الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 19 / مارس 06:02

الجريمة زرعها قادتنا والانتخابات دفيئتها والكرسي راعيها وحاميها وفيما يلي بعض الحقائق

حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 27/01/21 13:05,  حُتلن: 15:56

 في الكنيست لدينا قضايا لا يمكن حلها في أي حال من الأحوال إلا بالتعاون مع الأعضاء اليهود ومن الأحزاب التي تشكل الحكومة وليس من الأحزاب المعارضة

- حسين فاعور الساعدي

أن نواصل اتهام السلطة بما يجري في المجتمع العربي في إسرائيل من جرائم وأعمال قتل في وضح النهار وفي قلب قرانا ومدننا هو تجاهل للحقيقة المرة وتهرب من تحمل المسؤولية. السلطة لا تقوم بواجبها وتتهاون مع المجرمين بل وتتعاون معهم وتمدهم بالسلاح. لكن المجرمين منا وفينا. هذه حقيقة يعرفها القاصي والداني ولا جدال حولها.

السؤال الجوهري والأساسي الذي يجب على كل واحد منا أن يسأله هو: من هم المجرمون ومن أين جاءوا وأين يعيشون؟ الجواب الصريح على هذا السؤال يعرينا ويفتح عيوننا على الحقيقة التي نتهرب منها ولا نريد الاعتراف بها. حقيقة أن المجرمين هم أبناؤنا ونحن من ربيناهم وكنا قدوة لهم ونصمم أن نحافظ ونتستر عليهم.

من تجربتي الشخصية ومن خلال عملي في سلطاتنا المحلية ما يقارب الأربعين عاماً رأيت وعشت الأجواء الحاضنة التي كبر وترعرع فيها هؤلاء المجرمون وبرعاية وحماية مباشرة من بعض رؤساء سلطاتنا المحلية وقادتنا المحليين.

كعمال اجتماعيين عملنا مع المدمنين من متعاطي السموم والمخدرات ومع من مارسوا العنف مع زوجاتهم وعائلاتهم ومحيطهم. وعندما كنا نحتاج لتطبيق القانون ضد هؤلاء لردعهم كنا نواجه بتدخل الرؤساء والقيادات المحلية "كفاعلي خير!" فيمنعوننا من التوجه للشرطة وتفعيل قانون العنف. بعض رؤساء سلطاتنا المحلية كانوا بمثابة الدفيئة التي احتضنت بذور العنف ووفرت لها الظروف لتنمو وتصبح جريمة. فكم من مواطن "كسّر!" أشياء في مباني سلطاتنا المحلية كرد فعل على عدم التجاوب مع طلباته كما يعتقد، فحصل على ما يريد بدل أن يعتقل ويعاقب. وكم من مواطن اعتدى على موظفي السلطة المحلية كأسلوب للحصول على الطلبات فقوبل بالسكوت عنه وتلبية طلباته. كل هذه الأجواء سكت عنها وغطى عليها بعض رؤساء سلطاتنا المحلية مراضاة لهؤلاء المجرمين في سبيل مواصلة كسب أصواتهم وأصوات عائلاتهم.

إن أول جرائم القتل في مجتمعنا العربي في إسرائيل حدثت في سنوات السبعين من القرن الماضي وعلى خلفية الانتخابات لسلطاتنا المحلية وكان يقف وراءها رؤساء ومرشحون للرئاسة.

الانتخابات سواء لسلطاتنا المحلية أو للكنيست هي بمثابة العظمة التي رمتها لنا السلطة لنتعارك حولها ونتدرب على العنف والجريمة. فأصبح كرسي السلطة المحلية وكرسي الكنيست الهدف الوحيد وكل شيء ممكن ومباح في سبيل الوصول إلى هذا الهدف: اللجوء إلى الحمولة، استعمال العنف، تأليف العصابات، بيع الأرض ومقايضتها والرشاوى. كلها أمور حدثت وأصبحت مألوفة في سبيل الوصول إلى الكرسي أو المحافظة عليه.

بفضل الانتخابات أصبح مألوفاً التعصب للحمولة أو للطائفة. وبفضل الانتخابات أصبح مألوفاً شراء الذمم وتقديم الرشاوى. وبفضل الانتخابات أصبح مألوفاً ومقبولاً تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وكلها مقدمات لنشوء وتطور الجريمة.

كل من لدية عشرة أصوات صار يستعملها للحصول على الكثير من الأشياء. وأصبح يستطيع ممارسة العنف ضد الآخرين دون أن يعاقب لأن الرئيس سيوفر له الحماية من القانون ومن الشرطة طمعاً بما لديه من أصوات.

في دفيئة الانتخابات نمت بذور العنف وترعرعت وهيئت لنفسها البنية التحتية اللازمة لتتحول إلى جريمة منظمة. لأن الانتخابات عندنا لم تكن في يوم من الأيام عملية منافسة نزيهة لاختيار الأفضل بل هي عملية صراع عنيف تقوده الغرائز والعواطف والنزوات بعيداً عن شيء اسمه العقل والمنطق والأخلاق.

في مناطق ال 48 هنالك نوع من الحياة المشتركة بين اليهود والعرب واختلاط كامل في الكثير من المجالات تقريبا ما عدا التعليم الابتدائي والثانوي. ولا يوجد صراع يومي. هذا الوضع يبدو انه يخيف السلطة التي لا تطمئن له ولا تريده أن يتعمق أكثر. لذلك وجدت في أعضاء الكنيست البوق الملائم لتبث من خلاله سموم الكراهية والخوف المتبادل. هذه السموم تغطي على سياستها الظالمة اتجاه المواطنين العرب وتبرر نهجها غير العادل معهم في الكثير من القضايا.

إن أكثر ما تخشاه السلطة هو التقاء المواطنين اليهود والعرب حول قضايا اجتماعية واقتصادية مشتركة وخوضهم النضال معاً لتحصيل حقوقهم. السلطة تفضل أن يظل التباعد قائماً لأنها بذلك تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.

على مدى أكثر من سبعين عاماً أثبت المواطنون العرب في إسرائيل أنهم مسالمون ويريدون العيش بكرامتهم. ناضلوا بأفعالهم وممارساتهم اليومية في تحصيل لقمة العيش والحفاظ على ما تبقى لهم. ورغم المصادرات وهدم البيوت التي شكلت اعتداءات صارخة وقاسية على وجودهم إلا أنهم حافظوا على القانون وكان لهم الدور الأكبر في بناء الدولة مقابل لقمة العيش. وقد نجحوا بفضل جهودهم وتضحياتهم من التغلغل في كل مرافق الدولة حتى الأمنية منها وقاموا بدورهم بإخلاص وعلى أتم وجه.

بالمقابل كان أعضاء الكنيست يكدون ويثابرون في إبراز وجهاً آخر للمواطنين العرب الذين يمثلونهم. وجه العداء للدولة. عداء غير موجود في الواقع وفي الممارسات اليومية للمواطنين العرب. وقد نجحوا في ذلك نجاحاً باهراً لاعبين على غرائز البسطاء وعواطفهم. ومع الوقت صار مفهوم الناس العاديين لدور عضو الكنيست العربي يتمثل في العراك مع الأعضاء اليهود وتبادل الصراخ معهم غير مدركين أنها في كثير من الأحيان لعبة متفق عليها. المواطن العادي فترة طويلة اكتفى بهذا الدور ولم يطالبهم بحل القضايا الملتهبة بالتواصل مع رئيس الحكومة وأعضائها. هذا النهج وفر مادة خصبة للفضائيات التي سوقت أعضاء الكنيست على أنهم مناضلون ومجاهدون. وهذا كله يصب في مصلحة السلطة التي لا تريد خدمة المواطنين العرب ويشكل غطاءاً جيداً لتقصيرها.

في بداية سنوات التسعين من القرن الماضي كان نائب وزير الزراعة عربياً وهو المرحوم وليد صادق طيب الله ثراه. كان لفترة ليست بالطويلة ولكنه قدم للوسط العربي ما لم يقدمه احد غيره. على سبيل المثال أعطى مخصصات المياه للكثير من القرى غير المعترف بها والتي كانت محرومة من الماء كوسيلة ضغط لترحيلها. بعمله هذا ساهم مساهمة مباشرة وفعالة في الاعتراف بهذه القرى وبقائها وتطورها.

للأسف الشديد نوابنا في الكنيست على مدار عقود أرسوا قواعد لعبة أساءت وتسيء للوسط العربي ووفروا للسلطات ذريعة تغطي على تقصيرها بحقنا وتبرر تخليها عن أمننا وسلامتنا. رفعوا الشعارات الجوفاء والسخيفة ك"إسقاط نتنياهو" ، "مقاطعة اليمين المتطرف" وكأنهم يقولون أن اليسار قادم وهم بانتظاره.

هذا الوهم والكذب المكشوف شكل مدرسة في مجتمعنا وأغرى الكثيرين بالتعلم منهم وتقليدهم في الحياة اليومية فصار الفرد يقول ما لا يفعل ويبحث عن مصلحته الذاتية ويقدمها على المصلحة العامة دون خجل.

الانتخابات للسلطات المحلية وللكنيست استدعت المحافظة على الحزب والحمولة وترسيخ الولاء لهما بدل الولاء للقضايا المصيرية كالأرض والمسكن ولقمة العيش. صار الانتماء للحزب والمحافظة على مصلحته هو المقياس للوطنية وللإخلاص. في الوقت الذي يرى فيه المواطن البسيط أن هذا الحزب ما هو إلا مزرعة أو عزبة لعدد من الأفراد وللمقربين منهم. يستعملونه في جني الأرباح والثروات. بينما هو على مدار سنوات وعقود كان من المضحوك عليهم.

أعضاء الكنيست العرب بدل أن يقوموا بدورهم البرلماني في خدمة مواطنيهم الذين انتخبوهم اختاروا لأنفسهم دور المطبل والمزمر لإبراز مظالم هؤلاء المواطنين. مظالم المواطن العربي والتمييز الممنهج ضده بحاجة لمن يعالجه وليس بحاجة لمن يبرزه ويظهره ويكتفي بذلك. المواطن العربي يعرف مشاكله وليس بحاجة إلى من يعرفه بهذه المشاكل. وقد أرسل مندوبين عنه للكنيست بأمل معالجة هذه المشاكل. ومعالجة هذه المشاكل يكون بالعمل مع الحكومة لحلها وليس بمقاطعة الحكومة بدعوى أنها يمينية وكأنه كانت حكومة يسارية في هذه الدولة في يوم من الأيام.

هذا الضحك على المواطن برفع الشعارات الجوفاء لم يعد ينطلي على أحد وهنالك نقمة شعبية على أداء أعضاء الكنيست الذي أوصل الوسط العربي إلى ما هو فيه من فوضى وعنف وجريمة وأعطى الحكومة المبرر والغطاء أمام المواطن اليهودي على تقصيرها وعدم قيامها بواجبها. فهو يتساءل وبحق: كيف يا عرب تطلبون الحماية من حكومة تقاطعونها ولا تريدون التعامل معها؟. الدكتور منصور عباس جلس مع نتنياهو فهوجم وكأنه ارتكب الخيانة العظمى. جلس معه ليس لمسامرته أو مغازلته وإنما لمطالبته بالقيام بمسؤوليته فانهالت عليه التهم لأنه خرج عن النهج الممارس منذ عقود: نهج الشعارات السخيفة. نهج مخاطبة الغرائز والعواطف الذي شرعن العنف والجريمة وبرر تخلي السلطة عن القيام بواجباتها ومسؤولياتها اتجاه المواطنين العرب الذين ثبت ولاءهم وإخلاصهم لهذه الدولة بالأفعال وليس بالأقوال.

المطلوب اليوم من أعضاء الكنيست العرب التخلي عن نهج تسويد وجه الوسط العربي أمام المتطرفين اليهود. والتوقف حالاً عن لعب هذا الدور الذي لا يخدم إلا عنصرية العنصريين الذين يكرهوننا ولا يريدون الخير لنا. المطلوب من أعضاء الكنيست التخلي عن دور المناضلين والمجاهدين فهم ليسوا كذلك ولا يمكن القيام بهذا الدور في برلمان صهيوني. المطلوب منهم التصرف كموظفين في مؤسسة تشريعية صهيونية. ومن يريد أن يكون مناضلاً أو مجاهدا فليفتش عن ساحة أخرى غير الكنيست.

في الكنيست لدينا قضايا لا يمكن حلها في أي حال من الأحوال إلا بالتعاون مع الأعضاء اليهود ومن الأحزاب التي تشكل الحكومة وليس من الأحزاب المعارضة. هذا التعاون يتم بالعمل المهني البرلماني الجاد بعيداً عن الشعارات والمهاترات.

هذا ما قام به الدكتور منصور عباس وهذا هو المطلوب. شعبنا لم تعد تنطلي عليه العنتريات الصبيانية والشعارات الجوفاء. شعبنا يريد حلولاً لقضاياه المصيرية. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة