الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 11:02

نتنياهو وغانتس/ بقلم:حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 31/03/20 16:27,  حُتلن: 12:09

بعد الانتخابات، وبغض النظر ماذا كانت ستكون نتائجها، كانت الخطة إقامة حكومة وحدة وطنية بين الليكود وأزرق أبيض تنفيذا للاتفاق غير المكتوب بين نتنياهو وغنتس بضغط من الرئيس الأمريكي الذي تربطه بنتنياهو علاقة عاطفية وعقائدية. ترامب أراد من هذا الاتفاق الاطمئنان على مستقبل توأمه نتنياهو خوفاً عليه من الخسارة في صناديق الاقتراع. فللرجلين، بالإضافة للعلاقة العقائدية والعاطفية، مشروع يريدان تنفيذه معاً هو صفقة القرن. الحجة التي أعدوها لغنتس للتستر وراءها أمام ناخبيه كانت المشتركة. وهي حجة مقبولة لدى الغالبية المطلقة من ناخبيه الذين لا يختلفون عن ناخبي نتنياهو ولم يكن مقبولاً عليهم أن يسقط العرب (المشتركة) رئيس حكومتهم.
المشتركة بلعت الطعم وبنية إسقاط نتنياهو ذهبت إلى رئيس الدولة دون قيد أو شرط وأوصت أمامه على غنتس لتشكيل الحكومة. بهذه الخطوة المتسرعة وغير الحكيمة وفرت المشتركة له ذريعة قوية أمام ناخبيه ليثبت لهم إخلاصه لمبادئه وأنه أمام الخيار الوحيد: إمّا المشتركة وإمّا نتنياهو. وطبعاً سيكون الخيار نتنياهو لأنه أقرب إليه وإلى ناخبيه مليون مرة من المشتركة وناخبيها. المشتركة منذ طرحها لمشروع اسقاط نتنياهو وتحويله إلى برنامج انتخابي أخطأت خطأ قاتلاً لأن إسقاط نتنياهو لا يعني تغيير السياسة الإسرائيلية وإسقاط نتنياهو لا يقدر عليه أعضاء الكنيست العرب لوحدهم إلا إذا وصل عددهم إلى أكثر من ستين عضواً (أغلبية) وهو أمر مستحيل وغير ممكن ولا يسمح به.
خطوة المشتركة كانت وفق السيناريو الذي أعده الثنائي نتياهو-غنيتس نزولاً عند رغبة ترامب، وبدءا بتنفيذه بعد الانتخابات مباشرة. فجاءت الكورونا لتغطي على هذا السيناريو وليستبدل الرجلان حكومة الوحدة الوطنية بحكومة طوارئ. وليستبدلا خطر المشتركة بخطر كورونا كحجة لتنفيذ الاتفاق بينهما (الذي كان معد مسبقاً وقبل الكورونا).


غانتس استغل لهفة ورغبة المشتركة في إسقاط نتنياهو واستعملها كجسر ليدوس عليه في طريقه إلى توأمه نتنياهو. وهو بعمله هذا أخطأ خطأ فادحاً واثبت أنه غير ناضج سياسياً لأنه أوقع نفسه في مطب مكن نتنياهو من ضرب عصفورين بحجر واحد: أوقع نفسه في إشكال أن تكون المشتركة هي رئيسة المعارضة في الكنيست بعد الاتفاق بين أبيض أزرق والليكود، وذلك يعني إشراكها في كل القرارات المصيرية التي تتخذها الحكومة وتوفير الحراسة الأمنية لرئيسها والكثير من الأمور الأخرى المحرمة على أعضاء الكنيست العرب بسبب عدم الثقة بهم رغم قسمهم اليمين (لأنه قسم غير مقبول وقت الجد). أمام هذا الوضع، أن يكون رئيس المعارضة عربي، الذي يرفضه الثنائي نتنياهو-غنتس ويرفضه ناخبيهما، لأنه في نظرهم يعتبر مس بأمن الدولة، تم الاتفاق على شق أبيض أزرق بحيث يكون يائير لبيد هو رئيس المعارضة وليس أيمن عودة. هذا الانشقاق، الذي قام به يائير لبيد، في رأيي لم يكون رد فعل أو تعبير عن غضب وإنما كان معداً وجاهزاً ومتفقاً عليه هو أيضاً قبل أن توصي المشتركة على غنتس لتشكيل الحكومة. وهكذا يكون نتنياهو قد ثأر من أيمن عودة الذي جعل من إسقاطه هدفاً رئيسياً من ناحية، وتخلص من أزرق أبيض التي شكلت خطراً عليه وعلى الليكود من ناحية ثانية، وفاز برئاسة الحكومة لفترة جديدة من ناحية ثالثة.


بهذه الخطوة أثبت غنتس مرة أخرى عدم نضوجه وقلة حنكته لأنه غاب عنه أمران مصيريان: أولاً غاب عنه أنه بهذه الخطوة أنهى الحزب الذي كان من الممكن أن يكون بديلاً لحزب الليكود في المستقبل. وثانياً غاب عنه أن نتنياهو من الممكن أن يدوس عليه، كما داس هو على المشتركة، ويشكل حكومة بدونه وهذا السيناريو ممكن ووارد جداً في رأيي إلا إذا كان الرجلان متفقان على هذه المسرحية التي تسمى أبيض أزرق منذ البداية وهو احتمال قد يكون قائماً وستثبته الأيام القادمة. فإذا استمر الاثنان معاً فهذا يعني أن الاتفاق قائم منذ البداية ويكون غنتس قد خدع ناخبيه وتآمر عليهم. وإن لم يستمرا فيكون غنتس ضحية وكما وصفته غير محنك وغير ناضج سياسياً.
أياً كان السيناريو المقبل فإن نتنياهو قد وطد حكمه وهزم كل منافسيه والمحرضين عليه. ساعده في ذلك أعضاء المشتركة الذين لا يزالون يكابرون ولم يصلوا بعد إلى القناعة أنه لا يمكن إشراكهم في القرارات حتى لو حصلوا على 25 عضو كنيست وهو أقصى ما يمكنهم الحصول عليه. وساعده غنيتس الذي تغطى بالكورونا التي غطت على كل شيء. نتنياهو وطد سلطته وهو بانتظار توأمه ترامب ليفوز برئاسة ثانية لينفذا معاً صفقتهما-صفقة القرن. لكن السؤال الكبير يظل: هل ستلعب الكورونا هناك لصالح ترامب كما لعبت هنا لصالح نتنياهو؟. هذا الأمر لا يزال غير وضح. ما هو واضح وجلي أن الشعب الفلسطيني ضحية صفقة القرن، بشقيه هنا وهناك لم يُعدّ أي سيناريو لمواجهة هذه الصفقة واختار أن يترك الأمور تجري على هواها لأنه سمح لقيادته هنا وقيادته هناك أن ترتكب الأخطاء الفادحة والكارثية والمتتالية وتتشبث بهذه الأخطاء وتواصلها وترفض التراجع عنها، دون أدنى محاسبة.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة