الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 19 / مارس 07:02

كفى سوداوية.. مجتمعنا بخير رغم الأوجاع/ بقلم: د. رائف حسين

د. رائف حسين
نُشر: 20/04/21 17:48,  حُتلن: 21:14

د. رائف حسين

المجتمع، اي مجتمع، كقطعة النقد، العملة، له وجهان… لا تكتمل صورته ولا قيمة له الى بالوجهين … كالعملة النقدية تماماً

في السنوات الاخيرة تركز الكلام وكثر حول الآفات الاجتماعية الموجعة في مجتمعنا الفلسطيني بالداخل. آفات هزت وما زالت تهز اركان المجتمع الفلسطيني ومركباته. الاجرام المنظم وارهاصاته من سلاح وقتل وارهاب وخوف وسوق سوداء ورشاوى، انتشار تعاطي المخدرات والمتاجرة بها، الفوضى وانعدام النظام والنظافة، سوء الادارة المحلية وهشاشة البنية التحتية، الشرخ الاجتماعي الطولي والعرضي بين النخب والجماهير وبين السياسة والمجتمع وخلط الحابل بالنابل بين الدين والمجتمع والسياسة والحياة اليومية الخاصة… الخ.

كل هذه وامور اخرى عديدة نقرأها ونسمعها يوميا في الاعلام بأنواعه وفي الشوارع والمجالس، في الحديث العام والكلام الخاص… باختصار الآفات الاجتماعية تخيم على واقعنا وتكاد تكون موضوعنا اليومي والوحيد.

نعم انه مهم جداً ان نعطي هذه المصائب الاجتماعية المدمرة حيز كبير من تفكيرنا ومن عملنا … لكن اذا اقتصر الكلام والنقاش على هذه المصائب وارهاصاتها فقط، فنحن نكون اولا غير منصفين بحقنا وثانيا سوداويين في تصوير واقعنا.
المجتمع، اي مجتمع، كقطعة النقد، العملة، له وجهان… لا تكتمل صورته ولا قيمة له الى بالوجهين … كالعملة النقدية تماماً.
انا لا احاول هنا ان اقلل من اثار الآفات الاجتماعية على واقعنا الفلسطيني بالداخل ولا ادعوا الى اهمال متابعتها اليومية وبإصرار … ابدا . انا احاول هنا، وهذا هو عنوان المقال، ان اكون واقعي ومنصف في حق مجتمعي.
انا اعرف يقيناً اننا لسنا بشعب الله المختار… نحن الفلسطينيون في الاراضي المحتلة عام ٤٨، شعب عادي ككل شعوب المعمورة… وعلينا جميعاً نخباً وجماهير، ان نتعاطى مع كل ما يحيط بمجتمعنا ويدور بداخله على اساس هذه القاعدة؛ نحن شعب عادي.
التركيز اليومي والكثيف واحيانا، الوحيد، على وجه العملة القبيح فقط وتناسي الوجه الاخر، المشرف، لا يخدم المجتمع ولا يغير من الواقع … بل يزيده تعقيداً ويدفع عجلة اليأس وفقدان الامل، خصوصاً بين الشباب، الى الامام وبتسارع. بهذا التصرف التلقائي ندفع بمجتمعنا الى الهاوية دون ان ندرك.
كفى سوداوية ! دعونا نرى، ولو احيانا، الشموع المضيئة … قليلاً من الامل يفرح قلب الانسان.

مجتمعنا الفلسطيني في الداخل تطور وتقدم بقدراته الذاتية رغم كل الآفات ورغم كل التضييق والتفرقة المبرمجين من السلطة العنصرية ورغم قلة المصادر والدعم المادي والمعنوي … في مجتمعنا امور ايجابية قيمة ومشرفه عديدة… ليس فقط من المهم ان نذكرها ونتداولها في حديثنا ونتذكرها، بل برأيي المتواضع، ذكر هذه الايجابيات ونشرها هو واجب وطني في هذه المرحلة العصيبة المظلمة. علينا ان نروج لهذه الايجابيات ونظهرها في حياتنا اليومية وفي تصوير مجتمعنا للخارج والداخل… نعم هذا هو الوجه الاخر للعملة … هذه هي الصورة الاخرى لمجتمعنا.
في هذا المقال، ومقالات لاحقة، سوف اركز على هذا الوجه الاخر اللامع لمجتمعنا … الوجه الايجابي … سوف احاول ان اظهر الواقع المضيء دون ان انكر وجود الظلام.

يعتقد البعض ان هذا الكم من الاكاديميين وخريجي الجامعات في مجتمعنا الفلسطيني بالداخل، وبغض النظر عن الخلفية الاجتماعية لهؤلاء، امر عادي وطبيعي جداً !
هنا اقصد التحصيل العلمي الجامعي لبنات وابناء مجتمعنا. هذا التحصيل الغير مرتبط بالخلفية الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء. كل واحد منا يعرف من محيطه القريب العديد من الشابات والشباب الذين التحقوا بالجامعات ودرسوا وتخرجوا، بعضهم بامتياز، رغم ان اهلهم، اي خلفيتهم الاجتماعية، ليسوا باكاديميين… او حتى ان اهلهم، الاب والام، من ذوي التحصيل المدرسي المتواضع… في الواقع يثير هذا الامر وتثير هذه الحقيقة الاعجاب من قبل المستمعين لها من شعوب اخرى وهي دون ادنى شك مصدر للفخر والاعتزاز لعموم الاقلية الفلسطينية في اسرائيل ...
هذا اللغز او هذا الجدل، العلاقة بين الخلفية الاجتماعية والتحصيل الاكاديمي، تبحث عن حله مجتمعات وشعوب عديدة بعلمائها وخبراءها واستراتيجييها وسياسييها منذ سنين طويله، وترصد لإيجاد الحل وتجاوز هذا الجدل ميزانيات طائلة… دون تحقيق نتائج مرضيه … ولو استطاع احداً ان يحل هذا اللغز وهذا الجدل لفُتِحَت امامه ابواب المؤتمرات العلمية والاستراتيجية في دول الغرب على مصراعيها واحتضنته دولها وحكوماتها واستنجدت به لإخراجها من دوامة تدور بها منذ عشرات السنين .
نعم هنالك مجتمعات غربيه ، اغنى بكثير واقوى بكثير من مجتمعنا الفلسطيني لكنها ورغم هذا التفوق عجزت حتى اليوم عن مثل هذا الانجاز العظيم.
الحكومة الالمانية، على سبيل المثال لا الحصر، صرفت وتصرف منذ اكثر من ثلاثين عام مليارات الدولارات سنويًا لإيجاد حل للمعضلة المبنية على ان التحصيل الاكاديمي الجامعي مرتبط بالخلفية الاجتماعية للشباب والشابات الالمان. بكلمات اخرى؛ امكانية ان يصبح طفل الماني اكاديمي ويتخرج من الجامعة دون ان يكون ابويه او احد الابوين حاصلين على شهادة جامعيه، لا تتعدى ال 15%، كما تظهر الاحصائيات الرسمية الالمانية… بالمقابل نرى في مجتمعنا الفلسطيني بالداخل ان اكثرية مريحه لخريجي الجامعات والمعاهد العليا منحدرين من عائلات كادحة الاب والام بهذه العائلات لا يحملون شهادات جامعيه او بالكاد انهوا الدراسة الثانوية.
هذا الواقع الذي نتعامل معه وكأنه امر عادي وطبيعي، هو بالحقيقة انجاز يستحق تسليط الاضواء عليه… وهو امر يحب ان نفتخر به ويجب ان نتبين به مجتمعاً وافراد دون ان نغلق اعيننا عن الآفات الاجتماعية التي تعكر صفوة الفرح بهذا الانجاز.
السوداوية احباط ونصف الحقيقة… ليس كل ما يقال ويروج يوصف الواقع بوجهيه.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة