الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 11 / مايو 01:01

اندثار الأحزاب البرلمانية العربية/ بقلم: البروفيسور أحمد الناطور

البروفيسور أحمد الناطور
نُشر: 15/04/19 10:17,  حُتلن: 14:35

البروفيسور أحمد الناطور:

يتغاضى معظم الأحزاب عن ان الناس قد سئمتهم خاصة بعد المناكفات الرخيصة التي رافقت ازمة التناوب حتى انفراط المشتركة 

لو لم يقم بعض العرب بالاشفاق على مرشحي الحزبين في آخر لحظة، بعد ان خرجوا فارعين ضارعين يستعطفونهم لَوَقع الزلزال المحتوم، وانهار البيت الخًرِب الذي أبى أصحابه ترميمه على مدى عشرات السنين، رغم تداعي اركانه حتى لم يعد قابلا للترميم، فصار لا بد من هدمه بيد أصحابه من اجل استغلال ارضيته لبناءٍ خيرٍ منه .
ولما كان من طباعنا الا نباشر الترميم والصيانة الا بعد الانهيار، تماما كما لا نذهب الى طبيب الاسنان الا بعد ان تذوب السن وتعتمل جذورها، فقد يكون سقوط الأحزاب هو الحافز الوحيد لمراجعة المسار ولإعادة بناء المتابعة ولدراسة بدائل نضالية خارج البرلمان . الا ترى اننا جربنا خوض الانتخابات على مدى سبعين عاما ولم نتوقف لنقيّم المصالح من المفاسد كما لم ندرس وضع البدائل لها ؟! ولعل من مفاسد الحضور البرلماني ليس فقط تجميل قبح إسرائيل وانما أيضا تشكيل عائق امام استحضار سبل النضال الشعبي البديل.
واذا لم يقع هذا الزلزال هذه المرة فسيقع لا محالة بعد سنة او يزيد بعد ان يُغيًّب نتانياهو وراء جدران سجن معاسياهو . عندها لن يكون هناك أعضاء برلمان ولا لجنة متابعة لانفراط مركباتها – الامر الذي سيشكل واقعا جديدا يحتم بناء مشروع نضالي شعبي لا برلماني، يرتكز الى التجربة الجنوب افريقية كنموذج، وبدلا من المتابعة يقام مؤتمر الشعب الجامع الذي يمثله بحق ٍ وحقيقة .
هذا ويتغاضى معظم الأحزاب عن ان الناس قد سئمتهم خاصة بعد المناكفات الرخيصة التي رافقت ازمة التناوب حتى انفراط المشتركة . وفي حين اتهم رجل مركزي في الجبهة احمد الطيبي بفرط المشتركة يقوم حزبه بالائتلاف معه دون غيره في قائمة واحدة . من ناحية أخرى ترى زعيم الحركة الإسلامية ورئيس قائمتها يقول : المسألة مش حلال وحرام، ما حدا يقوللي حلال وحرام . احنا بدنا نعمل لمصلحة شعبنا ! ولي ان أتساءل كيف يصدر كلام كهذا ممن يمثل التيار الديني؟ أيجوزان تكون هناك مصلحة للناس خارج حدود الحلال ؟ اليس تقدير الصلاح والفساد عائدا الى الشريعة ذاتها ؟ اليس معيار قياس ذلك هو مقاصد الشريعة الخمسة ؟ اليس معيار المصالح في الشريعة الإسلامية منضبطا في الحياتين – الحياة الأولى والحياة الاخرة على السواء، ولا مجال للفصل بينهما .
وعودٌ على بدء، ان من دواعي تداعي مكانة النواب العرب في عيون الناس هو ايثارُهم مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة، الامر الذي تجلّى من خلال صراعات ترتيب مقاعد المشتركة – وكنت شاهداً على ذلك يوم كنت عضواً في لجنة الوفاق، التي لم تُوفَق في وضع معادلة لضمان استمرار الوفاق داخل اسرة المشتركة – وهذا موضوع سنُفرد له مساحة خاصة . ثم انفراط المشتركة على خلفية ما يدعيه كلٌ من مقاعد ومراكز واستحقاق . ثم تأتي قرارات التحالف من غير علاقة بمبادئ او ايديولوجيات . فالوطني يجوز ان يصطف مع ابن حزب صهيوني والإسلامي مع فمنست وانت يا شعب عليك ان تتقبل المطبوخ وتبتلعه كما هو .
لقد ايقنت الجماهير ان الأحزاب تراها كمخازن للأصوات فحسب . ومع ان القائد في العادة يزن اسقاطات قراراته ويستطلع مدى تقبل او عدم تقبل الجماهير لها قبل اتخاذها، الا ان قادتنا لا يقيمون لرأي الجماهير حسابا وكأن لسان حالهم يقول : من هي هذه الجماهير ؟ انا الذي اقرر هنا والناس عليها ان تصوت ! والامثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى .
ومن هنا الى المقاطعة . ومع ان المقاطعة عائدة الى مزيج من المبدئية من جهة والى طرح الثقة بالأحزاب وبمرشحيها من جهة اخرى، فان السببين يلتقيان معا في المحصلة النهائية . قال بعضهم ان التخلف عن التصويت جريمة بل هي خيانة بحق الوطن ! وقال آخرون مش وقته الان ان نعاتب نوابنا عن تقصيرهم المهم ان ندحر اليمين ! منطق عقيم لا يدل على نضوج فكري ! فمتى كان فرق بين حزب العمل وجرائره والليكود وجرائره في اشعال الحروب وقتل العرب او مصادرة الأرض وتشريد الخلق ؟
ولعله من الخير ان نعود الى نقطة البدء هناك عند اول تجربة انتخابية . لقد كانت اول مرة ذهب بها أهلنا الى الانتخابات يوم 25. 1. 1949 وكانت قلوبهم يومها لا زالت تنزف دما ودموعهم بعد لم تجف على فقدان الاهل المشردين وضياع الوطن السليب . لقد كانوا خارجين من حرب هُزموا بها شر هزيمة وحلت بشعبهم نكبة مزقته وشردته في الافاق ثم وضعوا في أسر الحكم العسكري "فانتخبوا " أعوان الدولة المنتصرة عليهم نوابا عنهم . أي انها كانت انتخابات المهزوم الى مؤسسة الدولة المحتلة المنتصرة . منذ ذلك الحين وهم يذهبون الى الانتخاب دون ان يسألوا او يتساءلوا أفي ذلك خيرٌ وفير ام هو شرٌّمستطير . ورغم ان وجود النواب العرب في البرلمان لم يسجل خلال سبعين عاما إنجازا عينيا حقيقيا يذكر بل ان أسوأ القوانين عنصرية قد شرعت وهم حاضرون بكامل قواهم العقلية واوصافهم الشرعية، فان الخطاب لا زال يدعي ان وجودهم هو ضمان للمواطنة ولمصالح العرب بل ذهب احدهم الى ان التصويت له هو تصويت للمسجد الأقصى !
ان المواطنة هي علاقة حقوقية بين المواطن والدولة الديمقراطية، اما اهم عناصر هذه العلاقة في الديموقراطية فهي القدرة على حماية الحقوق . لذا وما دامت إسرائيل لا تقيم عمليا مبدأي المساواة وسيادة القانون بكل ما يتعلق بالعرب –لغة ً وثقافة وديانة وتاريخا، وكذلك بحقوقهم بالأرض والمسكن إضافة الى حقهم بالهوية القومية الجماعية، كما ان القانون لا يسري بالتساوي والتوازي على الحاكم والمحكوم وعلى الأكثرية بقدر ما يسري على الأقلية، فان الحديث عن المواطنة في غياب قدرة النيابة البرلمانية على قلب هذا الواقع يبقى فارغا من أي مضمون .
معناه انه قد آن الأوان لإيجاد بدائل للأحزاب والشروع بوضع خطط نضالية لا برلمانية بما في ذلك بناء مؤسسات قادرة على حمل المرحلة وتحدياتها كإقامة مؤتمر الشعب . اما بالنسبة لحماية حقوق المواطنة قانه يتعين انجاز ذلك من خلال تدويل الحالة واستخدام المؤسسات الدولية .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

 

مقالات متعلقة