الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 09:02

ضاد.. يا زهوة القلب والذهن

بقلم: نائلة تلس محاجنة

نائلة تلس محاجنة
نُشر: 19/12/20 14:32,  حُتلن: 19:49

نائلة تلس محاجنة

ايتها الرقيقة الشامخة منحتني وسام حروفك …اسقيتني ينبوع الروح بين ثنايا مجازاتك، فلا ارتوي من عذب دلالاتك التي ترسم لوحات تشابكت فيها صروح الضاد، اقلتيني وسافرت بي بباخرة عمقك الذي لا ينضب. فبت هائمة في بحورك الراسية… ايتها الجميلة السابحة بقوافيك السجعة منسابة لنظم سطور قد شرعت القيم. جمعْتِنا على مائدة الاشعار ليسطر التاريخ زهو شبابك الذي لا يشيخ.

رحلتي معك بدأت حين كنت في الخامسة أجلس على المقعد الامامي في غرفة صف مستأجرة خارج اسوار مدرستي (“ج” سابقا وابن سينا اليوم) التي تأسست في عام 1962 وهي ثاني مدرسة تم تأسيسها في ام الفحم -فقد تعمدت السلطات الاسرائيلية تهميش وتضييق البنى التحتية للتعليم في تلك الفترة وما زالت. وقد تعلمنا حتى الثالث ابتدائي في غرف مستأجرة تخلو من الحد الادنى المناسب لعملية التعلم.

ولا تستطيع ان تغيب عن ذاكرتي تلك اللحظات الاولى بلقائي بك … فقد كان شغفي يجتاح ضلوعي نحوك…طفلة هادئة جدا وعيناها الخضراوين والواسعتين لكشف العالم! الا ان معلمتي رحمها الله قد اسالت دم راسي بضربي “بالمسطرة” لأنني كنت اجلس على المقعد الامامي وأقرب طالبة منها، لتبث هيمنتها على باقي الطلاب، ولا يمكن ان أنسى هذا الحدث، اليوم أستطيع ان أقول أنها ربما كانت تمر بأزمة ما (لأنه لا يمكن استيعاب معلمة قد أسالت دم طالبة دون اي ذنب قد اقترفته) فليس هكذا نستقبل اطفال العلم. هذا الموقف اثار داخلي استفهامات شائكة يتيه فيها الشغف لحبك ويأبى عن يستسلم لضربات الزمن المؤلمة… الحقيقة اننا وإن مررنا ببعض من المواقف الصعبة الا أنها تشد عضدنا …
وهنا يستحضرني دورك معلمي/تي في غرس الرحاب الجميلة لحب ضادنا الحورية …
عظيم هو من يبني جيلا يناجي فكره سمو لغته ويصبو لشخوص حضارية…
عظيم هو من يباهي في منابر وصلات النور الذي يشع من حروف ضاده البهية…
عظيم هو من يستل الحب لقلوب الطلاب برقي كلماته العربية …

معلمي/تي أنتم عماد الامة فمن بين ايديكم تنطلق سهام كل المنجزين والمفكرين، فلكم ان تختاروا احياز وفضاءات السهام الرائدة. بإيمانكم وضميركم وعاطفتكم تخيطون اسراب الحمام الطائر على دروب العلم المنثور في رحاب العوالم والاوطان، فمنكم واليكم نشدوا لغتنا …
واستمرت رحلتي مع ضادي حين دخلت الصف الرابع وانتقلنا الى مبنى المدرسة فقد كان اللقاء اشبه بيوم العيد، فيها خط معلّموك على جدران المدرسة أشعار من غاصوا في أعماقك وسردوا دررك وكان لي شرف لقائها، تأملتها باحتفاء صامت… فقد غردت أبيات المتنبي، فجعلت الجدران تعزف لحناً لقلبي، “عَلى قَدرِ أهلِ العزم تأتي العزائم وَتأتي علَى قَدرِ الكرام المكارم”
وهكذا من تلك اللحظات انبثقت عزيمتي معك ايتها الرشيقة القوام ومنظومة البيان، كنتِ وما زلتِ وستبقين زهوة قلبي وذهني وعنفوان دربي وانعكاس تفكّري وخطوات أنفاسي. جود سحرك يصور مشاهد الطبيعة، الجمال، العلم والفكر، وتكاد تتجلى معانيك في أجراس الألفاظ، وكلماتك خطوات الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياة.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة