الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 19 / مارس 02:02

بين القائمة الاشتراكية 1965 والقائمة المشتركة 2020: سجل عمليات الشطب الإسرائيلية/ وديع عواودة

وديع عواودة
نُشر: 26/01/20 15:27,  حُتلن: 21:48

وديع عواودة في مقاله: 

تجارب صالح برانسي وحبيب قهوجي وصبري جريس إلى هبة يزبك....وكيف رد السياسيون الإسرائيليون على نشر عضو الكنيست الراحل سيف الدين زعبي بيان نعي برحيل الرئيس المصري عبد الناصر ؟

يشكل طلب الأحزاب الصهيونية من لجنة الانتخابات المركزية شطب ترشيح دكتورة هبة يزبك أمس حلقة في مسلسل طويل من عمليات شطب لا تقتصر أهدافها على تحقيق غايات انتخابية شعبوية بل ترتبط بممارسات سياسية ترتبط بـمساعي تدجين وخفض سقف الرؤى والمطالب.


د .  هبة يزبك

شارك المواطنون العرب في أول انتخابات للكنيست تمت غداة النكبة،عام 1949 وفي جولات تلتها كـ مصوتين بنسبة عالية بـ سبب الخوف ولتأمين البقاء وكمرشحين ضمن قائمة الحزب الشيوعي الإسرائيلي أو قوائم عربية وهمية دارت في فلك حزب " مباي " الحزب الأم لـ " العمل". النائب الراحل سيف الدين الزعبي هو من أبرز نواب هذه القوائم العربية في مظهرها والتابعة لـ " مباي " في جوهرها. حتى الزعبي وجد نفسه أمام ضغوط كبيرة حينما غرد بما هو مختلف لدرجة أنه وجد نفسه مهاجما ومنبوذا من قبل مؤسسات الدولة ومن الأغلبية الساحقة من زملائه في حزب " مباي" حينما تجرأ على نشر نعي برحيل محبوب العرب ورمزهم القومي الرئيس جمال عبد الناصر في صحيفة " الأنباء " الحكومية عام 1970 كما يقول في كتاب مذكراته " شاهد عيان ". ويستدل من سرده أن سيرته وعلاقاته قبل 1948 قد شفعت له وتهدأ العاصفة. دون المقارنة مع حالات أخرى وجدت عضو الكنيست المرشح عن التجمع/ المشتركة هبة يزبك ذاتها أمام عاصفة جديدة أشد بعد نحو نصف قرن لمشاركتها منشورا ينعى استشهاد سمير قنطار مما يبعث تساؤلات حول سعة الهامش السياسي المتاح للمواطنين العرب في دولة اليهود.



المجاهد الشهيد
وفي حكم المؤكد أن هذه الحملة ستنتهي بشطب ترشيح هبة يزبك من قبل لجنة الانتخابات المركزية في ظل شبه إجماع صهيوني على منعها ربما يؤثّر على قضاة العليا لاحقا. تعرضت هبة يزبك عشية الجولتين السابقتين للانتخابات العامة أيضا لحملة تهويش مشابهة استحضرت فيها تصريحاتها حول " المجاهد الشهيد " سمير القنطار عقب اغتياله عام 2015، قبل دخولها الكنيست. في الانتخابات الأخيرة استجابت لجنة الانتخابات المركزية لـ طلب بعض الأحزاب الصهيونية بيمينها ويسارها بشطب " المشتركة " أو التجمع الوطني الديموقراطي وما لبثت المحكمة العليا في 22.08.2019 أن رفضت طلبا لحزب " عوتسماه يهوديت " الكهاني التوجهات لمنع " المشتركة " من خوض انتخابات الكنيست الـ 22 بناء على البند السابع لقانون أساس الكنيست الذي يحظر مشاركة من يؤيد تنظيما إرهابيا ونفي وجود إسرائيل كـ دولة يهودية – ديموقراطية واستنادا لتصريحات بعض قادتها ومنهم هبة يزبك.

دلال المغربي
مع رفض هذا الالتماس العنصري حمل بشدة قاضي العليا يتسحاق عميت على هبة يزبك وعلى محامية الدفاع سوسن زهر وقال إن سمير قنطار حطم جمجمة طفلة ابنة أربع سنوات في نهاريا وتابع " هذا أمر معيب ومخجل أن يتم التماثل مع شخص كهذا. وتبعته رئيسة المحكمة العليا استير حيوت بقولها في نطاق رفض شطب " المشتركة " إن " تصريحات يزبك هي تأييد بتنظيم إرهابي لكن بالنسبة لبقية الكتلة كلها لا بالنسبة لـ عضو كنيست معيّن هناك حاجة لإثباتات". واستنتج حقوقيون من أقوال حيوت وعميت وقتها أن التماس من أجل شطب ترشيح هبة يزبك عينيا كان من الممكن أن يستجاب من طرفهما لكن الملتمسون ( عوتسماه يهوديت والليكود) لم يطلبوا ذلك. المحكمة العليا وقتها ردت التماس لشطب " المشتركة " مثلما ردت أيضا التماسا لـ بعض الأحزاب بشطب " عوتسماه يهوديت " واكتفت بشطب إثنين من قادتها مارزل وغوبشطاين. الآن من المرجح استفادة الأحزاب الصهيونية من ملاحظة القاضيين وحصر طلب الشطب بـ هبة يزبك على الأقل في المحكمة العليا وهذه المرة استحضرت الأحزاب اليمينية أيضا منشور قديم من 11 مارس/آذار 2013 بعنوان " دلال المغربي.. عاشت 20 سنة وعملت كل هذا ! تحية لنساء المقاومة" والحديث عن فدائية فلسطينية قادت عملية الشاطئ وقتلت فيها عام 1978. كذلك يستحضر الان منشور لهبة يزبك باركت فيه بالإفراج عن راوي سلطاني في فبراير/شباط 2014 بعدما سجن حوالي خمس سنوات لإدانته بالاتصال مع ناشط حزب الله.



حركة الأرض.. والشطب الأول
وبين شطب قائمة حركة " الأرض " وبين طلب شطب ترشيح هبة يزبك تعرضت أحزاب عربية كثيرة لطلبات شطب من قبل جهات إسرائيلية انتهت في الأغلبية الساحقة من الحالات بشطبها على طاولة لجنة الانتخابات المركزية وهي لجنة سياسية مكونة من مندوبي الأحزاب الفاعلة. في نوفمبر/تشرين ثاني 1964 أمر وزير الأمن الإسرائيلي بحظر حركة " الأرض " ومصادرة أملاكها لاعتبارها تنظيما إرهابيا. وفي محاولة التفافية لإنقاذ حركة " الأرض " قدم قادتها قائمة مرشحين لانتخابات الكنيست السادسة في 03.09.1965 تحت عنوان " الحزب الاشتراكي العربي " ومن مرشحيها العشر صالح برانسي من الطيبة رئيسا للقائمة تلاه حبيب قهوجي من فسوطة ثم صبري جريس من فسوطة ومحمد ميعاري وعلي رافع من حيفا وطلال زعبي من الناصرة وختمها منصور كردوش من الناصرة. وأودعت القائمة هذه 5000 ليرة بحساب لجنة الانتخابات المركزية كـ ضمانة مالية تم جمع 4400 منها من منطقة المثلث و 400 ليرة من الجليل كـ تبرعات فيما وقع 1100 مواطن على لائحة تزكيتها بدلا من 750 توقيعا وفقا نص القانون /معظمهم من منطقة المثلث خاصة مدينة الطيبة والطيرة وباقة الغربية كما يؤكد الباحث روني شاكيد في دراسة عن حركة الأرض، وكان حرف الـ " ض " شارتها. وفي الدعاية الانتخابية اشتبكت قائمة حركة " الأرض " مع الأحزاب الصهيونية الفاعلة في البلدات العربية وسجل اعتداء على ناشط من حزب " المعراخ " في باقة الغربية. في نطاق بثها لمضامين قومية ورغم عدم الاعتراف بإسرائيل من قبل مصر بزعامة عبد الناصر دعت إذاعة " صوت العرب " من القاهرة المواطنين العرب للتصويت للقائمة الاشتراكية التابعة لحركة " الأرض " مثلما دعت الإذاعة قادتها لعدم تفويت الفرصة والمشاركة في الانتخابات من أجل نيل حصانة برلمانية تقيهم شر ملاحقة المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة. بشكل غير مفاجئ قام الحكم العسكري بملاحقة قادة " الأرض " وأجلى بعضهم عن بلداتهم بأوامر نفي انتدابية أو تم إخضاعهم للاعتقال المنزلي بدعوى أن هؤلاء جددوا نشاطا معاديا لإسرائيل ضمن حركة محظورة. وعدا مندوبي الحزب الشيوعي الإسرائيلي و " راكاح " طالب مندوبو كل الأحزاب في إسرائيل شطب " القائمة العربية الاشتراكية ". وفي ظل عدم وجود تسويغات قضائية للشطب أعلنت لجنة الانتخابات المركزية أنها وجدت تواقيع مزورة في لائحة من زكوها أو من وقعوا تزكياتهم " تحت الضغط ". وبلغ التحامل على القائمة لحد العبث حينما قررت لجنة الانتخابات مقابلة الموقعين المزكّين بغية التثبت من صحة تواقيعهم فتم ذلك من خلال زيارتهم برفقة ضباط الحكم العسكري ممن " أقنعوا " الموقعين بإبطال تزكياتهم. ولهذا الغرض أعد الحكم العسكري نموذجا خاصا باللغة العربية يعتمد النص التالي : " لقد وقعت اسمي وتزكيتي بالخطأ وأطلب إبطالها". وكانت النتيجة أن تراجع 400 ممن منحوا القائمة تزكياتهم مما يعني فقدان الحد الأدنى من التواقيع المطلوبة(750 تزكية). بعد ذلك شطب لجنة الانتخابات المركزية برئاسة القاضي موشيه لانداو هذه القائمة ومن جهتها رفضت المحكمة الإسرائيلية العليا التماسا لتثبيتها في سابقة قضائية تستند على الزعم بأن القائمة الانتخابية تمثّل حركة " الأرض " المحظورة و تشكل تهديدا على وجود الدولة ونظامها الديموقراطي. قبيل موعد الانتخابات للكنيست بيوم واحد أصدرت المحكمة العليا حكمها هذا وفيه أتاحت بمشاركتهم بها كـ أفراد لا كـ حزب. حاولت حركة " الأرض " البقاء بعد حظرها وشطب قائمتها الانتخابية من خلال تنظيم أطر رياضية في ستينيات القرن الماضي بيد أنها تلاشت واضطر بعد قادتها للرحيل والانخراط في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية أمثال صبري جريس وحبيب قهوجي.



الحركة التقدمية للسلام
وفي 1984 لم يشفع للمحامي محمد ميعاري رئيس الحركة التقدمية للسلام تقديم قائمته الانتخابية بالمشاركة مع ناشط يهودي وجنرال سابق ماتي بيلد فما لبث أن وجد قائمته مشطوبة في لجنة الانتخابات المركزية لكن المحكمة العليا ثبتتها بدعوى أنه لا يوجد قانون يستند عليه لتبرير الحظر وتمت إعادة الكرة معه في الانتخابات التالية عام 1988. وفي تسعينيات القرن الماضي توالت " رياضة الشطب " الإسرائيلية من وقتها ضد التجمع الوطني الديموقراطي والحركة الإسلامية الحزب الشيوعي الإسرائيلي والحركة العربية للتغيير رغم تأكيد قاطع لبرامجهما على الشراكة العربية اليهودية والسلام الخ. وإذا كان الشطب من نصيب من قرر المشاركة والانخراط في اللعبة البرلمانية ودخول الكنيست فليس مفاجئا جدا أن تم شطب الحركة الإسلامية الشق الشمالي واعتبارها تنظيما محظورا في نوفمبر/تشرين ثاني 2015 وهي بخلاف الشق الجنوبي رفض المشاركة في الانتخابات منذ شطر الانقسام على هذه الخلفية الركة الإسلامية الأم عام 1996. وقتها انحاز مؤسس الحركة الإسلامية الشيخ الراحل عبد الله نمر درويش لخيار المشاركة في انتخابات الكنيست لاعتبارها سياجا يحمي مقدرات الحركة واعتبار الفلسطينيين في إسرائيل مواطنين في " بطن الحوت".

مما يبعث على التساؤل مجددا هل هي مناورات انتخابية شعبوية لكسب نقاط من قبل أحزاب صهيونية أم هي محاولة متكررة لاحتلال وعي الطبقة السياسية العربية وخفض سقفها السياسي والمطلبي في دولة باتت مهووسة بهويتها اليهودية وتغليب كفتها اليهودية على الكفة الديموقراطية في المعادلة المزعومة رسميا في تعريفها الرسمي ؟؟ أم أن شطب المرشحين العرب يعكس عبثية العمل الوطني الفلسطيني داخل البرلمان أو داخل الملعب السياسي الإسرائيلي في ظل الصراع الكبير المفتوح ؟
مثلما يطرح السؤال أيضا في ظل سيادة خطاب الكراهية والعنصرية داخل إسرائيل هل يفترض بالنواب والمرشحين العرب إبداء قدر أكبر من الحذر من منطلق أن الحق لا يكفي ويقتضي الحكمة معه أم أن التصريحات والممارسات بشكل عام طبيعية ومنطقية ؟؟ بين هذا وذاك يتساءل كثر من المواطنين العرب عن حقيقة جدوى الكنيست وعن الحكمة في إبقاء معظم بيضاتهم في سلة البرلمان على حساب الميدان مثلما يتساءلون عن موعد العودة للنضال الشعبي والقنوات الاحتجاجية السلمية الأخرى لحماية حقوق ومصالح وهوية من تبقوا في وطنهم وما زالوا بعد سبعة عقود على النكبة والمواطنة في إسرائيل من أجل المساواة في الحقوق وربما من أجل البقاء ؟ عن ذلك وعن سؤال تبعات وتأثير قرار بشطب ترشيح هبة يزبك على المشتركة وعلى نمط التصويت لدى العرب في مقال لاحق. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة