الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 22:02

ترامب والجولان المحتل وسياسة فرّق تسد للسيطرة/ بقلم: خالد خليفة

خالد خليفة
نُشر: 27/03/19 09:50,  حُتلن: 13:29

خالد خليفة:

اعترف بالقدس المحتلة كعاصمة لدولة إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها في عام 2017 وطالب دول أخرى بالاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل

لم يأت الاعتراف الأمريكي على قانونية السيادة الإسرائيلية لأراضي الجولان المحتلة متأخرا، فقد أيدت الولايات المتحدة في فترة الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجين قانون ضم الجولان المحتل إلى إسرائيل الذي اقر في الكنيست في نوفمبر في عام 1981.

لقد حاولت إسرائيل أربع مرات وخلال حكم قادتها السابقين إقناع سوريا بالموافقة على هذا الضمّ، واشغلت الرأي العام العالمي والإقليمي بأنها تحاول وبشكل حثيث إجراء مفاوضات مع الجانب السوري بهدف توقيع اتفاقية سلام معه، ويعتبر اكتوبر 1973 تاريخا حاسما، أي بعد 6 سنوات من النكسة واحتلال الجولان، وفي محاولة سوريا إعادة الاعتبار لها ومحاولة استرجاع الجولان في عملية عسكرية أطلق عليها حرب أكتوبر، ولكن مفاجئات هذه الحرب والخلافات في الرؤى بين السادات وحافظ الأسد، أدت في نهاية الأمر إلى تراجع عسكري سوريّ الأمر الذي سمح لإسرائيل بالاستقواء على الجبهة السوريّة وإعادة السيطرة على ثمانين بالمئة من هذه الهضبة .

وفي عام 1976 انخرطت سوريا في الحرب الأهلية في لبنان، الأمر الذي أنهك قواها واشغلها من التفكير مجددا في إعادة هضبة الجولان المحتل إلى الأراضي السوريّة، وفي هذه الأيام وفي خضم احتفالات مرور 40عام على توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل، والتي رفضتها سوريا انذاك، حيث استثنيت مصر من الصف العربيّ وتم التوقيع على دعم عسكري واقتصادي امريكي ضخم لإسرائيل ومصر الأمر الذي زاد من قوتهما وبالتالي رفض اسرائيل لأي مبادرات سليمّة مع الجانب السوريّ .

هذا والهت إسرائيل بعدها أيضا الجانب العربي باتفاقية أوسلو التي وقعت عام 1993 الأمر الذي زاد من عزلة سوريا، وخلال كل تلك الفترة لاقت إسرائيل دعما أمريكيا عسكريا اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا هائلا، مع إظهار سياستها بأنها العراب لأي تسوية في الشرق الأوسط بشكل عام ومع الجانب السوري بشكل خاص .خلال كل تلك الفترة حدثت تحركات إقليمية وعلى رأسها غزو العراق والتدخل الأمريكي المباشر والسافر في الشرق الأوسط ومن ثم نشب الربيع العربيّ والذي أصاب سوريا بالصميم .
الى جانب كل ذلك ففي مطلع 2016، تم انتخاب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة، وهو يعتبر من اقرب الرؤساء الأمريكيين قربا وصداقة لإسرائيل، فهنالك العديد من التحليلات والتقديرات التي تظهر بأن المال اليهوديّ في الولايات المتحدة وخاصة أموال شيلدون اديلسون وآخرين هم الذين أوصلوه إلى الحكم . كما انه يعتبر إسرائيل ونتانياهو الحلفاء الأكبر للإنجيليين الاصوليين في الغرب الأوسط وهم بالتالي يعتبرون حلفاء لإسرائيل ايضا . وإذا خضنا في هذا النقاش ومنذ البداية، فقد لبّى ترامب كافة طلبات إسرائيل وبصهيونيّة زائدة وبدون أي ضغط يذكر.
حيث اعترف بالقدس المحتلة كعاصمة لدولة إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها في عام 2017 وطالب دول أخرى بالاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل . كما أعلن عن قطع المساعدات الأمريكية للاونروا كي يخرج صيغة تعريف الفلسطينيين كلاجئين، كما أعلن عن وقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية وأغلق السفارة الفلسطينيّة في واشنطن واستمر في التحريض وبشكل متواصل على الفلسطينيين، واصفا اياهم شريك غير شرعي لأي مفاوضات مع إسرائيل التي "تطوق" إلى السلام في رأيه.
ويروج ترامب، ومنذ مدة طويلة، بأنه سيقترح خطة لحل القضية الفلسطينية تتمثل في حل كافة بؤر النزاع في الشرق الأوسط وتدعى" صفقة القرن"، وهو حريص ومنذ توليه الحكم، بأن لا يعرضها أمام الملأ بل يسرب مقاطع غير مؤكده منها إلى وسائل الإعلام، ويقود هذه الخطة والتي تسمى "صفقة القرن " صهره اليهودي جيراد كوشنير ومساعده اليهوديّ أيضا جيسون جريمبلات، وقد باع ترامب ملف القضية الفلسطينية إلى صهره كوشنر، وهو حليف مقرّب للأمير محمد بن سلمان لكيّ يساعد نتانياهو وحلفائه العرب على اضمحلال واندثار القضيّة الفلسطينيّة .

ولا تملك السلطة الفلسطينية العديد من الانجازات ولكن احد أهم انجازاتها هو الرفض التام والمطلق للسياسة الأمريكية ولترامب بالذات، ومنع سلطته من اجراء اي اتصال مع اي مسؤول امريكي في هذه الادارة الامر الذي اثار الغضب عند الإدارة الأمريكية من الفلسطينيين . فعلى الرغم من انهم طرف ضعيف للغاية إلا إنهم وضعوا إصبعه مثلثه في عين ترامب وهذا ما يثير الكثير من حافظته .
مهما يكن، فان سياسة أميركا في الشرق الأوسط التي كانت تدعى في الثمانينات بسياسة الاحتواء المزدوج Dual containment policy للعراق وإيران، انتقلت في أواخر التسعينات للصدام واحتواء العراق ونظام صدام حسين، وبعد ذلك تبنى اوباما سياسة فرض الهيمنة الامريكية على الشرق الأوسط بواسطة إثارة ونشر الفوضى في كافة الدول العربية، وتمثل ذلك جليا في الربيع العربي وتعتبر سوريا الأكثر تضررا من ذلك الحدث، حيث ان الغزو الأمريكي للعراق أثقل كاهلها وخزينتها وكلف السياسة الامريكية بمبلغ 1.6 تريليون دولار امريكي. أما ترامب، والذي انتخب على إطلال نظام اوباما، فأنه يقول بان على امريكا بأن لا تدفع أي سنت على دول الشرق الأوسط بل تسعى الى تخريبها من الداخل وإيجاد الأعداء لها، كي يستمر وضع اللاحرب واللاسلم في ما بينها، فإذا أخذنا سوريا مثلا، فقد قررت الولايات المتحدة الانسحاب من منطقة التنف في جنوب سوريا، ودعمها للأكراد في الجنوب، اما في الشمال فقد اعترفت في السيادة الإسرائيلية على الجولان كي تبقي سوريا، ومن دون ان تدفع اي شيء، في حالة انهيار وعدم استقرار مقلق، ونفس الشأن يتمثل في العراق، حيث تتدخل هناك، وتضع قوات لها وتتمركز في المنطقة الخضراء وتمنعهم وبقوة من التقارب مع الإيرانيين، وفي إيران تعيد سياسة الاحتواء ضد النظام الإيراني وتفرض عليه العقوبات القاسية، أما في الخليج، فأنها تثير النزاعات بين قطر، أبو ظبي والسعودية، وفي البحرين تصبّ الزيت على الخلافات الداخليّة بين ألسنه والشيعة لكيّ يصبح النظام غير مستقر، وفي اليمن تشعل حربا بين السعوديّة واليمن وتبتز النظام السعوديّ وتدعمه في نفس الوقت كي يستمر في حرب داحس والغبراء لا تخدم أي أحدا سوا الإدارة والخزينة الأمريكية وإسرائيل .
لذا فأن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل كان متوقعا ويندرج في إطار السياسة الأمريكية التي تتمثل بسياسة فرّق تسد بدون أن يكلف الخزينة الأمريكية أي شيء بل يكسبها السيطرة واستمرار الفوضى في هذه الدول.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة