الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 10:01

بدون مؤاخذة- جاهليتنا المستمرّة / بقلم جميل السلحوت

جميل السلحوت
نُشر: 03/02/20 14:09,  حُتلن: 14:17

جميل السلحوت في مقاله:

هل قامت فعلا دولة عربيّة واحدة بمفهوم الدّولة الحديثة؟ وهل يوجد دولة عربيّة مدنيّة يحكمها القانون؟

إذا عدنا للتّاريخ العربيّ قبل الإسلام سنجد أنّ العرب عاشوا كقبائل متناحرة، قد تربط بعضها تحالفات قبليّة لا تلبث أن تتلاشى أمام أسباب واهية، وقد أقرّت القبائل جميعها "بالشّرف" لقريش؛ لأنّها كانت تقوم على خدمة الكعبة وما يحيط بها من أصنام يحجّون إليها. لكنّ السّيادة في القبيلة كانت لشيخها الذي لا يجوز الخروج عليه. وإذا ما خضع الغساسنة لامبراطوريّة فارس، فإنّ المناذرة خضعوا للإمبراطوريّة الرّوم. وقد كان شعراء كل قبيلة هم النّاطقون باسمها والمتغنّون بأمجاد وغزوات شيخها وبطولات فرسانها وأبنائها الذّكور، لذا جاء في معلقة عمرو بن كلثوم: "إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا".

وعندما جاء الإسلام فإنّ أوّل من وقفوا ضدّ الرّسالة الجديدة فإنّ وضدّ خاتم النبيّين هم قبيلته قريش، مع أنّه سليل بني هاشم سادة القبيلة، وقاتلوه وفتكوا بصحبه حتّى أجبروه على الهجرة من مكة إلى المدينة، وعندما انتشر الدّين الجديد واشتدّت شوكته دخل الكثيرون منهم الإسلام خوفا لا قناعة، وبدأت تترسّخ الدّولة الجديدة التي توحّدت القبائل تحت رايتها، لكنّ البعض منهم ارتدّ عن الدّين بعد وفاة الرّسول صلى اله عليه وسلّم، ولم يخضعوا مرّة ثانية إلا بالقوّة، لكنّهم قتلوا الخلفاء الثّاني والثّالث والرّابع في صراع على السّلطة، وعندما جاء معاوية مؤسّس الدّولة الأمويّة، اعتمد في تثبيت أركان حكمه على العصبيّة القبليّة فرفع قميص عثمان مطالبا بالثّأر. لكن الاقتتال الدّاخليّ لم يتوقف، حتّى أنّ الحجّاج قذف الكعبة بالمنجنيق وهدمها على رؤوس الصّحابة، وهاجم المدينة واستباح نساءها، وعندما انهارت الدّولة الأمويّة وجاء العبّاسيّون، يذكر المؤرّخون أنّ أبا عبدالله السّفّاح قد قتل مئة ألف مسلم في ليلة واحدة.

وكلّ القتلة في الصّراع على السّلطة كانوا يبرّرون جرائمهم بأنّهم على حقّ. حتى وجدنا من يفتي بأنّ القتلى شهداء ولا إثم على القتلة لأنّ الطرفين قاتلا وكلّ منهما يعتبر نفسه على حق!
وإذا انتقلنا إلى عصرنا الحاليّ ونشوء الدّول العربيّة "الحديثة" -حسب تقسيمات الغزاة المستعمرين للمنطقة، خصوصا بعد الحرب العالميّة الأولى، والتي تبلورت بشكل واضح المعالم بعد الحرب العالميّة الثّانية وظهور ما يسمّى بالدّول العربيّة "المستقلّة". فهل قامت فعلا دولة عربيّة واحدة بمفهوم الدّولة الحديثة؟ وهل يوجد دولة عربيّة مدنيّة يحكمها القانون؟

وإذا ما انتبهنا للعالم المعاصر ودوله، فإنّنا سنجد دولنا العربيّة امتدادا لما كان عليه العرب قبل الإسلام، لكن بطريقة تواكب تطوّر الحياة، فالحكم لا يزال يخضع لتحالفات عشائريّة هي أبعد ما تكون عن الدّولة المدنيّة الحديثة، ولا تزال تحكمنا ثقافة الصّحراء الوحشية كما وصفها ابن خلدون في المقدّمة، وحتّى الأحزاب والقوى التي تزعم أنّها طلائعيّة تقوم هي الأخرى على أسس عائليّة وعشائريّة، وحتّى أحزاب الإسلام السّياسي هي الأخرى تسير على النّهج العشائري والقبليّ، والشّعوب أيضا ثقافتها المترسّخة قائمة على العشائريّة، فعلى سبيل المثال استطاع حزب إسلاميّ تجنيد العشائر في فلسطين مؤخّرا ضد اتّفاقيّة "سيداو"، لكنّه لم يحاول تجنيدها للوقوف ضدّ صفقة نتنياهو وترامب.

فهل تستطيع العشائر أن تبني وطنا يواكب العصر؟ وهل عندنا دول تستطيع أن تتعامل مع واقع الحياة المعاش؟ في إحدى المقابلات التّلفزيونيّة مع وزير ماليّة دولة نفطيّة "سئل الوزير عن الدّخل القومي للدّولة؟ فأجاب: هذا من اختصاص وليّ الأمر! لكنّه والحقّ يقال لا يبخل علينا بما نحتاجه"! فهل هذه دولة حديثة؟ وهل وليّ الأمر شيخ قبيلة أم قائد دولة؟ وهل المليارات التي يدفعها أولو الأمر في دول النّفط لأمريكا مقابل حماية عروشهم تصبّ في مصلحة الدّولة والشّعب، وهل ننتبه إلى دول تجري محاكمة قادتها مهما كانت مناصبهم لممارسة فساد قد يكون غير مقصود؟

وهذا يقودنا إلى سؤال آخر وهو: هل يوجد لدى شعوبنا العربيّة مفهوم للوطن؟ وهل جيوشنا لحماية الأوطان أم لحماية "أولو الأمر"؟ وإذا كانت لدينا دول مدنيّة حقيقيّة كبقيّة الشّعوب فلماذا لا يوجد لها أيّ تأثير على السّاحة العالميّة؟ وما الفرق بين دولنا ودولة "ماكرونيزيا" التي لا ترى على خريطة العالم؟ وإذا وقفنا على الأجوبة الصّحيحة لهذه الأسئلة فلن نستغرب الحال الذي نحن فيه، والذي أصبحنا فيه أضحوكة للأمم.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com
 

مقالات متعلقة