عندما تعجز الحجة عن مقارعة الحجة، والدليل عن مقارعة الدليل، وبعدما يقف الظالم عاجزا أمام قوة برهان أصحاب الحق وحجتهم، فإن الظالم لا يجد إلا اللجوء إلى البطش والعنف والقوة والعودة إلى قانون الغاب والتهديد والتلويح بلقمة العيش وشربة الماء.
وها هو التاريخ يعيد نفسه، وما أشبه اليوم بالبارحة، إلا أن الأسماء والمسميات تتغير، لكن الأسلوب هو الأسلوب، والنتيجة هي النتيجة.
قبل 14 قرنا وقف كفار مكة يخوفون المكيين من اتّباع دين محمد صلى الله عليه وسلم من خلال التلويح بالجوع والفقر، وتخويفهم أن الدين الجديد سيمنع العرب من المجيء إلى مكة وإلى الكعبة لعبادة الأصنام والحج إليها، الأمر الذي سيؤدي إلى ضيق العيش والفقر بسبب مقاطعة الحجيج لمكة وأهلها، فنزل قوله تعالى: {لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}.
وبعد فشل التخويف بنقص الرزق، وإصرار العديد على اتباع دين محمد صلى الله عليه وسلم، تحوّل كفار مكة من القول والتهديد إلى الفعل، فأعلنوا المقاطعة الاجتماعية والاقتصادية على كل من يؤمن بدين محمد محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى كل من يناصرهم ويحميهم، فكان ما سجلته السيرة النبوية بما عرف بـ "شِعْب أبي طالب" وفرض الحصار على المسلمين وعلى أبي طالب وقومه لثلاث سنوات متواصلة، مات خلالها من  مات، وجاع من جاع، وعطش من عطش، إلى أن بعث الله تعالى الأرضة لتأكل وثيقة المقاطعة ولا تبقي إلا كلمة "بسمك اللهم". وبنفس الوقت حركت الحمية مجموعة من العرب الذين خرجوا وهم يحملون سلاحهم باتجاه الكعبة لإنزال الوثيقة وإنهاء المقاطعة عن ابي طالب ومن معه في الشعب.
وها نحن اليوم أمام المقاطعة العالمية على قطاع غزة وعلى السودان وليبيا وسوريا وإيران وكل من يفكر بالخروج عن طوع الحلف الأمريكي، ولكن أين العرب والمسلمون الذين تحركهم النخوة والحمية كما تحركت نخوة العرب في شعب أبي طالب.
وبما أنني لا أريد الإطالة في القضايا العالمية والإقليمية فإنني سأتحول للحديث عن المقاطعة التي أعلنتها جماعات من اليهود في عكا وخارجها على المواطنين العرب وعلى التجار العرب في المدينة، والتي لا تزال مستمرة حتى كتابة هذه السطور.
ففي الوقت الذي أؤمن به أن الرزق من عند الله تعالى، وأنه لن يستطيع أي إنسان مهما كانت قوته أن يمنع رزقا قد كتبه الله لإنسان ما، كما أؤمن أن كل قوة في الدنيا لن تزيد على رزق إنسان لم يكتبه الله له، مع هذا الإيمان الراسخ كرسوخ الجبال، إلا أن خطورة هذه المرحلة تدعونا للأخذ بالأسباب وعرض الواقع ودراسته وبحثه والتعمق به ووضع الحلول والطرق البديلة، وعدم الاعتماد في الرزق على خططهم وبرامجهم، واستغلال قوتنا الشرائية وتوجيهها لدعم المصالح والشركات العربية التي ستعود بالفائدة والنفع على أبناء شعبنا، وهذا هو الرد الذي ينبغي أن يكون على كل محاولات حصارنا والتضييق علينا.
حيال الحصار الاقتصادي على مدينة عكا، أريد أن أقدم تحية لأهلنا وأحبابنا من القرى والمدن العربية الذين جاءوا بالحافلات التي أقلت الرجال والنساء والأطفال للوقوف إلى جانبهم وردا على دعوات المقاطعة وعلى إلغاء إدارة بلدية عكا للاحتفالات الأخيرة في مهرجان عكا، ليس لشيء إلا من أجل معاقبة التجار العرب وسكان المدينة العرب، حيث أنهم هم الذين يديرون المتاجر والأسواق والمطاعم والمقاهي في عكا القديمة. لكن هذا الدعم المبارك من أبناء شعبنا وأهلنا في الداخل لا يكفي ويجب أن ينظم ويكثف، وإلا فإن استمرار المقاطعة المبرمجة والمنظمة ستؤدي إلى إغلاق العديد من المحال التجارية في عكا القديمة، والتي يطمع غيرنا بشرائها والسيطرة عليها بديلا عن العرب.
إن المؤامرة التي تحاك ضد المواطنين العرب في عكا ليست بالسهلة ولا بالهينة وهي أكبر من أن يترك العرب في عكا لوحدهم لمواجهتها والتصدي لها، وإنما تحتاج إلى خطة عربية قطرية تكون على مستوى التحدي، وإلا فإن نجاح خططهم ضد  العرب في عكا ستدعوهم للانتقال بعد ذلك إلى العرب في حيفا ثم يافا ثم سائر مدننا وبلداتنا العربية، أملا في الوصول إلى تحقيق حلمهم، والذي لن يتحقق بإذن الله وبوقوفنا سويا في وجه أحلامهم وخططهم وأهوائهم.
نتوجه إلى أهلنا في كل الوسط العربي: إخوانكم في مدينة عكا يستصرخونكم ويستغيثون بكم لمناصرتهم ودعمهم في هذه المرحلة الحرجة التي وصلت إلى مستوى التهديد والحرب في لقمة العيش وكسرة الخبز وإغلاق أبواب الرزق، الأمر الذي يستدعي وقفتكم ودعمكم ومناصرتكم، ليصدق فينا قول الشاعر:
تآخينا وما عدنا  بعون الله نختصم
وأعطينا مواثقنا بحبل الله نعتصم
فإن حلت بنا محن  رغيف الخبز نقتسم.