"إن التغيير وصل الى الولايات المتحدة، لقد احتجنا وقتاً طويلاً والطريق أمامنا سيكون طويلاً وصعباً" بهذه الكلمات أفتتح الرئيس الأمريكي الجديد خطاب النصر ـ أول خطاب رئاسي، أمام 200 ألف من أنصاره الذين احتشدوا أمام منصة حديقة شيكاغو حدث كبير،لا بل زلزال تاريخي سياسي من العيار الثقيل، ذلك الذي شهدته الولايات المتحدة فجر الأربعاء 5 نوفمبر 2008، مع وصول رجل أسود إلى البيت الأبيض للمرة الأولى منذ تأسيسها,فقد حقق المرشح باراك اوباما انتصارا تاريخيا وساحقا على منافسه الجمهوري جون ماكين ليصبح وهو في السابعة والاربعين من عمره اول اميركي اسود من أصل أفريقي ينتخب رئيسا للولايات المتحدة,هذا التغيير الجذري التي شهدته الولايات المتحده ما هو الأ تأكيدا حاسماً على ديمقراطيه هذا البلد. فقد أكد أوباما لمؤيديه قبل الانتخابات "لن أكون رئيسا يتسم بالكمال لكنني استطيع أن أعدكم بأنني سأكون صادقا وأقول ما أفكر به" فلا ريب أن لهذا الرئيس العاقل الشاب شخصية جباره وكاريزمية من الطراز الأول,ولا شك أيضا أن برنامجه الذي رفع رايات "التغيير" ولوح بألانسحاب من الأراضي العراقيه في غضون 24 شهرا والتركيز على محاربة تنظيم القاعدة ووعوده بتحسين الأقتصاد من خلال خفض الضرائب عن 95 % من العائلات العاملة وتوفير مبلغ 50 مليار دولار على الفور لمصلحة الولايات التي تعيش تحت وطأة نقس البنية الأساسية يتم تخصيصها في المجالات الصحية والتعليمية والطرقات ، أصاب عصباً حسّـاساً لدى الشعب الأمريكي الذي عاش مع الرئيس جورج بوش ثمان سنوات عِـجاف التي اثارت غضب الراي العام العالمي بسبب سياسته الموصوفة بالعدوانية والاحادية ، تدهورت خلالها سـمعة الولايات المتحدة إلى الحضيض ، وتآكل اقتصادها إلى درجة خطيرة.
لكن سحر باراك أوباما وحده لم يكن كافٍ لتحقيق هذا الحلم . فهناك عده أمور أولها هو قوه الديمقراطية الأمريكية ونُـضجها، اللذان مكّـنا الولايات المتحدة من القيام بالخطوة التاريخيه، المتمثلة بكسر الحاجِـز العنصري والأمر الثاني، غرابة المجتمع الأمريكي وغرابه استعصائه على الفهم أو التوقع لما قد يجري على الساحه السياسيه، الأمر الذي دفع مراسل "فايننشال تايمز" في واشنطن الذي كنت اتابع في الصدفه نقله للأحداث في فجر الأربعاء في بث حي ومباشر, إلى الاعتراف بأنه وعلى الرغم من السنوات التي أمضاها في تغطية تطوّرات واشنطن، إلا أنه سيُـنهي رحلته السياسيه الأمريكية المديدة ، بدون أن يفهم حقاً كنه أمريكا وذلك بسبب أختيار الشعب رجل أسود. فلقد ساهمت الأزمة المالية التي تعصف في أسواق وول ستريت في إعطاء أوباما ومرشحه لمنصب نائب الرئيس السيناتور جو بايدن الزخم المطلوب للتصدر فأن بأراك أوباما الذي ورث من جورج بوش ترِكَـة ثقيلة من الهموم الاقتصادية والحروب المفتوحة والنزاعات الحاده، التي لم تُـحسَـم حتى اليوم، وأهمل تماما تسوية الصراع العربي الإسرائيلي وتاجر بقضية نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط , سيكون أكثر اهتماما لَـدى تولِّـيه السلطة في 20 يناير القادم في العمل فورا بوضع خطه أقتصاديه بمحاوله منه لتحسين الأقتصاد  ولأنهاء الحرب على العراق وسحب القوات الأمريكية مع مُـراعاة ضرورة توفير حدٍّ أدنى من الاستقرار الأمني في العراق تلك قضية شكّـلت وعدا انتخابيا رئيسيا، أما القضيه الثانيه فستكون محاوله وضع حد للملف النووي الإيراني قبل أن تكتمِـل قُـدرة إيران على توفير الوقود النووي وإمكانية تطوير أسلحة نووية.
أن باراك أوباما الذي لم يسبق له العمل في قضايا السياسة الخارجية قط والذي يتوقّـع منه العالم الكثير من أجل التوصل الى معاهده سلام شامله في الشرق الأوسط ، ليس بوسعه التورّط في وساطة قد تجلُـب إليه الفشل المبكّـر، ولذلك، ستكون أفضل فرصه لتنشيط عملية السلام العالميه،هي الساحه السياسيه الشرق أوسطيه ,وأهمها تشجيع المفاوضات السورية الإسرائيلية، والتي يمكن أن تتمخّـض عن آثار متلاحِـقة في التعامل مع حركات مقاومه في فلسطين ولبنان.
أتمنى لك النجاح بمهمتك الجديده وبخيالي دموع الفرح التي ملئت مؤيديك عبر شاشات التلفاز بأول خطاب رئاسي لك في شيكاغو أملاً منك بأن تكون رئيساُ يعمل من أجل السلام.
طوبى لصانعي السّلام فإنهم أبناء الله يدعون.