ومنشفة احتياطية وكتابين من كتبي التي كنت أقرأ فيها. كما ووضعت ملابس لطفلتي.
أشرت لزوجي أن يخرج ملابس طفلتنا ويعطيهما للمرضة، فأخذتهم الممرضة وألبستهم لابنتنا بعد أن وضعت على يدها سوارا عليه اسمها لكي لا تحدث أي خربشات. ثم جاءت بها إلي ووضعتها على صدري لإرضاعها، فقد كانت الممرضة قد أوصتني بأن أرضعها فور ولادتها مباشرة، شعرت أن علاقتي بها قد تطورت كثيرا في تلك اللحظة، كما وسمح لزوجي أن يحملها ويضمها على صدره أيضا. قاموا بعد ذلك بنقلها إلى غرفة المواليد.
ثم تركني زوجي وأفراد عائلتي لأرتاح قليلا، ونقلت إلى قسم الوالدات. هناك جاءت الممرضة بابنتي وعلمتني كيف أرضعها بشكل صحيح، وتحفيضها والعناية بها، وتركتها عندي حتى المساء. كان الطبيب يمر من فترة لفترة لفحصي والاطمئنان على وضعي، وقياس درجة حرارتي، كي يضمنوا عدم حدوث أي مضاعفات.
الفترة الماضية كلها كانت بمصاعبها وجمالياتها، فترة مميزة لا أنساها، ورغم الألم الذي شعرت به بسبب قطب الجرح الذي قام الطبيب بعمله في عنق الرحم، والذي خففه المرهم المسكن الذي اعطتني إياه الممرضة، إلا أنني شعرت أنني خارج نافذة مرحلة كاملة، وعلى عتبة مرحلة جديدة، بوظيفة جديدة وهي مرحلة الأمومة.  فقد أصبحت أم "حياة"...


لمعلومات عن فحوصات الحمل يمكنكم الاتصال *2700 لخدمتكم على مدار الساعة او عن طريق موقع كلاليت www.clalit.co.il

مقالات متعلقة