لا شك أن وقفة النخوه والبطوله التي تعاضد عليها عرب عكا لمشهد تاريخي ليس بغريب على بلد كعكا, على معقل من معاقل الوطنية, على مقلع للقومية وحصن منيع يحصن تاريخنا وحقنا في هذه الأرض.
 لطالما كانت - باب الشرق- عكا نموذجا للتعايش والتعددية القومية وهي المحتضنة لمعالم الحضارة الاسلاميه والبيزنطية ولا سيما اليهودية مذ موسى بن ميمون إلى حاييم بن عطر. ولكنه كتاب في لوح محفوظ يقضي بنقض غزل التعايش ليرى القاصي والداني أننا ملح هذه الأرض الذي لا يذوب وأننا القاهرون والمرابطون في أكناف بيت المقدس وساحل الشام ومنا رجال أولي بأس شديد سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مره.
كم أنا فخور بهذا البنيان المرصوص الذي تجمع من كل أطراف البلاد على قلب رجل واحد. ولكن تذهب السكره وتأتي الفكره....
رغم هذه المروءة المشرفة إلا أن ما آلت إليه الأحداث لا يليق بواجهة حضاريه كعكا, ولا يليق بأمة تحذو السنة المحمدية. ربما يكون السبب الأساسي هو الاحتقان العنصري الذي ينخر جذور التسامح في عكا, فهي "مش ع رمانه". فأول ما جال في خاطري عند إندلاع الأحداث هو المس بحرمة أملاك عائلتي قبل سنه وإلحاق الضرر بمتاجر أقربائي  لا سيما متاجر عائلات أخرى تتعرض للأذى مذ بضع سنوات على خلفيه عنصريه وإستراتيجيه مُمنهجه تركت القطاع وغوش قطيف لتستوطن في بلدي –عكا-, لتزيف تأريخ يأبى الرمل العكيُّ نسيانه ولتنسج أكاذيبا وتدعي حقوقا يكفر بها بحرنا قبلنا, بالإضافه إلى استنكاف الجهات التنفيذية عن توصيات لجنة أور المتواضعة في حقوقنا كأقليه في هذه الدوله.
نعم إن السبب الأساسي سياسة التهويد التي حوّلت الأحياء القديمة إلى مناقصات وأرقام في حسابات شركات الترميم, لإقتلاع الجذور العربيه مستغلين لهذا الفقر المدقع الذي يئز بالسكان والبنية الآيلة للسقوط جراء التمييز في النفقة على البلدة القديمة, واستند إلى الوضع المشترك بين يافا الرمله واللد وعكا لأتهم السياسة العليا التي تقضي بإضطرار العرب إلى الإنسلاخ من تاريخهم وجغرافيتهم وحضارتهم طوعا أو كرها.
الآن وقد بينت أسباب الأحداث المتوقعة مسبقا في عكا لابد لي من محاسبة نفسي وإياكم إخواني المرابطين في ساحل الشام, هل كان من المفترض أن يكون الضرر إلى هذه الدرجة على خلفية شائعة بمقتل احد أبنائنا؟!, وكتابنا الحكيم ينبهنا لمثل هذه المواقف :
  (يا أيها الذين امنوا إذا أتاكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين), هل يجوز لكل من هب ودب أن يعتلي المآذن ليهوّش ويشحذ الهمم ليشعل فتنة تكون بلدنا وقودها, أعلم أننا مهما إدعينا الإنفتاح الفكري والحداثة فما فتئنا عرب, فلا زالا جساس وهمام في عقولنا تفجرهم لهفة المستنجد المحنـّب ولا زال إبن كلثوم شاهرا سيفه في قلوبنا ليجير الملهوف, ولكن كان لا بد من عقلانية صلاح الدين لنزن الأمور بقسطها لا أن ننجر وراء فزعات وصرعات, وراء حميات وعنجهيات, "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب" لقوله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين), كان لا بد أن نتبين الخبر قبل أن يفور التنور. كما أننا كمدعين للإسلام لا بد لنا من التسامح واحترام الأديان فالله من سيقضي فيما نحن فيه مختلفين وليس من زعّمناهم ليربحوا  بعض الأصوات في الانتخابات القادمة على حساب تأجيج الفتنه اليهوعربيه في بلد التعايش, فكما نطلب من الدوله اليهوديه ببناء مسجد في حي فولسون وطالبنا برفع الأذان في اللبابيدي وعمرنا مسجد المجادلة من جديد, كان لا بد من إحترام يوم الغفران وطقوسه لا أن تكون الضربة الأولى منا لندخل أحياء اليهود في هذا اليوم:
إننا لقوم أبت أخلاقنا شرفا أن نبتدي الأذى من ليس يؤذينا
لا يظهر العجز منا دون نيل المنى ولو رأينا المنايا في أمانينا
 لا بد لنا من تعظيم دينهم قبل أن نطلب تعظيم ديننا, فكم إعتصرت في قلبي وخدشت مدامعي الشتائم التي طالت ذات رسولنا الكريم(ص) والتي قد نكون نحن المحفز لها بإبداء الإستخفاف بطقوس الغفران:
تعظيمك الناس تعظيم لنفسك  في قلوب الأعداء والاودّاء
من عظـّم الناس يعظم في النفوس بلا مؤونة وينل عز الأعزاء
ربما كان لابد لنا أن نحتسب الأمور بنظرة فوقيه على الحدث وأكثر شموليه للنتائج, فمثل هذه الأحداث ستمنع "الفيستيفال" الرمز الحضاري الذي تحتضنه عكا ليوفر بعض الدخل لأفرادها ويدر الأموال إلى سكانها, وهي خسارة تربويه وماديه لطلاب المدارس الذين يستغلون هذا القالب الحضاري لإدّخار بعض المال, وخسارة للفنانين الذين إجتهدوا لشهور من أجل كرنفال عيد العرش, كان لا بد أن نحتسب المقاطعة الاقتصاديه على المتاجر العربية والضرر الذي سيلحق أصحابها بناء على الأحداث, ربما أكون مخطئا ولكن الأموال التي يدرها السكان اليهود على المتاجر العربية هي المشغلة لهذه المصالح وهي ألكفيله بالعمال الذين هم بأغلبيتهم من الشباب الذي يعوز إلى كل شاقل لمكافحة شظف العيش وسوداوية المستقبل في هذه الدوله الآيلة إلى السقوط, هذه الوقفة الوحدوية المشرّفة ألحقت الضرر المادي بالبلدة كذلك التربوي بنقض نسيج التعايش الممزق والبالي أصلا, لا أقصد أن نضع الدنيّه في ديننا لحسابات ماديه ولكن التريث لإحتواء العواقب وإبقائها تحت السيطرة.
في حساب النتائج التي أحرزناها, قد علم اليهود المتطرفون أننا نعاقب بمثل ما عوقبنا وأي منقلب سوف ينقلبون فمن يحتفر لغيره في الشر بئرا يبيت وهو فيه لا محالة واقع, فالحاخامات التي غذت التطرف والكراهية في الليل تنفس الصبح على مؤامراتهم والدليل المواقع الالكترونيه والمنشورات التي تثبت سابق الإصرار لمثل هذا الحدث والجهوزيه لهذه العصابات, كما أثبتنا نحن عجز سياسات التطهير العرقي لتقف الحكومه وقفة المشدوه العاجز أمام ردة الغضب في صدر شعب كامل يحترف الغضب.
وأخيرا أرجو أن تستقبلنا السنين القادمة بمكاسب هامه لعروبة عكا كنزوح سياسة التهويد, ودحر هذه الفئة من المتطرفين اليهود الذين قدموا ليعيثوا في الأرض فسادا. بالإضافة إلى طرح شؤون عرب الداخل على طاولة المجتمع الدولي بالأخص بعد التغطية الاعلاميه لهبة عكا.
 ليعلم العالم أننا باقون في هذه الأرض مهما هدر البحر ومهما نخر الفقر.
والله محي أهل عكا