الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 01 / مايو 09:02

وحيدة - بقلم: شيرين طه


نُشر: 14/10/08 16:25

في إحدى ليالي الشتاء الباردة والبرد القارص وفي ليلة طاغية الظلام ، كانت مريم تجلس أمام مدفأة خشبية تتأمل تصاعد النيران الملتهبة في الهواء وتفكر بوحدتها القاتلة التي تزاولها منذ أيام...تفكر بالسبب الذي جعلها وحيدة ؟ بعد أن كانت تعيش في أحضان عائلة تنعم بالحب والحنان ، عائلة صغيرة تألفت من الأب احمد وألام أمل وابنتهما الوحيدة مريم... لكن أين هم الآن؟!...لماذا ليسوا معها ؟ أو ألأصح لماذا مريم ليست معهم فهما الآن في مكان واحد...
 
في تلك الدقائق استرجعت  مريم بعض الذكريات الأليمة التي غرست في قلبها ، وفي الأول من أيلول وصباح يوم مشرق كان والدها قد توجه إلى عمله وأثناء العمل أحس الم في صدره ، فقصد الطبيب وبعد الفحص قال له" إنها وعكة صحية بسيطة " ولكنها في الحقيقة لم تكن كذلك بل كان تراجعا أوليا في حالته الصحية التي تدهورت بعد اقل من أسبوع, عاش فيه الآلام والأوجاع، وكان يقاومها في سبيل العيش مع أسرته الحبيبة ، لكن دون جدوى فقد كان الموت أقوى من أي مقاومة كان يقوم بها ، فلم يصمد أمامه سوى أيام قليلة .
 
لقد كانت فاجعة أصابت العائلة ، نعم لم تستطع الأم أمل أن تحتمل افتراق زوجها الذي تركها أرملة بائسة وترك ابنتها يتيمة حزينة دون سابق إنذار أو حتى التعود على عدم  وجوده في حياتهم ، فالتحقت به في مساء اليوم نفسه الذي مات فيه ،  نفس الأشخاص الذين شاركوا في العزاء صباحا شاركوا أيضا مساء ، في نفس البيت ونفس اليوم لشخصين مختلفين .
 
مر ذلك اليوم المشئوم المؤلم الذي أصبحت بعده مريم يتيمة ، عديمة الأب وألام ، وحيدة لا تعرف في هذا العالم احد لقد سكن اليأس في أعماق قلبها وساد الحزن جو منزلها وهي تتأمل حالتها بعد فراق الوالدين .
وفي صباح اليوم التالي ، أشرقت الشمس ليبدأ نهار جديد في حياة مريم ، التي قامت بالخروج من البيت بحثا عن عمل يأمن لها قوت يومها ، وبعد مدة زمنية لم تكن قصيرة عثرت على عمل بعد أن التقت بشاب يدعى" امجد" الذي قام بمساعدتها كثيرا حيث ساعدها في إيجاد مشغل خياطة يناسبها  فعلمها الحياكة من ثم التصميم من ثم التجارة بالتصاميم الناتجة عن الجد والنشاط ، وانتقل وإياها من نجاح إلى آخر داعما أفكارها الناجحة التي جعلتها تتطور كثيرا في هذا المجال .
لقد ساعدها وشجعها وعمل معها ، وأحبها من كل قلبه ، وكانت مريم تبادله نفس الشعور ، لأنه كان الشخص الذي استطاع أن ينتشلها من بحر الأحزان التي كانت قد غرقت فيه ، فأحياها من جديد بحبه الجميل ، ولا بد انه قد أنساها القليل من أحزان الماضي الأليمة .
 
مرت تلك السنة التي امتلأت بالنجاح والتقدم من جهة والحب والحنان المتبادل بين امجد ومريم من جهة أخرى فأصبح كل منهما يبني مستقبلا واعدا برفقة الآخر ، فعاش كل منهما لأجل الآخر .
 
وفي الأول من أيلول كانا مريم وامجد يسيران في الطريق وفي لحظة تذكرت مريم أن في هذا اليوم ذكرى وفاة والديها، فقالت لأمجد :" اليوم هو يوم ذكرى وفاة والداي اللذان لطالما أحببت وتمنيت أن يكونا معنا " فصمت قليلا،  وقال ليخفف عنها قليلا من الحزن :" إذن، لنذهب لشراء الورد وزيارة المقبرة وإحياء هذه الذكرى " فابتهجت قليلا وقالت :" نعم ،  هذه فكرة جيدة ، أنا أوافق " فقال امجد :" إذن، أنا سأذهب إلى الحانوت المجاور لشراء الزهور، فانتظريني لن أتأخر، فقالت بلا تردد  :" سأنتظرك ، اذهب وعدّ سريعا" .
 
خرج امجد مسرعا إلى الحانوت المجاور ، واشترى الأزهار البيضاء ، وفي طريق عودته مسرعا غير مبالي بوجود سيارات في الشارع.. جاءت سيارة كبيرة مسرعة لم تنتبه لوجود امجد ، نعم لقد قامت بدهسه ، فسال السائل الأحمر الطاهر على الشارع الأسود الدنس ، فتعالت أصوات الناس وزاد ضجيج السيارات الذي لفت نظر مريم !! التي اتجهت إلى المكان مذعورة خائفة ، فقد أحس قلبها آن امجد أصيب بمكروه..!
 
وفي تلك اللحظة رأته ممددا على الأرض وقد امسك باقة من الزهور البيضاء، لقد مات.. نعم مات في اليوم نفسه الذي مات فيه والديها منذ سنة وتركوها وحيدة ، وامجد أيضا تركها وحيدة ، شعرت وكأنها أفاقت من حلم جميل كانت قد أوهمت نفسها فيه .
كل هذه الذكريات استرجعتها في لحظات من جلوسها أمام النار التي كانت تحرق الخشب كما كانت الوحدة تحرق قلبها ، لقد كانت مريم تموت شيئا فشيئا ، كأنها شمعة تحترق.. وفي تلك اللحظة لفظت آخر كلمة من شدة الألم والحزن

مقالات متعلقة