الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 01:02

دولة الذكور -بقلم: حازم القواسمي

حازم القواسمي
نُشر: 09/05/20 21:28,  حُتلن: 21:29

تاريخ العرب، كما هو تاريخ باقي الأمم، مليء بالروايات والقصص والنجاحات والهزائم. منها ما هو دقيق بينما الكثير منه مبالغ فيه إلى حد الكذب والتزوير. وهذا التاريخ للبشرية جمعاء، المليء بالحروب والقتل والظلم والاستعمار، تاريخ يطغى عليه الذكورية. فالأبطال وقيادات الجيوش في معظمهم ذكور، والحكام والملوك ذكور وأشهر الفلاسفة والأدباء والمفكرين والشعراء ذكور، والعلماء ذكور، والحكماء ذكور. باختصار فإن قيادات المجتمعات في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كانت جميعها ذكوراً إلا بعض الاستثناءات. أي أنه كان تاريخاً ذكوريا.

وإن توقفت مصيبتنا في ظلم المرأة على تاريخنا، فما أهون من هذه المصيبة، لأن الظلم ما زال قائماً وذكوريتنا ما زالت هي التي تقودنا. إن الأمم تتطور، وتتعلّم من تاريخها، وتبني على نجاحاتها وتحاول أن تستفيد في المجالات التي أخفقت بها. والسباق اليوم ليس فقط في مجال الصناعات التكنولوجية وفي غزو الفضاء وفي تطور علم الأعصاب، بل أيضاً تتسابق الأمم في مجال تطبيق حقوق المرأة. فالمرأة بدأت تأخذ مواقع متقدمة في كثير من دول العالم، بل أصبحت هي التي تقود شعوبها وتترأس حكوماتها.

تايوان اليوم تقودها امرأة اسمها "تساي إنغ ون" وهي أول رئيسة أنثى لهذا البلد الأسيوي، قادت أنجح معركة عالمية ضد انتشار فايروس كوفيد 19 (الكورونا) في بلدها حيث لم يسجل أي حالة عدوى منذ 17 يوم على التوالي. وبهذه القيادة الحكيمة، كانت تايوان من البلاد القليلة في العالم الذي استمر النشاط الاقتصادي فيها، ولم تغلق المدارس والجامعات والنشاطات العامة. وألمانيا، تلك الدولة العظيمة بصناعتها واقتصادها، تقودها امرأة مثل ميركل تفوق إنجازاتها السياسية والاقتصادية والثقافية كثير من القيادات الذكورية في شتى أنحاء العالم. وفنلندا لقّنت العالم درساً غير مسبوق في تعيين الرؤساء حين اختارت سانا مارين بنت الرابعة والثلاثين لتكون أصغر رئيسة وزراء في تاريخها. ويرأس سويسرا، بلد حقوق الإنسان، حاليا امرأة منتخبة من الاتحاد السويسري تدعى سيمونيتا سوماروغا حيث باشرت حكمها من الأول من يناير 2020. ويرأس حكومة النرويج اليوم وللمرة الثانية إرنا سولبرغ. والأمثلة عديدة على نساء موجودات حالياً في رئاسة الدول والحكومات مثل الدنمارك، بلجيكا، استونيا، جورجيا، سلوفاكيا، صربيا، سنغافورة، نيوزيلندا، آيسلندا، بولفيا، إثيوبيا، نيبال، وميانمار. ناهيك عن النساء التي ترأست حكومات ودول سابقة وتقلدت مناصب وزارية وقيادية في الدولة.

وبينما هناك دول وشعوب تتقدم بسرعة جيدة في إعطاء المرأة حقوقها الكاملة وإنصافها من التاريخ الظالم، ما زالت هناك دول كالدول العربية تسير كالسلحفاة وبتردد شديد. وبالرغم من بعض الإضاءات القليلة في تعيين عدد من الوزيرات في عدد من الحكومات العربية الحالية، مثل الحكومة اللبنانية الحالية التي صدمت العالم العربي إيجابياً بتعيين ست وزيرات منها وزيرة الدفاع ونائبة رئيس الحكومة زينة عكر. نعم، كسرت لبنان الانطباع الخاطئ (التابو) وأثبتت للعرب أن المرأة العربية تستطيع أن تكون وزيرة للدفاع، فهي لا تحتاج للسيف والرمح والعضلات لتشغل هذا المنصب، وكل ما تحتاجه هو العقل والخبرة والذكاء والدهاء. ولا تستهينوا في دهاء المرأة وذكائها فقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أنها لا تقل بذلك عن الرجل بشيء. ولا ننسى تونس، رائدة الثورة الحديثة في العالم العربي حيث يوجد حالياً أربعة وزراء نساء في حكومة إلياس الفخفاخ. كما وصل عدد الوزيرات النساء في حكومة الإمارات إلى تسعة.

إذن، ليست الصورة قاتمة جداً كما يتصورها البعض. فلم يعد دور المرأة مقتصرا فقط على المكوث في البيت وعلى الطبخ والغسيل والتنظيف، أو العمل فقط في مهن محددة اجتماعياً للمرأة مثل التعليم والتمريض وغيرها، بل أصبح من الممكن أن تعمل المرأة في السياسة وفي الأمن وتصبح وزيرة وقاضية وعضو برلمان ومديرة لمؤسسات مهمة في البلد. وبالرغم من تقدمنا البطيء في تقليد المرأة أرفع المناصب في الدولة، إلا أنه حتى يومنا هذا، لم يجرؤ أي بلد عربي على انتخاب أو تعيين رئيسة وزراء له، كما هو حاصل في عديد من دول العالم التي استعرضناها. فجميع الزعماء والملوك ورؤساء الحكومات العربية ما زالوا ذكورا، وما زالت دولنا العربية دول ذكور. فهل هذا المنصب ممنوع على المرأة العربية، بينما هو مسموح للمرأة الأوروبية والأسترالية والاسيوية والإفريقية!

إن المرأة العربية لن تأخذ حقوقها الكاملة إذا انتظرت الرجل العربي صاحب الفكر الذكوري أن يتفضّل عليها بذلك. فالحقوق تنتزع ولا تعطى، وهي ليست منة من أحد على أحد. وعلينا أن نعترف وبكل جرأة أن عقليتنا العربية الذكورية، ما زالت متسلطة وقمعية واستبدادية تجاه المرأة وحقوقها، ولتسقط كل الأسباب والحجج التي نسوقها لتبرير ذلك. لا مانع أن ننتخب امرأة لرئاسة الدولة أو الحكومة، فالمرأة العربية ليست أقل ذكاء من أي امرأة أخرى في هذا العالم.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة