الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 00:01

القواعـد الذهبيـة للمصالحـة مع الجماهيـر العربيـة/ بقلم: إبراهيم عبدالله صرصور

إبراهيم عبدالله صرصور في مقاله:

هل سيسامحنا جمهورنا بعدها؟ يتوقف ذلك على مدى جدية القائمتين في السعي للمصالحة الجدية مع الشعب.. الطريق الى استعادة ثقة الجماهير تبدا من عند القيادة وليس العكس!

"زلزال" هو الوصف الذي لا مبالغة فيه لما أصاب المجتمع العربي في انتخابات الكنيست التي جرت يوم الثلاثاء الماضي 9.4.2019..

لن تكون الحقبة القادمة كالتي سبقتها أبدا ما لم تسارع القوى السياسية بشراكة فعلية وفاعلة من النخب المجتمعية والأكاديمية لتدارك الموقف ومعالجة الاضرار وبناء ما انهدم من جديد..

(1)

الساحة الإسرائيلية تزداد قتامة، والتركيبة السياسية للحكومة القادمة ستكون الأكثر شراسة وتطرفا.. الدولة مقبلة على مرحلة سوداء ستتغير فيها الجغرافيا والديموغرافيا داخليا، فلسطينيا، عالميا وإقليميا! ستتحرك حدود، وستنتهك حقوق، وسَتُداس مُسَلَّمَاتٌ ظننا انها مقدسات حسب الأعراف والمواثيق الدولية، وستسقط قلاع وقلاع كنا نظن انها بمنأى عند يد الغدر والطغيان!

أصبحنا كمجتمع عربي قيادة وشعبا نسخة بائسة من واقع الانحطاط العربي، ففي الوقت الذي تزداد فيها الغطرسة الإسرائيلية التي لا تُقيم وزنا لقيم او اخلاق او مبادئ او أعراف، نزداد فيه تمزقا وشتاتا.. في الوقت الذي يتوحدون فيه على باطلهم، ويلتفون حول إفكهم القديم، نزداد تفرقا وتشظيا رغم كل ما يجب ان يوحدنا عروبة وإسلاما ووطنية وقومية.. أصبح بأسنا بيننا شديدا اعترفنا بذلك او لم نعترف.. ما عادت التحديات والمخاطر الوجودية التي تطحننا كافية حتى نستيقظ من عبثية طفولتنا – مع الاحترام لبراءة الطفولة، فأصبحنا نسارع كالفراش حينما تهوي الى النار وهي تظن انها سائرة الى النور!

ما الفرق بين واقعنا وواقع الامة العربية من حولنا والتي لا نكل ولا نمل من تحليل أوضاعها، ونقد ترديها في قاع سحيق لم يُبْقِ لها هيبة ولا قيمة في نظر العالم؟!!!

(2)

ضحكتُ مِلأ شِدْقَيَّ وانا أرى قيادات أحزابنا تحتفل بانتصارها في انتخابات الكنيست قبل أيام.. هل انتصرت القائمتان العربيتان فعلا، ام اننا رضينا ان نحول كابوسنا الى حلم جميل، وقد قيل الحقيقة المرة خير ألف مرة من الوهم الخادع، تماما كما حول قادة العرب هزائمهم الى انتصارات، فحَوَّلَ قادة سوريا ومصر هزيمة عام 1967 الى انتصار رغم الكارثة بدعوى ان إسرائيل كان هدفها اسقاط الأنظمة (الثورية!!!!) في البلدين.. أما وقد فشلت في ذلك، فذاك هو الانتصار الذي لا نظير له!!!.. اما الأرض المسلوبة والمحتلة، والمقدسات المهانة، والاعراض المنتهكة، والكرامة المسحوقة، والشعوب النازفة، والحق الذي ضاع، فهذه كلها لا تساوي شيئا ما دام الزعيم باق على عرشه!!

هل يجوز لنا الاحتفال بالفوز المُتَوَهَّم في الانتخابات الأخيرة؟! أوما كلن الأولى بنا ان نفتح بيت عزاء لتلقي وفود شعبنا وهي قادمة لتعزينا بوحدتها التي قتلناها بأيدينا، وبإنجازنا غير المسبوق (المشتركة) الذي فرَّطنا به عن سبقٍ وإصرار، وبهويتنا الجماعية التي ذقنا حلاوتها عند ميلادها قبل أربع سنوات (2015)، فمزقناها كلَّ مُمَزَّقٍ غير عابئين ب "إرادة الشعب" التي أحاطتها بحنانها، وحمتها برموش اعينها؟!!

(3)

لا يحق لأحد من احزابنا ان يفرح لنجاحه، فقد خسرنا الكثير..

خسرنا "المشتركة" التي جسَّدْتِ الوحدة العربية بصورة مشرفة للمرة الأولى منذ نكبة العام 1948، أي بعد نحو سبعين عاما من مشوار الكفاح الوطني الذي خاضته الجماهير العربية في الداخل.

خسرنا "المشتركة" التي شَكَّلْتِ النموذج الذي جاء على غير ميعاد وسط منطقة عربية – فلسطينية صاخبة، من أبرز سماتها تفتيت المفتت، وتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ.. قَدَّمَ المجتمع العربي داخل إسرائيل النموذج الذي يستحق ان يكون مثالا يحتذى به فلسطينيا وعربيا.

خسرنا "المشتركة" التي حجزْتْ للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني مكانا لهم كقوة ثالثة في الكنيست بعد الحزبين الكبيرين، لأول مرة في تاريخها، الأمر الذي أكسبها زخما فرضت بسببه حضورها اللافت من جهة، وإرادتها على الحكومة والبرلمان من جهة أخرى، استطاعت من خلاله تحقيق إنجازات تجاوزت إنجازات الأحزاب العربية منفردة كما في الماضي.

خسرنا "المشتركة" التي أدخلتنا الى المجتمع الدولي من أوسع الأبواب، فَحُزْنَا على احترام حكومات العالم ومؤسساته الدولية التي بدأت تتعامل مع المجتمع العربي كمجوعة قومية ذات تمثيل معتبر يستحق الاحترام ويجب الاصغاء اليه..

خسرنا "المشتركة" التي شكَّلْتِ حاضنة لكل احزابها ونوابها، وغطاء لكل مجتمعها وشعبها ونُخَبِهِ ونشاطاته الوطنية، وسندا لمؤسساته الجامعة وهيئاته الوطنية التمثيلية كلجنة المتابعة واللجنة القطرية للرؤساء، ولجان الطلاب في الجامعات والمعاهد العليا وغيرها.. أصبحوا بها جميعا أكثر قوة، وأعمق تأثيرا، واقوى ثقة بالنفس..

خسرنا جماهيرنا التي توحدت من وراء قيادتها في "المشتركة" بحماس وإقبال غير مسبوق لأول مرة منذ النكبة، فالتفَّتْ من حولها واحتضنتها بكل حنان، ووضعت فيها ثقتها التي فرَّطتْ بها عند اول فرصة..

خسرنا "الأمل" التي بدأ ينمو ويحبو في قلوب الغالبية الساحقة من مجتمعنا العربي مع قيام "المشتركة"، فأعدناهم الى أحضان الإحباط واليأس والانكفاء على الذات من جديد..

أبعد كل ذلك، يحق لأي منا ان يفرح ويحتفل بانتصار وهمي؟!!

(4)

الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك... هذا هو الحال مع قوائمنا العربية "تحالف الموحدة والتجمع" و "تحالف الجبهة والتغيير"، وتحصيلهما المتدني أمس في الانتخابات للكنيست ال - 21 (2019) .. الا ان استخلاص العبر والدروس من هذا الاخفاق، وتحمل المسؤولية السياسية والاخلاقية، واجب وحتمي وإلا فالمستقبل سيكون أسوأ..

(5)

لا بد - من اجل المصالحة مع جمهورنا العربي، وفتح صفحة جديدة معه – من بدء الاتصالات فورا بين نواب القائمتين العربيتين لتحقيق ما يلي:

اولا، إصدار بيان مشترك تعترف فيه القائمتان بتحمل المسؤولية الكاملة عن التراجع في نسبة التصويت وعدد النواب العرب، وعن حالة الغضب في اوساط المجتمع العربي..

ثانيا، التزام القائمتين أمام الجماهير العربية بالسعي الفوري لوضع تصور كامل وشامل لإعادة تشكيل "القائمة المشتركة" من جديد وعلى أسس جديدة، وتقديم هذا التصور/الاتفاق كهدية مصالحة مع الجماهير العربية خلال مدة لا تزيد على نصف سنة من بدء الدورة البرلمانية للكنيست الحالية..

ثالثا، الاتفاق الفوري على وضع استراتيجية عمل مشترك داخل الكنيست من خلال كتلة واحدة، ومن خلال قائمة واحدة إن أمكن..

رابعا، الحرص على ان تكون الاجتماعات الاسبوعية الدورية في الكنيست لكلا القائمتين معا وفي مقر واحد داخل الكنيست، وإصدار البيانات المشتركة بناء عليه..

خامسا، تفعيل هياكل عمل المشتركة في الكنيست المنتهية ولايتها وخصوصا اللجان المتخصصة، والعمل من خلالها تعزيزا لروح الوحدة وتجاوزا لانعكاسات الوضع الجديد الذي نشأ بسبب غياب المشتركة..

سادسا، الحرص على التعامل مع الحكومة القادمة ومع المجتمع الدولي ومنظماته، ومع السفارات من خلال وفود تجمع القائمتين كما كان الحال في الدورة السابقة..

سابعا، وضع ميثاق شرف جديد بين القائمتين (المشتركة) بناء على ما ذكرت آنفا، يحدد طبيعة العلاقة بينهما وبين الجمهور العربي في الداخل، تتم صياغته من خلال حوار مجتمعي يشارك فيه الشباب والمثقفون والشرائح التي لم تجد لها مكانا بارزا في صياغة برامج العمل السياسي عموما..

ثامنا، اعتماد مركز ابحاث ودراسات يزود القائمتين (المشتركة) بكل الابحاث والدراسات ذات العلاقة بقضايا المجتمع العربي وطرق معالجتها، يشرف على تنظيم مؤتمر سنوي ثابت على شاكلة "مؤتمر هرتسليا"، يضع الرؤية الاستراتيجية المتجددة لمجتمعنا العربي..

تاسعا، تشكيل طاقم اعلامي متخصص يتحمل مسؤولية مخاطبة المجتمع العربي اولا، ثم المجتمع الاسرائيلي اليهودي ثانيا، والمجتمع الدولي ثالثا..

عاشرا، وضع خطط عملية للتواصل الجماعي مع الجمهور العربي في كل اماكن تواجده بهدف تعميق التواصل والتقريب بين وجهات النظر، والمشاركة في صياغة السياسات، وتعزيز الوعي العام بما يجري، وإزالة الغام سوء الفهم والجفاء، وحشد الجمهور للمشاركة في كل النضالات وعلى جميع المسارات بما في ذلك الساحة البرلمانية..

حادي عشر، التوافق على بناء المؤسسات الوطنية وخصوصا لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية على اسس جديدة ترقى الى مستوى العصر وطبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع العربي، وزيادة المشاركة الجماهيرية في انتخابها وتشييد بنيانها..

(6)

هل سيسامحنا جمهورنا بعدها؟ يتوقف ذلك على مدى جدية القائمتين في السعي للمصالحة الجدية مع الشعب.. الطريق الى استعادة ثقة الجماهير تبدا من عند القيادة وليس العكس!

ولنتذكر دائما: رأيت في حياتي شعوبا حول العالم عاشت من غير زعيم، الا انني لم زعيما عاش من غير شعب!

اللهم إني قد بلغت.. اللهم فاشهد....

**** الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة