الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 19 / مارس 04:02

لا طريق للنّزعة الاستئصاليّة والتّعصّب نحو عمران المجتمعات/ بقلم: المحامية رغدة عوّاد

رغدة عوّاد
نُشر: 12/07/20 17:31,  حُتلن: 23:32

رغدة عوّاد في مقالها:

التّعصّب للفكرة الواحدة والخوف من المختلف، ما هي إلّا خطوة نحو هدم مجتمع سويّ، فمن غير المنطقيّ أن يجعل المرء لنفسه "قاعدة بشريّة" تتفاعل مع أفكاره و"تغرّد" مع سرب قناعاته

لربّما من أكثر ما يميّز الشّعوب المتحضّرة عمّن سواها هو تقبّل الاختلاف، في حين تتعالى خطابات التّحريض وعدم تقبّل الرّأي المخالف في مجتمعات أخرى.
تتمخّض عن هذه المجتمعات أفراد ذوو يقين جازم أنّ مواقفهم على بيّنة، دون أن يتركوا أدنى حقّ للرّأي الآخر، فيحيطون أنفسهم بهالة من المعرفة، كأنّهم هم الأعرف والأعلم! حتّى يصبح نبذ المخالف ورفضه عقيدةً مجتمعيّةً، والّذي –باعتقادي- لا يمكن أن يمثّل إلّا خللًا في الفكر الجمعيّ لهذا المجتمع.

إنّ التّعدّديّة الفكريّة هي رافد مهمّ من روافد التّقدّم القويم؛ إذا ما اختلفنا وقبلنا هذا الاختلاف وسخّرناه كمادّة تفكيريّة تصلح لطرح حوار فكريّ راقٍ؛ فلن يصبّ هذا إلّا في مصلحة المجتمع ومنفعته. فقد يعبّر الاختلاف عن مشارب فكريّة متعدّدة ينتفع من معرفتها كلّ طرفٍ، وقد يحفظ الودّ بينهم ولا يفسده.

يقول الكاتب ستيفان كوفي: "إنّ أعظم مشكلة نواجهها ونحن نتواصل؛ هو أنّنا لا ننصت لكي نفهم، بل ننصت لكي نجيب". هذا دليل واضح على ميْل المرء إلى الاندفاعيّة في الرّدّ والذّود عن موقفه، دون أن يبذل جهدًا في أن يعمل فكره ويسخّر وقته في استماعٍ موضوعيّ لموقف الآخر، ممّا قد يقوده إلى رفضه وحتّى معاداته. لِذا، فثقافة الاختلاف والحوار خطّان لا ينفصلان، فالحوار مقدّم فوق كلّ الاعتبارات من أجل بناء مجتمع يؤمن بثقافة الاختلاف.

إنّ التّعصّب للفكرة الواحدة والخوف من المختلف، ما هي إلّا خطوة نحو هدم مجتمع سويّ، فمن غير المنطقيّ أن يجعل المرء لنفسه "قاعدة بشريّة" تتفاعل مع أفكاره و"تغرّد" مع سرب قناعاته، وتصفّق له عند كلّ حوار، بينما هو يقصي من دائرته كلّ مختلف ويمطره بوابل من الاتّهامات الاقصائيّة المرفوضة.
خِتامًا، أرى بضرورة تقبّل الآخر مهما كانت أبعاد اختلافنا، إن كنّا نسعى لمجتمع نيّر بالفكر والتّقبّل، ولا أرى أيّ تعارض بين مفهوم قبول الاختلاف وبين مفهوم الفكر المحافظ الهُويّاتيّ؛ فقد تمثّل الفكرة المخالفة منبع إلهامٍ أو مصدر صقلٍ لأفكارنا، بحيث تلتقي أفكارنا الشّخصيّة وأفكار الآخر المختلف في نقطة نستطيع أن نخرج منها بفكرٍ جديدٍ لا ينافي كلاهما، بل يسعى لنظرة ثاقبة نحو التّجديد وتوسيع المدارك.
أمّا أولئك الّذين يصمّون آذانهم عن كلّ فكر مختلف، ويدأبون على تكرار نفس الشّعارات ونفس التّصدّي؛ فقد خسروا في معركة كانوا من الممكن أن يكونوا فيها جزءًا من جنود المجتمع الّذين يسعون بالضّرورة إلى خيره وإصلاحه.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة