الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 10 / مايو 13:01

متأسرلون ومطبعون يقولون إنّ "التطبيع جريمة"/ بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 31/07/19 11:46,  حُتلن: 16:14

حسين فاعور الساعدي في مقاله:

كل من يسعى للجوائز الإسرائيلية وكل من يصوت للكنيست بعد قانون القومية وكل من يجلب الكتاب والشعراء لزيارة إسرائيل وكل من ينسق أمنياً معها هو إسرائيلي حتى النخاع بالفعل والممارسة

بما أننا شعب لا يُحاسِب ولا يُسائل فقد أصبحنا نقول ما لا نفعل ونفعل ما لا نقول. في هذا المقال لن أتهم أحداً ولن أزكي أحداً بل سأعرض الحقائق كما هي.

"التطبيع جريمة" عنوان مقال للمحامي حسن عبادي رأيته على عدة مواقع الكترونية ونشر في عدد من الصحف كما أظن. قرأت مطلع المقال الذي استفزني فلم أستطع مواصلة قراءته. إلا أنني عدت وقرأته بعد أن هدأ غضبي.

لا أحد ينكر خصوصية الظروف التي يعيشها ما تبقى من عرب داخل الخط الأخضر الذي رسمته إسرائيل. ولا أحد ينكر الظروف الخاصة التي أوجدت السلطة الفلسطينية في مناطق ال67. لكن ذلك ليس مبرراً لتسمية الأشياء بغير أسمائها. لا أحد ينكر ان عرب ال48 هم دافعي ضرائب ومن حقهم الاستفادة من خدمات المؤسسة التي تجني هذه الضرائب كما يقول الأخ حسن عبادي. لكن ذلك لا يعني ولا يلزمهم أن يشاركوا في انتخابات الكنيست على سبيل المثال. إلا إذا أرادوا أن يكونوا جزءاً من هذه المؤسسة أو الدولة التي تجري هذه الانتخابات. ولا يعني أن يتقدم كتابهم وشعرائهم بطلبات لنيل الجوائز من وزاراتها إلا إذا كانوا يفتخرون ويتباهون بهذه الوزارات. ولا يعني أيضاً دعوة كتاب وشعراء من العالم العربي للمجيء إلى حيفا للمشاركة في ندوات ونشاطات تمولها الدولة الإسرائيلية بدعوى التواصل بين شقي البرتقالة. هنالك فرق شاسع بين تلقي الخدمات الضرورية لممارسة الحياة اليومية بشكل طبيعي، وبين المشاركة في انتخابات لمؤسسة تتنكر لك ولا تعترف بوجودك أو بين التقدم لنيل جائزة أدبية من وزارة لا تحترم لغتك. ما يثير الغضب أن نفعل كل ذلك ونصرح دون أن يطرف لنا جفن أن التطبيع جريمة. تماماً كما تفعل السلطة في رام الله: تتعاون وتعاون سلطات الاحتلال على ترسيخ قبضتها وتوطيد سيطرتها على المناطق المحتلة تحت عنوان "التنسيق الأمني" وفي نفس الوقت تنادي الآخرين بعدم التطبيع. الإنسان الفلسطيني في مناطق ال67 قد يكون مضطراً لاستهلاك البضائع والمنتجات الإسرائيلية ولكنه غير مضطر للتنسيق الأمني إلا إذا كان هو يريد ذلك وعندها لا حق له بمطالبة الآخرين بعدم التطبيع مع إسرائيل. مصيبة الفلسطينيين في مناطق ال67 أن ولائهم للفصائل تقدم على ولائهم للوطن لذلك ما يقوله الفصيل أصبح أهم مما يقوله الوطن. وكذلك هو الحال مع فلسطينيي ال48 أصبح ولائهم للحزب وليس للوطن. وما يقوله الحزب صحيح حتى لو تناقض مع مصلحة الوطن.

قبل فترة كتبت مقالاً على صفحات رأي اليوم الغراء قلت فيه أن الجائزة الإسرائيلية ليست فلسطينية. وكنت أظن يومها أن من تقدموا لهذه الجائزة هم قلة يجب لفت انتباهها إلى هذه الحقيقة الواضحة والتي لا تحتاج لأي توضيح. بعد كتابة المقال ومن ردود الأفعال التي حصلت بعد ذلك، تبين لي وفهمت أن الغالبية الساحقة من كتابنا وشعرائنا وفنانينا تقدموا بطلب لنيل هذه الجائزة ونالوها. فمبروكة عليهم هذه الجائزة. لكنني مرة أخرى من حقي أن أتساءل كيف يمكن لكاتب او شاعر أو فنان يزعم أنه فلسطيني الجمع بين فلسطينيته وجائزة من دولة يزعم هو نفسه وفي كتاباته أنها تضطهد وتحتل شعبه وينادي بمقاومتها؟. على من يضحك هؤلاء ولماذا يزعمون أنهم فلسطينيون وهم إسرائيليون حتى النخاع. مرة أخرى أنا لا أتهم ومن حق كل إنسان أن يقرر شكل ولون انتمائه لكن ليس من حقه تزوير الحقائق وتضليل الآخرين واستصغار عقولهم. والملفت للنظر وللتساؤل أيضاً أن معظم هؤلاء الكتاب والشعراء، إن لم بكن جميعهم، الذين طلبوا الجائزة الإسرائيلية ونالوها تم تكريمهم في نادي حيفا الثقافي. والأستاذ حسن عبادي عضو فعال في هذا النادي. فهل من حقه بعد كل ذلك أن يكتب "التطبيع جريمة"؟. ويبرر تجريمه للتطبيع بأن إسرائيل لم تعتذر للشعب الفلسطيني على ما اقترفته بحقه. هل إسرائيل وحدها هي التي يجب أن تعتذر للشعب الفلسطيني أم أن القائمة طويلة وأطول مما نتصور لتطال السلطة في رام الله التي ساهمت في ترسيخ الاحتلال، والحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي جلب السلاح وساهم مساهمة فعالة في إقامة دولة إسرائيل، وبعد ذلك التجمع ورحلاته التطبيعية إلى دمشق. ولتطال كل الأحزاب العربية التي تواصل التهافت على الكنيست الذي سن قانون القومية.

من أعطى الحق لنادي حيفا الثقافي لجلب كل هؤلاء الكتاب والشعراء الذين ذكرهم المحامي حسن عبادي في مقاله من دول لا تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ليقيموا في حيفا ويتجولوا في شوارعها وحدائقها ويأكلوا في مطاعمها؟. أليس ذلك ترويجاً لدولة إسرائيل وتطبيعاً معها؟. إذا لم يكن ذلك تطبيعاً فما هو التطبيع؟ وإذا كان التطبيع جريمة كما يقول فلماذا لا يدعو الجماهير العربية إلى الامتناع عن الهرولة إلى انتخابات الكنيست الذي سن قانوناً يتنكر وينكر وجودها؟

كل من يسعى للجوائز الإسرائيلية وكل من يصوت للكنيست بعد قانون القومية وكل من يجلب الكتاب والشعراء لزيارة إسرائيل وكل من ينسق أمنياً معها هو إسرائيلي حتى النخاع بالفعل والممارسة، ومُطبّع جيد بمحض إرادته وعن طيب خاطر. لن تشفع له الشعارات ولا المقالات فالحقائق واضحة ودامغة. ومن يطبع مع الكتاب والشعراء يفتح الطريق للتطبيع مع الشعوب العربية وهو ما لم تقم به حتى الدولة الإسرائيلية ذاتها التي تُطبّع مع الأنظمة ولا تطمح للتطبيع مع الشعوب العربية.

تحياتي للمحامي حسن عبادي الذي لا ننكر دوره ودور مكتبه في الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة