الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 12 / مايو 00:02

ارتفاع الحرارة بين الطبيعي والخطر؟


نُشر: 24/04/07 08:14

الدكتور سيرجي جيردشتاين من كلاليت
لا يوجد أب أو أم لم يعاني تجربة ارتفاع درجة الحرارة لدى طفله، وليس هنالك أحد لم ينشغل باله حين كان يرى الزئبق يرتفع في مقياس الحرارة ليصل إلى الرقم 40. هذا الوضع شائع جدا ويتلقى الأهل معلومات متناقضة من الأجهزة الطبية أو من محيطهم الذي يعيشون فيه.

نعم، ولكن الجدة تقول بأنّ ....
الجدة، وهي أم الأب أو الأم، تجسّد دور أفضل من يعرف ما هي مصلحة الطفل. وهي من تأمركم بالركض إلى الطبيب فورا بعد كل ارتفاع طفيف في درجة حرارة طفلكم، وهي تحاول بأن تبيّن للجميع كم هي مدركة، حكيمة ومهتمّة.
والأب أو الأم هم أيضا قد سمعوا أكثر من مرة من الممرضة في مركز الأمومة والطفولة أو العيادة بأنه من المهم متابعة درجة حرارة الطفل واستشارة الطبيب إذا ما ارتفعت درجة حرارته. في أحيان كثيرة يطلب الطبيب من الوالدين متابعة درجة حرارة طفلهم والرجوع إليه في حال ارتفاعها. وبالرغم من ذلك، في كثير من الحالات حين يتوجه الأهل بطفلهم إلى عيادة الطبيب يستقبلهم الطبيب بهدوء كبير وقد يقول لهم شيئا مثل: "لا حاجة للقلق في كل مرة ترتفع فيها درجة حرارة طفلكم بشكل طفيف، هذا الأمر يحدث دائما" أو "هذا فيروس، والى ذلك..



إذا، متى يجب أن نقلق لارتفاع درجة الحرارة، ومتى لا يجب ذلك؟
في البداية يجب أن نعلم أن ارتفاع درجة الحرارة هي رد فعل طبيعي للجسم على التلوث الفيروسي أو الجرثومي ويتم تنظيمها عن طريق الدماغ. يستقبل الدماغ رسائل تبلغه بوجود اقتحام للجسم على يد فيروس ما، وإحدى الطرق المتبعة لمقاومة هذا الفيروس هي رفع درجة حرارة الجسم. الفيروسات حساسة جدا للحرارة، فالحرارة تشوش عملية الأيض لديها وتعوّق عملية اقتحامها للجسم.

لماذا يصاب طفلي بالذات بارتفاع درجة الحرارة؟
مثلها مثل أي صفة أخرى نتمتع بها، فإن السهولة في إصابة طفل ما بارتفاع درجة الحرارة تتعلق إلى درجة ما بأسباب وراثية. فأولاد الجيران على سبيل المثال "لا يمرضون أبدا" لأنهم لا يصابون بارتفاع درجة الجرارة أبدا. هذه فكرة خاطئة، فمن المحتمل أنهم يصابون بعدوى الفيروسات المختلفة، غير أن أجسامهم لا تميل إلى رفع درجة الحرارة بسهولة نتيجة لهذا التلوث. وبالتالي، لا توجد علاقة وثيقة لدرجة الحرارة وارتفاعها بخطورة التلوث أو المرض وبالنسبة لنا فإنّ أول أمر يجب على الأهل القيام به هو تبليغنا بأن طفلهم أصيب بتلوث ما، عندها يصبح الهدف التخفيف على الطفل وعدم مقاومة ارتفاع درجة الحرارة بحد ذاته.

وكيف نعرف متى يجب أن نقلق؟
إلى جانب ارتفاع درجة الحرارة هنالك مقياس آخر يعتمد عليه بشكل أكبر لتحديد مدى خطورة وضع الطفل ألا وهو "وضعه الصحي العام"، والذي يتحدد وفقا لأدائه: قدرته على اللعب، ابتسامه وهكذا. صحيح أنه حين ترتفع درجة حرارة الطفل إلى 40 درجة، فإن الطفل قد يبدو ضعيفا  ولكنه إذا عاد لوضعه الطبيعي بعد نصف ساعة من خفض درجة الحرارة فإن وضعه ليس خطيرا بالتأكيد.
فعلى سبيل المثال، يكون وضع طفل مصاب بالتهاب رئوي جرثومي حاد سيئا للغاية بغض النظر عما إذا كانت درجة حرارته في ذات الوقت مرتفعة أو منخفضة. إن ميلنا للتعامل بجدية كبيرة مع درجة حرارة الطفل وارتفاعها مقارنة بتعاملنا مع "وضعه الصحي العام" تنبع من حقيقة أن الحرارة هي أمر محسوس وبإمكاننا أن نقيسه. ولذا نميل بشكل تلقائي إلى خلق معادلة بين درجة الحرارة (الرقم) وما بين خطورة الوضع. هذه المعادلة هي معادلة غير صحيحة. ولا ننسى أن "الطب ليس معادلات رياضية".
كيف نعرف إذا كان المسبب فيروسا أم جرثومة؟
الأمراض الفيروسية أكثر انتشاراً من الأمراض الجرثومية. كما أن الفيروسات تميل إلى الانتشار في جميع أنحاء الجسم والتسبب بأعراض مختلفة في نفس الوقت، كالحمى، الرشح، السعال، آلام الحلق، آلام البطن، الإسهال والتقيؤ إضافة إلى الطفح الجلدي في بعض الأحيان. وخلافا لذلك فإنّ الجراثيم تميل إلى التمركز في منطقة واحدة من الجسم والتسبب بأعراض مركّزة كآلام الحلق (بدون الرشح أو السعال)، آلام الأذن، السعال وآلام في الصدر. ولا تنتشر الجراثيم في جميع أنحاء الجسم إلا في الحالات الصعبة. وفي الغالب ما تكون الأمراض الفيروسية أقل خطورة مقارنة بالأمراض الجرثومية التي قد تتفشى في نفس المنطقة من الجسم وتتسبب بأضرار خطيرة في الأنسجة.
ما هي الحالات التي يجب أن ننتبه فيها لدرجة حرارة الطفل؟
1. الأطفال تحت سن 3 أشهر: ارتفاع درجة الحرارة فوق 38.2 يستوجب التوجه لاستشارة الطبيب. في هذه السن من الصعب تمييز الوضع الصحي العام للطفل وقد تتطور التلوثات الجرثومية لديهم بسرعة أكبر مقارنة بالأطفال الأكبر سنا منهم.
 2. الحمى التي يصاحبها وضع صحي عام سيء (حتى بعد خفض درجة الحرارة)، النعاس، ضيق التنفس واختلاف لون الجلد.
3. الحمى المتواصلة – بعد 3 أو 4 أيام أو أكثر ينصح بأن يقوم طبيب بفحص الطفل حتى لو بدا أنّ المرض فيروسيا 
كيف نحترس من التشنجات؟
الكثير من الأهالي يخشون من ارتفاع درجة الحرارة لدى أطفالهم لأنهم سمعوا عن أطفال أصابتهم تشنجات في أعقاب ارتفاع درجة حرارتهم ("تشنجات الحمى") بعض الأهالي أيضا لديهم أطفال يعانون من مثل هذه التشنجات. التشنجات هي دائما أمر يسبب التوتر ومن الصعب عدم التأثر عند حدوثه، ولكن من المهم أن نعرف بأن الميل إلى الإصابة بالتشنجات بسبب ارتفاع درجة الحرارة هي صفة يتميّز بها الطفل وقد تكون صفة عائلية في بعض الأحيان. إضافة إلى ذلك فإن الإصابة بالتشنجات ليس له علاقة بمدى ارتفاع درجة الحرارة. وفي بعض الأحيان لا نكتشف أن الطفل يعاني من ارتفاع درجة الحرارة إلى بعد تعرضه للنوبة، حيث أنه يبدو بصحة جيدة قبل ذلك بعدة دقائق. كما أنه من الجدير أن نتذكر أن تشنجات ارتفاع درجات البسيطة (التي ليس لها علاقة بمرض في جهاز الأعصاب المركزي) لا تعرّض الطفل ونموه للخطر.
ما هي الحمى الخبيثة؟
في بعض الحالات النادرة قد ترتفع درجة حرارة الطفل إلى أكثر من 42 درجة. هذه الوضع يسمى بالحمى الخبيئة، لأنه يتسبب بأضرار لوظيفة الخلايا بالجسم وضرر غير قابل للعلاج وخصوصا للدماغ. لا يصادف الأطباء مثل هذا النوع من الحمى إلا في الحالات الصعبة التي يعاني فيها الشخص مسبقا من إصابة دماغية صعبة كإصابات الرأس أو تلوثات تصيب غشاء المخ. وفي بعض الأحيان النادرة أيضا قد يكون المسبب للحمى دواء مخدر أو دواء لمرض نفسي. لكنّ أنواع الحمى الشائعة التي يصاب بها أطفالنا يكون مسببها عامل تلوث وفي هذه الحالات لا خشية من تطور الحمى الخبيثة. وبسبب الخوف من الحمى ("رهاب الحمى") قد يبالغ بعض الأهالي في استخدام المستحضرات التي تخفض درجة الحرارة. وفي كل سنة نصادف عدة حالات من التسمم بدواء الأكمول الذي يتسبب بأضرار أخطر من الأضرار التي قد يتسبب بها عدم خفض درجة حرارة الطفل النابعة من التلوث.
وفي النهاية، ارتفاع درجة الحرارة لدى أطفالنا هو إشارة إلى أنهم أصيبوا بتلوث ما يكون في الغالب تلوثا فيروسيا، وارتفاع درجة الحرارة هو أحد أنظمة الجسم التي يستخدمها لمقاومة هذا التلوث. إذا صاحب ارتفاع درجة الحرارة الزكام، والسعال الخفيف وربما آلام في البطن، وإذا كان أداء الطفل معقولا بعد خفض درجة حرارته، فإنه يعاني من مرض فيروسي يستمر في الغالب يومين أو ثلاثة أيام. في مثل هذه الحالة لا حاجة لقياس درجة حرارة الطفل بشكل مستمر ولا داعي للتوتر. إذا ارتفعت درجة حرارة الطفل من 38.5 إلى 39 أو من 39.5 إلى 40 درجة، فمن المحبذ بالطبع التخفيف عنه بخفض درجة الحرارة بواسطة الأدوية، ولكن يجب عدم المبالغة في الاستعمال وفي الجرعة والالتزام بالتعليمات الطبيّة. إذا كان الطفل، إلى جانب ارتفاع درجة الحرارة، يتصرف بشكل غير طبيعي فيجب أخذه للفحص لدى الطبيب. وفي جميع الأحوال إذا كان عمر الطفل أقل من 3 أشهر فيجب التوجه إلى الطبيب للفحص.
ملاحظة أخرى هامة: وظيفة الطبيب ليست فقط تقديم العلاج، وفي الكثير من الحالات تكون وظيفته طمأنة الأهل والتخفيف عنهم. كل أب أو أم قلقة يحق لهم أن يحظوا بالطمأنينة، وحتى لو كانوا على علم بأنّ طفلهم يعاني من مرض فيروسي بسيط فمن حقهم التوجه إلى الطبيب كي يشخّص الحالة ويطمئنهم ويقدم لهم الدعم.



الدكتور سيرجي جيردشتاين هو طبيب أطفال ومتخصص في التلوثات في المركز الطبي كابلان وفي مركز صحة الطفل في ريشون ليتسيون من مجموعة كلاليت

مقالات متعلقة