أهدتني استقلال عيد، شاعرة من كابول الجليلية مجموعتها الشعرية "آسفة على الإزعاج"، وهي مدرّسة لغة انجليزية عملت سابقا في النقب وتعمل الآن في الجليل. قرأت الكتاب واستمعت إليه من القرص المضغوط، فاستمتعت به شكلا ومضمونًا.
أول ما تبادر إلى ذهني بعد أن قرأت الكتاب أول مرة هو العنوان والرسم على الغلاف، فهما يبدوان متناقضان، مع سبق الإصرار والترصّد. فالمُتحدّثة- "سَويدة الوجه" باللغة المحكية في بلادنا- تقصد غير ما تقول، وهي تشبه الفتاة المتمردة التي تسير بعكس التيّار في الرسم على صفحة الغلاف. اختار لها والداها اسمًا مستفزًّا، استقلال، وأرادت أن تستفزنا أكثر بتوقيعها الكتاب باسم "استقلال بلادنا من المحيط إلى الخليج (بنت البروة)". الاستقلال في العالم العربي وفي بلادنا نكتة مضحكة مبكية، والبروة، مسقط رأس الشاعر محمود درويش، والتي تنحدر منها عائلة استقلال، تحولّت إلى أحيهود واندثرت معالمها، أو تكاد تندثر، إلا من ذاكرة بعض هواة الإزعاج والنكد، وبعض كتب التاريخ.
ترسم القصائد صورة لمتمردة مزعجة في الحيز الشخصي الاجتماعي، العربي المحلي، والعربي الأوسع المنشغل بدسائسه وصراعاته القبلية، حيث تصور الواقع العربي الدامي، على كافة الأصعدة، في قصيدة "بائع الأموات" التي تنبعث منها رائحة سخرية دامية العينين والكفين والقدمين.
في الحيز الشخصي، هناك ثورة على التقاليد العربية في المجتمع الأبوي الذكوري، وهي ليست بمعزل عن الهموم في الحيزين الآخرين. أما في الحيز المحلي، فيبرز انفصام الشخصية الجَمْعي في هذه البلاد- الجمع بين الهوية العربية الفلسطينية والمواطنة الإسرائيلية- في أماكن عديدة في الكتاب، تبلغ ذروتها حين توقع قصيدة "سأعجب شعبي من اليوم فصاعدًا" باسم "بنت أخيهود، نكسة بلادنا، من دان حتى إيلات" عندما تعلن "استسلامها" للواقع الاجتماعي بسخرية منفّرة منه، وهي بذلك تربط بين الحيزين الشخصي والعام وتقول أنّهما صنوان لا ينفصمان، فالمجتمع الحر لا يمكن أن يكون أفراده خانعين، كما أن الخضوع الفردي يحمل في ثناياه الخضوع المجتمعي العام، والتسليم بانتصار السيء في ثقافتنا يمهد الطريق أمام طمس أمور تشكل العمود الفقري لوجودنا كمجموعة تحاول التصالح مع ذاتها.

- الاستاذ فيصل صوالحة.. مفتش اللغة الإنجليزية في الجنوب 
بئر السبع

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com