الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 12:02

على هامش السحور...!-بقلم: نائلة تلّس محاجنة

نائلة تلّس محاجنة
نُشر: 28/04/21 02:50

ان ما يجول في النفس البشرية، من تناقضات وتساؤلات واستفهامات وتخبطات حول مدارك المفاهيم، يؤول بها الى الادمان على التفكر والتدبر فيما يجتاحها من اعاصير فكرية قد تهدأ وتثور في مراحل متنامية مختلفة، ووفق سياقات وإحداثيات مختلفة وزوايا متشعبة. وتختلف المفاهيم تناسبيا برُؤًى مَن يطرح شعب قد تكون متسقة او غير متسقة، ولكنها تستقر في مصب الخلفية الفكرية والأكاديمية لكل من يدل بطرحه.

وقد اعتدتُ بعد كل فجر وتباعا للصلاة ان اخوض في تدبر ما نمر به من مرحلة او حدث او سياق، بحيث اطرق مناقبها واجول في سراديب مغازيها وثنايا اعماقها وكنه ماهيتها وشعب تأثيراتها. وها انا بعد الصلاة الرمضانية استكمل عادتي التي اعشق، وانا بين نظريات علم النفس والاجتماع، اشرد بذهنٍ يخترق صيامي الذي حرمني ان استشف قهوتي (مع الحليب) معها كعادتي. فهذا الموقف استوقفني واستنهض في جولات فكري فوائد الصيام.
ولا اريد ان اقتحم الجوانب الشرعية لأنه ليس اختصاصي، ولكني تربوية استشعر كيف للصيام ان يساعد النفس البشرية على ضبط السلوك وترويض النفس على الانضباط والالتزام بالقيود والقوانين، خاصة وان النفس البشرية تميل الى عدم الالتزام والانضباط. فمن خلال الامساك عن الطعام والشراب تتنامى ملكة التطبع على القيم والنظام والالتزام بها، ويدخل الانسان في حالة من عدم الاندفاع. فالاندفاعية غالبا ما تدخل الانسان في جب الاخطاء، التي وان صبر لتفادى كثيرا من مشكلات صغيرة النواة.
لقد اثبتت الابحاث العلمية ان الصبر وعدم الاندفاع لدى الانسان يمر بعملية تطورية من خلال التدريب والتمرن المتكرر، وبذلك فان شهرا كاملا هي فرصة مثالية لتغيير عادات سلوكية مختلفة. شهر زمني من خلاله نمر بمراحل زمنية تدريبية متنامية، فالحياة كلها وعاء زمني لتحقيق الإنجاز. فلنتخيل لو ان الانسان يحقق كل ما يرغب (زواج وأبناء ودرجات علمية) بين ليلة وضحاها فما مذاق وطعم الحياة؟! مثلا القرآن الكريم نزل مقسطا منجما، وفي ذلك حكم كثيرة اهمها تثبيت فؤاد الرسول، صلى الله عليه وسلم، وتيسير فهمه وحفظه وتطبيقه. ومن التدبر والتفكر في ذلك من حيث النزول، فان الانزال هو من السماء الى الارض، والتنزيل مفاده على مراحل، ومجموع الانزال والتنزيل هو النزول.
من جهة اخرى، فان الصيام يسترشد لدى الانسان الإرادة في تحقيق الأهداف، بمعنى ان الانسان يستطيع من خلاله تنمية الإرادة والعزيمة النفسية في اقتناص مراده من خلال التحكم في برغبته في المأكل والمشرب والعادات اليومية الملاصقة له. وهذا يسهم في ترسيخ قوه الإرادة وهي مهارة توليدية ترتكز على التفكير والتفكر والادراك الذهني والمعرفي وصولا للأهداف.
تجدر الإشارة هنا الى ان سلوك الانسان لا بد ان يتسق وينسجم مع افكاره، فالإنسان اذا مر بحالة من التنافر المعرفي حينها يسعى ويحاول ان يغير واحدا منها، اما سلوكه او افكاره.
ان التدبر والتدارس والمدارسة لا تقتصر على المعاني الظاهرة للفرائض، وانما الالتفات الى المقاصد والمعاني والحقائق والاسرار التي تسهل فهم وتطبيق ومواكبة السياق والواقع، لتحقيق الانجاز والابحار في عمق وماهية الحياة.

مقالات متعلقة