الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 07:02

بركان الدموع يختنق بين الزهور


نُشر: 29/10/08 07:01

لقد ادمنتُ لقائي الحميمي لجسد البحر ، فلعيونه لغةٌ خاصة لا يملكها أي احد من البشر ، ولطالما اعتبرته ذاك الملجأ الوحيد الذي يضمني بأمواجه ، ويستقبلني بميدانه الواسع متأبهاً لصهيل بكائي وتنهداتي ، ومتأنقاً بأصدافه ورمال شاطئه الناعمة تهيئاً لطقوس رومانسيتي الحالمة " والعبيطة " احياناً ..
فبات هذا الادمان جزءً من عِشرةٍ مخلصةٍ لسنوات ..الا ان فضولي كان طفلاً بدأ يكبر ويتقن  فن المشي بتعثرٍ احياناً ، وبغنجٍ ومكر في احيانٍ اخرى ، ليبحث عن عيونٍ متشابهة او  جاذبية بوجهٍ آخر من وجوه الطبيعة المغرية ، لأدرك اني اعشق حديقة البهائيين في حيفا شيئاً فشيئا ..فجمالها شبيهٌ بجمال فتاةٍ شابةٍ لا تهرم ابداً ، وفي كل مرةٍ زرت بها هذه الحديقة كان يزداد فضولي واستغرابي ويكبران معاً ، فهل حقاً وراء كل وردة ساحرة هناك..ينام بركانٌ من الدموع ويخشى الانفجار؟ وهل يختبئ بخوف تحت ذاك الفستان الاخضر نبضٌ يائس لأتباع البهائية حول العالم؟
كم هي غريبةٌ هذا المفارقة الصعبة ، فهل تصدق ان هذه الحديقة الرائعة تتبع بكل زهورها، سحرها وجمالها  لفئة مضطهدة من البشر تذوق المر في كل تفاصيل حياتها في الطرف الآخر من العالم؟
ولست هنا بصدد الحديث عن البهائية من منطلق ديني ، فلطالما آمنت ان الديانات ما هي بشيء نختاره ، بل نرثه عن اجدادنا ، وما هي سوى جزء من سلسة قواعد وتصرفات فرضت علينا لتحد من حرية قراراتنا ، وليس شرطاً ان يتقيد المرء بها كونه مخلوق عقلاني وقادر على فهم ما يريد وما لا يريد ..
لكننا وللأسف وبحكم انانيتنا اعتدنا نبذ الآخر ان اختلف عنا وخاصة دينياً  ومن هنا نبعت كل مشاكل البشرية على الاطلاق ، فالبهائي ما هو سوى بشري بعينين اثنتين ولسانٍ وشفتين وقلب مفعم بالحب والحياة..
لكنهم يعانون منذ سنين وفقط لمجرد اتباعهم الدين البهائي الذي اسسه الميرزا حسين علي النوري الملقب بهاء الله في منتصف القرن التاسع عشر ، ورغم انتشارهم في العديد من دول العالم  ، ورغم تمثيلهم غير الحكومي في منظمة الامم المتحدة الا انهم تعرضوا للنبذ والطرد ومئات الاتهامات التاريخية والسياسية ، رغم انهم وبحكم قواعدهم ممنوعون من التدخل بالسياسة ، فمنذ نبذت ايران بهاء الله مع اتباعه الى العراق وهم يطردون من مكان الى اخر ليصلوا الى تركيا  ومن هناك نفي الى فلسطين  ايضاً ، وخلال كل هذا اتهموا تارةً بالعمالة للروس وتارةً بالعمالة للإنكليز في بداية القرن العشرين ، والغريب بالأمر انهم اتهموا بالعمالة لليهود في منتصف القرن العشرين ايضاً مع ان دولة إسرائيل تأسست بعد وفاة بهاء الله عام 1892م ، أي بعد ستة وخمسين عاماً ، ومع العلم ان الادارة العالمية للبهائيين ايضاً تمنع التدخل بكل ما يتعلق بالسلك الدبلوماسي او أي شأن من شؤؤن الاحزاب السياسية !
وكم تثير الدول العربية تساؤلاتي خاصة مصر التي شنت حملة ساحقة واضطهدت هذه الفئة على مدار عدة سنوات ، وحرمتها ابسط الحقوق خاصة الاجتماعية منها ، فالطفل البهائي مثلاً  غير معترف به في الدوائر الرسمية ( التعليمية والطبية بالذات ) !
فلماذا تخشى الحكومة المصرية انتشار البهائية ، ولماذا ترتعد ايران وتركيا بسبب التغييرات الطائفية لديها؟ أوليس  الوطن للجميع؟ ام هو شعار والسلام ؟
لا يحق لي بحث هذا الموضوع  من منطلقات وتخوفات دينية كوني علمانية ، لكن وبعد تعمق مكثف حول " البهائية" لفت انتباهي نضجٌ  ديني خفي لدى هذه الفئة من الناس ، واجمل ما بها انها تدعو الشخص الى تحري الحقيقة بنفسه وعدم تصديق الخرافات والقصص ، كما انها تدعو للمساواة التامة بين الرجل والمرأة ، وتحرم تعدد الزوجات البغيض !
على اية حال ، فحرية اتباع أي حركة او مبدأ او دين في الحياة ما هو سوى حق ومن ابسط حقوق الاختيار للفرد ، لكن فلتبقَ هذه الحديقة الساحرة رمزاً وتذكرة لنا لما قد يختزن من معاناةٍ والم تحت أي وجه جميل في الوجود !

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.80
USD
4.08
EUR
4.76
GBP
244988.51
BTC
0.53
CNY