الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 19 / مارس 10:02

الكورونا ما قبلها وما بعدها - بقلم: فؤاد أبو سرية

فؤاد أبو سرية
نُشر: 12/06/21 16:41,  حُتلن: 17:11

الآن وقد باتت الكورونا من ورائنا وابتدأت في لملمة أطرافها لترحل إلى غير رجعة، الآن بعد سنة ونيّف من معاناتها وما خبأته لنا من مفاجآت محزنة رافقتها انشدادات وتوترات يومية، وأكاد أقول لحظية، أضحى من واجبنا أن ننظر إليها ونتمعّن فيما خلفته علينا من آثار قريبة المدى وأُخرى بعيدة المدى، وذلك على المستويين المحلي وقرينه العالمي، فما حملته وما حفلت به هذه الجائحة الكارثية من آثار وعواقب، في رأينا، سيكون له ما بعده بالضبط مثلما كان له ما قبله.

لن نتحدث هنا عن فترة الكورونا ذاتها، فقد جادت وسائل الإعلام المختلفة، في مقدمتها وسائل الاعلام الشعبية، ممثلة بوسائل التواصل الاجتماعي، بما هب ودب من معلومات وأخبار، وقد ضخمت حينًا من هذه الجائحة المفاجئة، في حين قللت حينًا آخر من شأنها، الأمر الذي فاقم في انتشار الأجواء المتوترة بين الناس في بلادنا وفي مختلف أنحاء العالم زاد في هذا التوتر انقسام الناس بين من يرى أنها قد تتحول إلى كارثة بشرية ما لم يوضع لها حد وتجد التطعيم المناسب، أُسوة بسابقات لها مثل الملاريا، وبين آخرين رأوا فيها لعبة سياسية تسبب في حدوثها عدد من الأسباب وقف في مقدمتها ظهور وسائل الاتصال الاجتماعي وانفلات الأُمور إلى حدٍ ما من أيدي المتحكمين المتنفذين في قيادات العالم وزعاماته، وقد توسط هؤلاء المنقسمين أُناس اتصفوا بالحكمة وتحلوا بها فذهبوا إلى أن الحق قد يكون مع هذا أو ذاك داعين إلى التحلي بالحكمة الخالدة القائلة بأن (الحذر واجب)، وقد بقيت الكورونا تدفع الكثيرين إلى طرح السؤال تلو السؤال إلى أن تم العثور على التطعيم المناسب لها حاطًا بالتالي حدًا لوضع كان لا بد له من أن يضحي في ظهر الغيب أُسوة بأوضاع سابقة مماثلة ومشابهة.

كما قلنا آنفًا، فان جائحةً بهذا الحجم الموازي لحجم عصر علمي تقني مُساوٍ فرضت أوضاعًا جديدة سيكون لها في رأينا آثارها الواضحة الجلية على مسار الحياة اليومية في كل بقعة من بقاع العالم المختلفة، بما فيها بلادنا المعتادة على مثل هكذا أوضاع.
فيما يلي أورد اجتهادًا شخصيًا يتعلق بهذه الآثار.

إرباكات وإقتراحات
لا شك في أن الكورونا تسببت في إرباكات ذاتية وأُخرى عامة في مسار الحياة اليومية للناس، وقد تمثل هذا في إغلاقات تواصلت عبر فترة ليست قصيرة من الزمن نسبيًا، الأمر الذي تسبب في أضرار مادية للعديد من الفئات المجتمعية، لا سيما الضعيفة منها، وهنا لا يُمكننا تجاهل المُساعدات الرسمية التي قدمتها السلطات المعنية، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه والحالة هذه هو ما المطلوب الآن، وضمن محاولة للإجابة نقول: إن المطلوب هو التشمير عن السواعد ووضع مخططات جديدة يضعها كل بطريقته الخاصة للخروج من وضع صعب إلى آخر مُناسِب ومُلائِم، هُنا نرى أن دور المؤسسة الرسمية يُفترض أن تتعامل بقفازات من حرير مع الإخوة المواطنين فلا تفرض الضرائب الباهظة عليهم، علمًا أن هذه المؤسسة خاضت حربًا زائدة عن اللزوم وكلفتها مبالغ طائلة، هذا على مستوى، أما على مستوى آخر، فإننا نرى أن هناك واجبًا لا بد من أدائه يقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني في التخفيف من أعباء العواقب الوخيمة التي خلفها وضع غير عادي وطارئ هو وضع الجائحة.

على هذا المستوى نعتقد باختصار أن الأوضاع على مستوياتها المختلفة وفي مقدمتها الأوضاع التعليمية تحتاج إلى شد الهمة وإعادتها إلى عهدها السابق أو قريبًا منه.

مملكة الزوم
لست من المؤمنين بنظريات المؤامرة، ويطيب لي أن أستبدلها بنظرية الصياد، فمسألة أن هناك من يخطط ويبرمج آناء الليل وأطراف النهار لتنفيذ أهدافه المُبيتة ومآربه، فإنها لا تروق لي، ربما كان هذا لإيماني أنه في عالمنا الصغير هذا لم يعد أحد يقلق بالآخر كما كان يحدث في السابق، وتتلخص نظرية الصياد هذه في أن هناك من ينتظر الفرصة ليتخذ منها سفرة مجانية (تِرمب)، مُقتنصًا ما أستجد من أوضاع جعلت هواه يأتي على سواه، فما الذي حصل فيما يتعلق بنظرية الصياد هذه؟.. لا يُغيبن عن ذهن أحد أننا أمام فترة جديدة يُمكننا أن نطلق عليها اسم ما بعد الكورونا، من ملامح هذه الفترة نُشير باختصار شديد إلى ما يلي:

التغيير في النظام المدرسي والثقافي عامة
تفصيلًا لهذا نقول فيما يتعلق بالنظام المدرسي، واضح أن ما تنبأ به كُتاب ومفكرون في فترات سابقة آخذٌ حاليًا وجاريًا في التحقق والتجسد على أرض الواقع، فقد رأى نفرٌ من هؤلاء أن مدرسة المستقبل ستكون عبارة عن غرفة فيها حاسوب ومعلم يوجه دروسه عبر النت إلى طلابه في بيوتهم، أما فيما يتعلق بالتغيير الثقافي، فقد ابتدأنا في مرحلة الزوم المُتصفة بالسرعة والنجاعة، فالزوم يُسهل على مُنظمي النشاطات والفعاليات الثقافية، من ناحيتين، إحداهما التواصل غير المكلف مع شتى المعنيين من كتاب ورجال علم ضمن ناحية والأُخرى الوصول إلى قطاعات واسعة محليًا وخارجيًا من الناس الذين يمكنهم متابعة هذا النشاط أو ذاك، ناهيك عما يوفره من متطلبات ومصروفات كبيرة، وهنا نؤكد أن بداية التغيير في النظام المدرسي والتثقيفي قد ابتدأ وباتت ملامحه جلية واضحة.

التغيير في التواصل الفردي مع المؤسسات، وقد بدأت بوادره في الظهور عبر التطبيقات المستجدة فأنت بت حاليًا تحجز دورك في المصرف، البريد أو صندوق المرضى وما إليها من مؤسسات عبر تطبيق خاص، يُمكّنك من توفير الكثير من الوقت والجهد، لعل أبسطه عدم الانتظار في الدور فترة طويلة كما كان يحصل في فترات سابقة، وفيما يتعلق بهذا التغيير أعتقد أننا بدأنا في الانتقال من استعمال الأوراق النقدية إلى البطاقات المغناطيسية.. وهو ما سبقتنا إليه مجتمعات أُخرى في مُقدمتها المجتمعات الأمريكية.

صفوة الرأي أن الكورونا تسببت عن قصد أو غير قصد في خلق وإيجاد أوضاع إدارية ونظامية جديدة وتركت آثارها البالغة على مسار الحياة اليومية المجتمعية في بلادنا والعالم قاطبة، وإننا بالتالي نقف على أبواب فترة أُخرى جديدة تُشكِل إنعطافة حادة في أنماط الحياة اليومية المعيشة وربما في المسار التاريخي للبشرية وهو ما دفعنا للتحدث عمّا بعد الكورونا.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة