الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 22:02

إدارةُ المخاطرِ- في ظلِّ الكورونا/ بقلم: د. احمد مطلق حجازي

د. احمد مطلق
نُشر: 17/05/20 13:24,  حُتلن: 20:40

عملية إدارة المخاطر في زمن الكورونا هي عملية تحديد وتحليل المخاطر التي قد تتعرض لها المؤسسة واتخاذ الخطوات الأمثل للتقليل منها أو القضاء عليها باستعمال العديد من التقنيات والأدوات المتخصصة لذلك

إنّ انتشارَ وباءَ جائحةِ الكورونا جعلَ العالمَ يستشعر الخطرَ على حياةِ الانسان، بل ويواجههُ كلٌّ حسبَ قدراتِهِ الإداريّة المهنيّة والعلميّة، والأصعب من ذلك أنّ لا أحد يتوقع متى تنتهي هذه الأزمة من الناحية الزمنية، ولكن سرعان ما نَتَجَ عن هذه الجائحة أن تحولّت إلى أزمةٍ كبيرةٍ متدحرجةٍ تؤثرُ على جميعِ مجالات الحياة، ومن الصعوبةِ السيطرة عليها، وذلك بسبب عدمِ الاستعدادِ المسبقِ للمخاطرَ المحتملةِ والتي تؤثّرُ على جميع مجالات الحياةِ المختلفةِ، وأنّ فاتورةَ إدارة الأزمة التي نتوقعها ستكون باهظةَ الثمنِ على المستوى الاقتصادي، الاجتماعي والخدماتي وغيرهم.

تُعدُّ إدارةُ المخـــاطرَ المؤســـسيّة عنـــصرًا أساســـيًّا مـــن عناصـــرِ الإدارةِ والمـــساءلةِ في المنظمات، وهو أسلوبٌ منهجيٌّ يُطبّـق علـى نطـاق المنظمـة، الأمـر الـذي يـدعم تحقيقهـا لأهدافها الاستراتيجية من خلال إعمال ممنهج استباقي في تحديد المخاطر وسيرها وتقييمها وتحديد الأولويات المتعلقة بها ومراقبتها المنظمة بأكملها، والهدف من نهج إدارة المخاطر المؤسسية هو المساعدة على ضمان استدامة عمل المنظمة وتمكينها من تحقيق أهدافها التنظيمية. حيث يقوم هذا النهج على تنفيذ عمليـة لإدارة المخـاطر علـى نطـاق المنظمـة، وجعـل هـذه العمليـة مـسؤولية يتقاسمهـا الجميـع، وإتاحـة منسقة منهجية.

تستند نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية الإدارة، الى خلفيات قانونية ودستورية واجتماعية ومنها مبدأ الغنم بالغرم، مبدأ التضامن الاجتماعي، مبدأ العدالة المجردة التي تستوجب رفع الضرر مهما كان مصدره مجهولاً، ومبدأ المساواة أمام الأعباء والتكاليف العامة، كما ان هناك اعتبارات ومبررات فلسفية وسياسية واقتصادية واجتماعية قامت حديثًا تدعم وتسند قيام هذه النظرية كما سبق البيان والتوضيح، منها فلسفة التدخل التي اصبحت سمة من سمات الدولة الحديثة لانتشار الأفكار والنظريات الاشتراكية والنظريات الشمولية الجماعية وتزايد الازمات الاقتصادية والاجتماعية، ونتج عن ذلك طغيان المصلحة العامة والتضحية الى حد ما بحقوق وحريات الاشخاص الخاصة والذين أصبحوا في ظل هذه النظم الحديثة مطالبين بحكم ضرورة وحتمية علو وسيادة مصلحة الجماعة بالوضوح والتنازل امامها مختارين او مكرهين والتضحية بمصالحهم الخاصة، فصار حتميًّا تبعًا لذلك قيام نظرية المخاطر كضمان أمان لحماية الحقوق الخاصة.

إنّ عدم وجود استراتيجية واضحة لمواجهة المخاطر على مستوى المؤسسات الحكومية واذرعها المختلفة، ذلك لأننا لم نتوقع ولم نكن جاهزين لإدارة المخاطر، فإنّ ادارة المخاطر تُعدّ مركّبًّا مركزيًّا من مركبات التحليل الرباعي الاستراتيجي swot والذي يضم نقاط القوة والضعف ويتأثر من البيئة الداخلية والفرص والمخاطر (التي تعني هدم وتحطم وحتى زوال المؤسسة)، كما ويتأثر من البيئة الخارجية للمؤسسات. إدارة المخاطر Risk Management هي عملية قياس وتقييم للمخاطر وتطوير استراتيجيات لإدارتها، تشمل هذه الاستراتيجيات نقل المخاطر إلى جهة أخرى وتجنبها وتقليل آثارها السلبية وقبول بعض أو كل تبعاتها وإعداد خطط التعامل مع المخاطر التي لابد من وقوعها، كما يمكن تعريفها بأنها النشاط الإداري الذي يهدف إلى التحكم بالمخاطر وتخفيضها إلى مستويات مقبولة.
وها نحن الان قد بدأنا نشعر بتأثير أزمة جائحة الكورونا على جميع الأصعدة الحياتية، ويمكن ان نرى ذلك من خلال عدم وجود برامج واضحة للعودة للحياة الاعتيادية، وهناك نقاش كبير وفارق في وجهات النظر بين الوزارات المختلفة (الصحة، المالية ووزارة المعارف وغيرها)، السلطات المحلية والهيئات الشعبية وكل يوم يتم طرح برامج مختلفة والتي تضع المواطنين في حيرة من امرهم.
كل ذلك يقودنا كي نتمكن من مواجهة هذه الازمة وتٌحتم على مؤسسات الدولة الحكومية بكل مركباتها العمل على طرح برامج ونظرة شمولية للمخاطر المحتملة وتوقع أمور أصعب التي يجب تحديدها ومعالجتها من خلال برامج تنفذها طواقم تنظيمية ادارية مهنية، وكل هذه الطواقم يجب ان تعمل تحت مظلة واحدة لكسر حواجز بيروقراطية مؤسساتية.

وهنا يجب تحديد المخاطر المحتملة بمختلف المستويات ومعرفة الأثر الذي يجلبه كل نوع من المخاطر او مجموعة المخاطر ووضع خطط استراتيجية بمختلف انواعها لتخفيف الخطر ومواجهته وتقليل الضرر من خلال وضع اختيارات مسبقة والتأكد من القدرة على التطبيق والتنفيذ الاستباقي قبل ان تتفاقم المخاطر وتصبح خارجة عن السيطرة، لكل هذه الاحتياجات اداة وقائية ورقابية لتعزيز سرعة الاستجابة وتحديد مستوى عمل المخاطر.

مراقبة المخاطر ومتابعتها من قبل طواقم عمل مهنية ومختصة وهنا يجب ان تكون خطط الاستجابة لكل هذه المخاطر المختلفة والمحتملة بأكثر من سيناريو يرتكز على ثلاثة مستويات (سيناريو أساسي، سيناريو مع صدمة متوسطة وسيناريو مع صدمة شديدة)، ودائمًا يجب ان تكون توقعاتنا في مجابهة السيناريو الأصعب والأشد لكي يكون سقف توقعاتنا يعتمد على هذه السيناريوهات.
خطة إدارة المخاطر تتمثل في وجود خطة مُحكمة تسمى خطة إدارة المخاطر، حيث تهدف هذه الخطة إلى وضع مجموعة من التنبؤات الخاصة بالمخاطر المُحدقة بالمنظمة خلال الفترات الزمنية المستقبلية، كما تساعد على وضع بعض السياسات والإجراءات المتعلقة بمواجهة تلك المخاطر في حال وقوعها بحيث يتم تحجيم الأضرار الناجمة على وقوع هذه المخاطر إلى أقل نسبة ممكنة، وغالبًا ما تكون خطة إدارة المخاطر على شكل وثيقة تحتوي على التهديدات المحتملة، ويتم التصريح بهذه الوثيقة للأطراف التي تُعنى بمواجهة هذه المخاطر، كما يتم دراسة خطة إدارة المخاطر مُسبقًا بشكل تحليلي لتقييم إذا ما كانت هذه الخطة تتناسب وطبيعة المنظمة وما يهددها من مخاطر.
من أبرز ما يجب أن تتميز به خطة إدارة المخاطر هو المرونة العالية، بحيث تكون قادرة على تقدير حجم الأضرار المترتبة على كل نوع من المخاطر المحتملة، ليتم مقاومة أضرارها بأفضل الطرق المُتاحة، فهناك أضرار ذات تأثير طفيف، وأضرار أخرى ذات تأثير مرتفع، كما يجب أن يتم إجراء تحديثات وفقَ ما تقتضيه الظروف والحاجة على خطة إدارة المخاطر، لتكون هذه الخطة متكاملة وقادرة على التجاوب مع جميع المستجدات الفعلية التي لم تكُن في الحسبان مسبقًا، كما يدخل في تعريف إدارة المخاطر وخطة إدارة المخاطر ما يُعرف بسياسات التحوُّط، والتي تكون على شكل عقود يتم فيها تشارك حجم الضرر بواسطة عقود تأمين أو معاملات تحوُّط خاصة.
وحتى يكون لتجهيزاتنا فاعلية ناجحة يجب ان نأخذ بالحسبان كل الاحتياطيات المختلفة مسبقًا، مثل المادية الاقتصادية، شحن الهمم المجتمعية وغيرها، من أجل تنفيذ خطط الاستجابة ومعالجة هذه المخاطر.

عملية إدارة المخاطر في زمن الكورونا 
عملية إدارة المخاطر في زمن الكورونا هي عملية تحديد وتحليل المخاطر التي قد تتعرض لها المؤسسة واتخاذ الخطوات الأمثل للتقليل منها أو القضاء عليها باستعمال العديد من التقنيات والأدوات المتخصصة لذلك، وتعد هذه العملية مهمة نظرًا لاستحالة خلو أي عمل من المخاطر بعضها يمكن التنبؤ بها والسيطرة عليها وبعضها يصعب التنبؤ بها والسيطرة عليها، واكبر مثال على حدوث ذلك هو ظهور جائحة الكورونا التي تسببت في شلل المؤسسات الخدماتية والاجتماعية والدينية وغيرها، كما وأدت الى خسائر كبيرة وقد تسببت بإفلاس شركات ومصالح مختلفة ودخول اكثر من مليون عامل في البلاد لدائرة البطالة، شلل الحياة العامة وتحديد كثير من السلوكيات الفردية والجماعية، لذلك فإن عملية إدارة المخاطر تعد من الأمور الهامة التي يغفل عنها البعض أو لا يدرك مدى أهميتها.
خطوات عملية إدارة المخاطر: تعد عملية إدارة المخاطر عملية متسلسلة ويجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من العمليات التنظيمية للمؤسسة، كما يجب أن تكون جزءًا من عملية اتخاذ القرار.
تحديد السياق لخطوات عملية إدارة المخاطر: عملية تحديد وتحديد هوية وأهداف أصحاب المصلحة، واختيار الأساس الذي ستتم عليه عملية تحديد المخاطر والتي سيتم تقييمها وتقييدها، وبعد ذلك يتم تحديد إطار العمل ووضع الخطة الزمنية، ومن ثم تحليل المخاطر التي تتضمنها العملية، وبداية العمل على حل مسببات المخاطر أو تخفيفها بالاعتماد على الموارد البشرية والتكنولوجية والتنظيمية المتاحة.
إدارة المخاطر الاقتصادية في ظل جائحة الكورونا كانت وما زالت قضية ملحة ومهمة بعد الصحة على مستوى الفرد، المؤسسة والحكومة خاصة، وان معالم الفترة الزمنية غير محدد لهذه الظاهرة ولها مركبات متدحرجة الى المستوى العالمي، الدول، المؤسسات، الفرد والعائلة، يستمر العالم والبلاد في التعاطي مع الأزمة بالإمكانيات المتاحة ووفق الاحترازات الممكنة، وإن كانت بدرجات مختلفة، قطاعات الإنتاج تتعطل والاقتصاد يعاني آثار الجائحة.
من المتوقع أن تتجه الدول عالميًّا وكذلك في البلاد باتجاه التقشف المالي، وإعادة توجيه الموارد المالية لمواجهة التحديات الأبرز التي تأتي في سلم أولويات الدولة، الصحة أولًا والاقتصاد ثانيًا والتركيز على القطاعات المتأثرة وتقديم الدعم والرعاية للمواطنين، وتوفير السيولة النقدية لمواجهة الأوقات العصيبة التي لا يمكن التنبؤ بها حاليًّا.
طرق الحدّ من المخاطر: تختلف عملية إدارة المخاطر باختلاف وظيفة المؤسسة أو الغرض المرجو منها، لأن ذلك يؤدي إلى اختلاف أنواع المخاطر التي قد تتعرض لها، ولكن جميع أنواع المخاطر هذه يمكن التعامل معها بطريقة واحدة أو أكثر، التجنب: تجنب الأسباب التي قد تؤدي إلى وقوع المخاطر، كتجنب استعمال طرق معينة في معالجة الأمور وهذا غير ممكن في حالة الكورونا. أيضا المشاركة: الاستعانة بالمصادر الخارجية التي قد تتحمل بعضًا من الخسائر في حال وقوع خطر ما مثل شركات التأمين، ويحدث هذا فقط على المستوى الاقتصادي، ولهذا، الطرق الأمثل للحد من المخاطر في ظل جائحة الكورونا في ظل الظروف الراهنة هو التقليل واستخدام طرق جديدة لتحسين الأداء والتعلم من الأخطاء وفحص الإمكانيات في مواجهة التأثيرات المختلفة في كل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والخدماتية، وفي الظروف الحالية ولعدم وضوح الرؤيا لمواجهة الجائحة، يمكن تقبل ذلك بإمكانية وقوع مخاطر مستقبلية واصعب على مستوى الفرد، العائلة، المؤسسات والدولة وتخصيص حصة مالية لمعالجة المخاطر التي قد تقع مستقبلا. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة