الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 02:02

قيمة اللعب عند الاطفال- نظرة للمستقبل

بقلم: د. سلام قدسي

د. سلام قدسي
نُشر: 29/07/19 17:25,  حُتلن: 04:14

جاء في مقال د. سلام قدسي:

الابحاث حول دراسة المستقبل وابعاد التربية للمستقبل في اوجها والاجابات لا تزال متفاوتة وغير واضحة 

لنشدد على قيمة اللعب في البيوت وفي رياض الاطفال ولنعطي الحيز المكاني والزماني والوفرة من الالعاب للأطفال

الثورة التكنلوجية
الثورة التكنولوجية الاخيرة (السايبر) طورت شبكة الانترنت العصرية التي اصبحت متاحة لكل فرد بكل لحظة دون قيد او شرط مما سرع في عملية ابتكار العديد من الادوات الذكية التي تعتمد على تلك الشبكة مثل الهواتف والشاشات الذكية بما تحتويه من تطبيقات وتحديثات. ناهيك عن مواقع التواصل الاجتماعي التفاعلي متعدد الغايات ومواقع المعلومات والمعرفة وغيرها. وهي ثورة لا زالت مستمرة تؤثر على حياتنا وتصمم لنا شكل ومعالم مستقبلنا.

في هذا السياق، اخترقت هذه الثورة صفوف الاطفال مع انها اعدت بداية للكبار. فتم ملاءمة الكثير من التطبيقات والبرامج لهم. وجد الكبار (وهم ايضًا الاهل) انفسهم منغمسين مشغولين باكتشاف ابتكارات الثورة التكنلوجيا منبهرين بأدواتها العجيبة، فتغيرت مفاهيم ومعايير التربية والوالدية وتم الاستئناف على دور الاهل او المعلمين في عملية التربية بعد ان اخترقت الثورة البيوت والمحصنة والمدارس المسيجة.
ضمن هذه المرحلة الانتقالية التي اختلطت فيها الصواب والخطأ وانقسم العلماء بين مؤيد ومعارض وعدم قدرة المؤسسات والسلطة على اتخاذ قرارات واضحة او سن قوانين لترتيب معالم المرحلة، ضمن كل هذه التخبطات لابد لنا من وقفة تفكرية لمراجعة ما يمر به الاطفال على هامش هذه الثورة التي لا يمكننا غض الطرف عنها او تغاضيها.

مملكة الطفولة
يولد الطفل مفطورا على الطبيعة بما فيها من جمال وخير وينطلق بدافعية داخلية موروثة لاكتشاف الكون والتعرف عليه تدريجيًا. تأتي حاجته للعب تأكيدا على تلك الفطرة الاولى، فكما تحب جراء القطط او الكلاب اللهو بطبب الخيطان والقفز والانقضاض عليها، ويهرول ويقفز صغار الماعز والخراف بأقصى سرعتهم في المرعى او الحظيرة، نجد الاطفال يطورون انواعًا مختلفة من اللعب على امتداد طفولتهم بشكل تلقائي، ولا يكتفون بنوع واحد من اللعب كما يكتفي جراء الحيوانات. الامر يتعلق بتركيبة دماغ الانسان واختلافه عن ادمغة البهائم. فبينما غاية كل نوع من انواع الحيوانات تنحصر في حاجتهم للتكاثر والبقاء فيطورون مهارات يختص بها كل نوع منها كالطيران عند الطيور والركض عند الخيول، نجد الانسان منهمكا في طفولته على تطوير العديد من المهارات في نفس الاوان. وهذا يحتاج الى مراحل وتدريج. فاذا كان المهر قادرًا على الوقوف والمشي على قوائمه بعد ميلاده بساعة فان الطفل يحتاج الى عام كامل للوقوف والسير لان دماغه في نفس الوقت تعمل على تطوير عدة مهارات ولا تنحصر في تخصص واحد.

من الضروري تعريف بعض ابرز انواع اللعب عند الاطفال:
انواع اللعب عند الاطفال
النوع الاول من اللعب هو اللعب الوظيفي الذي يظهر في السنة الاولى من حياة الطفل وغايته اكتشاف المحيط بواسطة الاحواس الخمس. يوظف الطفل حواسه لاكتشاف البيئة القريبة ولا يتردد في وضع أي شيء في فمه لاختبار مذاقه، ملمسه أو حرارته. يقلبه بيده ليسيطر عليه ويكتشف المزيد من صفات ذاك الشيء. كل اكتشاف يكون مصحوبًا بمتعة، الامر الذي يدفع الطفل تكرار محاولته للمزيد من الاكتشافات لان غاية اللعب هي المتعة.
النوع الثاني من اللعب هو اللعب البنائي والذي يلحق زمنيًا باللعب الوظيفي الممهد له. فبعد ان يكتشف الطفل بيئته القريبة ويسيطر عليها بحواسه، تزامنًا مع اتساع مساحات التفكير الادراكي، يشرع الطفل بترتيب البيئة من جديد من خلال عمليات بناء يبدأها بشكل اولي بوضع الاشياء قرب بعضها البعض او فوق بعضها البعض عشوائيًا، منتهيًا ببناء الابراج والابنية المركبة مع توسع خبرته وفهمه لمبادئ البناء وطبيعة المواد المستخدمة.
النوع الثالث من اللعب هو اللعب الخيالي الاجتماعي او كما يعرف باللعب الدرامي وهو يعتمد على قدرة الطفل على تجنيد ما اكتسبه من لغة وصور عن محيطه ليبدأ بعملية ترتيبها من جديد مستبدلا الادوار وقالبًا منطق الامور وهو ما يعرف بالخيال فيصبح قادرًا على الطيران ومتحولا لشخص اخر ومبدلًا فصول السنة ومحولًا الليل الى نهار ويتفق الاطفال في ما بينهم على تلك الادوار او الاحداث ويعيشونها كما انها الواقع.
هنالك تقسيمات اخرى للعب لا مجال لحصرها هنا، ولكل منها فوائدها.

للعب دور هام في مستقبل الطفل
اثبتت بعض الدراسات طويلة الامد ان للعب فوائد عديدة على تطور الانسان لا سيما من الناحيتين الادراكية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال وجد ان الاشخاص الذين مارسوا في طفولتهم لعب بنائي مقابل اشخاص لم يشاركوا بمثل هذا النشاط، حصلوا على معدلات اعلى في تحصيلهم العلمي بمواضيع مثل الرياضيات والعلوم.
في بحث طويل الامد اخر وجد ان الاشخاص الذين مارسوا اللعب الخيالي الاجتماعي في طفولتهم مقابل اشخاص لم يتمرسوا به، طوروا لاحقًا علاقات اجتماعية ثابتة مثل الزواج مقابل كثرة الطلاق والمشاكل الزوجية لدى من لم يمارسوا اللعب الخيالي الاجتماعي في طفولتهم. كما ان معدل الجنح ومخالفة القوانين لدى من مارسوا اللعب الخيالي الدرامي كانت اقل من الذين لم يمارسوه في طفولتهم.

السؤال الذي اطرحه هنا بعض هذه العجالة:
هل ثورة التكنلوجيا التي اخترقت مملكة الطفولة تهدد مستقبل الاطفال في حال استولت على مكان اللعب واحتلت حيزه؟
الابحاث حول دراسة المستقبل وابعاد التربية للمستقبل في اوجها والاجابات لا تزال متفاوتة وغير واضحة.
في نظري يبقى للعب التقليدي مكانته عند الاطفال لانهم مفطورون على حب النشاط التلقائي والطبيعي، ولا بد لنا كبالغين توفير المساحات والاوقات للعب الاطفال الصرف وحمايتهم اثناء اللعب من مؤثرات جانبية قد تطغى على تفكيرهم وتعكر صفو فطرتهم الاولى.
لنشدد على قيمة اللعب في البيوت وفي رياض الاطفال ولنعطي الحيز المكاني والزماني والوفرة من الالعاب للأطفال.
هي دعوة لتجديد ثقتنا بألعاب الاطفال التقليدية والتشديد على قيمتها لتهيئة وتحضير الفرد لمستقبل افضل.

 د. سلام قدسي -كلية القاسمي الاكاديمية للتربية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة