الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 19 / مارس 02:02

مع اقتراب موعد الانتخابات للكنيست الـ23/ بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 21/02/20 12:07,  حُتلن: 23:18

جاء في المقال:

نحن بحاجة لبرلمانيين محترفين وليس لقيادة "قومية!" في برلمان صهيوني

أظن أن سبعين عاماً من التجارب كافية لتجعلنا نستخلص ما يجب استخلاصه من العبر المفيدة لنا في تحسين وسائلنا النضالية للحصول على حقوقنا الأساسية.

طوال سبعين عاماً أردنا من مندوبينا في الكنيست الإسرائيلي العمل على أكثر من جبهة وأن يقودوا كل معاركنا. معظم هذه المعارك تتعارض مع الكنيست وما يصدر عنها من تشريعات وقوانين، فلماذا ألقينا على كاهل من هو عضو فيها وأقسم يمين الولاء لها أن يقود هذه المعارك؟ هذا السؤال الأساسي لم نطرحه بتاتاً.
الإجماع القومي هو من أهم أسس الحركة الصهيونية ومن أهم الركائز التي تقوم عليها الدولة العبرية ومن أهم الأهداف التي تسعى للمحافظة عليه لمواصلة المحافظة على الدولة التي وجدت لتكون الوطن القومي لليهود.
منذ بداية الصراع لتنفيذ الحلم الصهيوني بإقامة هذا الوطن لم يواجه بمشروع مضاد من قبل الفلسطينيين ضحايا هذا المشروع وحتى لم تعط لهم أي فرصة للتعامل مع هذا المشروع بالأدوات المتاحة أو بالإمكانيات المتوفرة. فقد دأبت الرجعية العربية وكل الذين سقطت أقنعتهم هذه الأيام إلى دفع الفلسطينيين ليكونوا ضحايا هذا المشروع. ضحايا لا تملك الأدوات أو الوسائل للدفاع عن وجودها أو للتعاطي مع ما يحدث.

الرجعية العربية وأنظمتها الفاسدة وبتوجيه مباشر من الحركة الصهيونية شجعت القيادات الفلسطينية المتعاونة معها على رفض قرار التقسيم، دون أن تقدم لهم أي دعم حقيقي. والفلسطينيون نزحوا من بلادهم بتشجيع من الأنظمة العربية التي أوهمتهم أن عودتهم ستكون قريبة وسريعة وكل ذلك تلبية لرغبة الحركة الصهيونية وبطلب مباشر منها بتفريغ البلاد لأنها أرادت بلاداً دون شعب لشعب دون بلاد كما كانت تروج.
بعد إقامة دولة إسرائيل ظل فيها من ظل من أبناء الشعب الفلسطيني. هذه الشريحة شكلت هاجساً دائما للقيمين على تنفيذ المشروع الصهيوني ليس خوفاً من غدرهم وعدم موالاتهم للدولة كما يروجون وإنما خوفاً من شيء آخر يتم إخفائه بل ويتم الحرص على إخفائه والتعتيم عليه. في رأيي الخوف الحقيقي من الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل هو ليس أن يخونوا أو يغدروا بالدولة وإنما أن يقيموا مع بعض اليهود سكان الدولة حياة إجتماعية مشتركة مبنية على الاحترام والثقة المتبادلة. الكثيرون من قادة الدولة الأوائل أنكروا وجود شعب فلسطيني والكثيرون فيما بعد زعموا أن الفلسطينيين لا يريدون السلام ولا يمكن العيش معهم. كل يهودي يعيش في دولة إسرائيل تحرص الحركة الصهيونية على إقناعه وتعبئته ألا وجود لشعب اسمه الشعب الفلسطيني أو على إقناعه أن هؤلاء العرب لا يمكن العيش معهم لأنهم لا يسلّمون بوجود الدولة، ويريدون تدميرها. هذا الخوف من العربي يجب تغذيته وإذكائه بشكل مستمر ومتواصل والهدف هو يهودية الدولة. وقد قرر قادة الحركة الصهيونية أن خير وسيلة للقيام بذلك هو إلقاء مهمة تغذية هذا الخوف على العرب أنفسهم وبالتحديد على ممثليهم في البرلمان الإسرائيلي. لأن هؤلاء الممثلين دائماً تحت الأضواء وهم الواجهة التي يرى المواطن اليهودي من خلالها المواطنين العرب سكان الدولة. الكثير من اليهود لا يوافقون على قانون القومية وهؤلاء يجب إقناعهم ان الحياة المشتركة مع العرب مستحيلة لأنهم لا يسلمون بقيام الدولة.

عضو الكنيست في إسرائيل كما في كل برلمانات العالم يقسم يمين الولاء للدولة، ويتعهد أن يخدمها ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وفي كل أنحاء العالم لا تناقض بين الدولة والمواطن الذي انتخب هذا العضو وأوصله إلى البرلمان. أما في حالتنا فإن الدولة هي التي تحرص على خلق هذا التناقض وتحرص على تكريسه حفاظاً على مشروعها الذي بنته على عدم الشراكة معنا. من هنا فإن أعضاء الكنيست العرب هم من أصدق من يبرون أيمانهم ويقومون بواجبهم في خدمة سياسة الدولة التي أقسموا يمين الولاء لها وعلى أحسن وجه. بمناسبة وبغير مناسبة يصرحون أنهم فلسطينيون وأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني. موظفون في برلمان صهيوني ويتلقون المعاش الشهري من ويرددون شعارات معادية له. هذا الكلام يستفز الجمهور اليهودي عندما تروجه فضائيات الدولة العبرية وفضائيات الرجعية العربية، ليتساءل ماذا يريد هؤلاء؟ طبعاً جواب محلليهم يكون: هؤلاء هم الفلسطينيون يجلسون في برلماننا ويريدون تدميرنا. ونتيجة لهذه المواقف التي لا تقدم ولا تؤخر بالنسبة لمعاناة الشعب الفلسطيني، يصبح من المستحيل إقامة تكتل يهودي يضمهم ويصبح من الصعب قبول اقتراحاتهم ومشاريعهم. وهكذا يفشلون عملهم البرلماني بأيديهم ويعطلون الدور المطلوب منهم تأديته.
أن هؤلاء الأعضاء يرقصون على الحبلين: يقومون بواجبهم في خدمة المشروع الصهيوني جنوداً مخلصين في برلمان صهيوني من ناحية، ومن ناحية ثانية وفي نفس الوقت قادة عروبيون قوميون. هذه اللعبة غير الضرورية وغير المجدية أصبحت مكشوفة حتى للمواطن العربي العادي في إسرائيل.

لنتخيل لو تفرغ أعضاء الكنيست العرب لعملهم البرلماني فقط. وأشدد على كلمة فقط كما يتفرغ موظف البنك ومدير الدائرة أو المفتش أو الموظف في أي وزارة. لو تفرغوا لقضايا المواطنين العرب اليومية والملحة كالبطالة والفقر والتعليم والمسكن والعنف. ماذا كان سيحدث؟ جميع هذه القضايا يعاني منها المواطنون اليهود أيضاً. وبمجرد أن يعالجها عضو كنيست عربي ويتفرغ لها فسيجد الكثيرين من أعضاء البرلمان اليهود الذين يؤيدونه ويدعمونه. عندها سيتطور نضال يهودي عربي مشترك وستتوفر التربة لنمو ثقة اجتماعية متبادلة تشكل الأرضية لنمو ثقة سياسية إنسانية مشتركة تقود إلى نضال مشترك قد يجعل اليهودي يتضامن مع الفلسطيني المظلوم. وهنا يحدث المحظور الذي هو أكثر ما تخشاه الحركة الصهيونية. هنا يحدث الشرخ في الإجماع القومي على الأقل اتجاه هذا الفلسطيني الذي يعيشون معه. الخوف من الآخر – الغوي- هو عنصر هام ليس في مبنى الحركة الصهيونية بل وفي صلب التعاليم اليهودية وما تفرغ أعضاء الكنيست العرب للظهور في الفضائيات العربية وفي الفضائيات الصهيونية كمدافعين شرسين عن حقوق الشعب الفلسطيني إلا لإذكاء هذا الخوف وشرعنته.
ولماذا يقوم بها من أقسم يمين الولاء للدولة؟ ألم يكن من الأفضل لو ترك أعضاء الكنيست العرب هذه المواقف، التي لا نعترض عليها، لقيادات أخرى يفرزها الوسط العربي في إسرائيل وتفرغوا هم لعملهم البرلماني الصرف؟ لماذا قاموا بهذا الدور المزدوج الذي القى بظلاله السلبية على حياتنا كعرب نعيش في هذه الدولة وجعلونا ندفع الثمن باهظاً. ما فائدة هذه التصريحات وهذه الشعارات؟ هل منعت سن قانون يهودية الدولة أم ساهمت مساهمة مباشرة في تسريع سنه؟ ماذا فعل هؤلاء "الفلسطينيون!" المتحمسون عندما أصدرت الكنيست قوانين ضم القدس والجولان ومئات القوانين التي تمس حياتنا اليومية؟ لماذا موظف البنك العربي والطبيب العربي والمهندس العربي والعامل العربي يقوم بعمله على أحسن وجه ويرفع رأس شعبه إلا أعضاء الكنيست؟

إنهم يخدمون اليمين المتطرف وهم من أسباب اختفاء ويأس المعتدلين اليهود الذين كان من الممكن جذبهم لتأييد بعض القضايا التي نعاني منها. وهو ما تريده السياسة الصهيونية.
إن وجود أعضاء كنيست عرب لا يمارسون العمل البرلماني، وإنما يصرون على أن يكونوا قيادة قومية للوسط العربي من داخل برلمان إسرائيل هو خطأ وخطيئة. فلا يمكن أن تكون قائداً قومياً وفي نفس الوقت تتلقى معاشك الشهري من كنيست صهيوني أقسمت يمين الولاء له. هذه الازدواجية الرخيصة وهذا الرقص في حلبتين أصبح مكشوفاً ولا ينطلي حتى على البسطاء ودفعنا ثمنه سنوات متواصلة. لماذا لا يكون لنا موظفين في الكنيست كما في كل مؤسسة خدماتية أخرى؟. اتركوا القيادة لغيركم وقوموا بعملكم الذي أهملتموه سنوات طويلة إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه من كوارث ومآسي وبسببكم.
لقد حان الوقت لإحداث تغيير جذري في أساليبنا النضالية. وأهم تغيير مطلوب منا القيام به وحالاً هو إيصال مندوبين عنا إلى الكنيست متفرغين للعمل البرلماني فقط. مطلوب الفصل التام بين العمل البرلماني والعمل الحزبي أو الجماهيري. هذه المعادلة كانت ضرورية جداً بعد التحولات الحادة التي حدثت منذ سنوات، وأصبحت اليوم مطلب الساعة.
كل من يعيش في هذه البلاد يعرف أن أعضاء الكنيست العرب لم يمنعوا هدم منزل أو مصادرة شبر أرض منذ قيام اسرائيل. ليس لأنهم مقصرون وإنما بسبب سياسة هذه الدولة. والأصعب من ذلك أنهم لم يمنعوا أي قانون مصيري صدر عن الكنيست ذاتها كقوانين الحرب والسلم أو ضم مناطق محتلة كقانون ضم الجولان والقدس والمستوطنات وأخيراً قانون القومية. لقد اقتصر دورهم على القوانين الخدماتيه التي لا تخصنا وحدنا بل للمواطن اليهودي مصلحة فيها أيضاً. وللقيام بذلك فهم بحاجة لدعم وتأييد الأعضاء اليهود.

لذلك لا أدري لماذا ألقينا على كاهل هؤلاء الأعضاء مهام نضالية لا يستطيعون القيام بها بأي حال من الأحوال وتجلب لهم سواد الوجه في نظر زملائهم اليهود الذين من الممكن أن يدعموهم في القضايا الخدماتية اليومية المشتركة. إننا عندما نلقي على أعضاء الكنيست قيادة معاركنا النضالية نكون قد أفشلنا عملهم البرلماني لأننا أفقدناهم تضامن ودعم بعض الأعضاء اليهود الذين من الممكن أن يتفهموا بعض قضايانا اليومية وفي نفس الوقت خسرنا معاركنا النضالية لأن هؤلاء الأعضاء مقيدون بقوانين ونظم الكنيست التي أقسموا يمين الالتزام بها. لقد كنا يوما ما بحاجة (ربما أيام الحكم العسكري) أن يقود مظاهراتنا أعضاء كنيست بسبب الحصانة البرلمانية التي كانوا يتمتعون بها. أما اليوم فإن هذه الحصانة لم تعد كما كانت عليه وصاروا يُشتمون ويُضربون ويُعتقلون حتى داخل الكنيست ذاتها.
إن وجود أعضاء كنيست متفرغين للعمل البرلماني فقط، سيحدث تحولا جذرياً في مجرى تعاملنا مع هذه الدولة ومؤسساتها وربما في تعامل هذه المؤسسات معنا. إن التفرغ للعمل البرلماني فقط سيفتح المجال للتعاون مع بعض أعضاء الكنيست اليهود وبناء تحالفات معهم وتبادل الدعم عند التصويت على مختلف القوانين. أضف إلى ذلك أنه سيفتح الباب ربما للمشاركة في تأليف حكومات غير متطرفة في المدى البعيد.
لا أدري لماذا لم نقم بذلك حتى الآن. لا شك اننا بحاجة لمعاوك نضالية للدفاع عن الكثير من قضايانا الملحة كهدم البيوت ومصادرة الأراضي ومقاومة الاحتلال والتضامن مع إخوتنا الفلسطينيين ومع الشعوب المظلومة في العالم. هذه القضايا يجب أن تقودها الأحزاب ولجنة المتابعة وليس أعضاء الكنيست. الأحزاب العربية ولجنة المتابعة مطالبة بالعودة إلى جماهيرها، وتفعيل هذه الجماهير. ومطالبة في نفس الوقت بإفساح المجال لأعضاء الكنيست العرب القيام بعملهم البرلماني المهني داخل الكنيست فقط، ومحاسبتهم على أي تقصير في هذا العمل. لنتواضع قليلاً ولنعترف أننا نخلط الحابل بالنابل ومطلوب منا ترتيب بيتنا الداخلي بعد هذا التدهور الاجتماعي الذي وصلنا إليه والذي يفرض علينا تقديم هذا الاجتماعي الذي بيدنا على السياسي الذي ليس بيدنا ونعطيه جل اهتمامنا.

الجليل 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة