الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 03:02

بعمرِ الأربعين تدرك ما فات من سنين / بقلم: جلال بنا

جلال بنا
نُشر: 24/07/18 11:38,  حُتلن: 08:05

جلال بنا في مقاله:

إنه العمر الذي يكون الإنسان قادر فيه على أن يفهم ربما كل الفئات العمرية ويعايشها ويتحدث بمشاعرها يفهمها وتفهمه

النصيحة الأولى والأخيرة ومن تجربتي في الحياة اهتموا بصحتكم، أكثروا من الضحك، وقللوا من الغضب، باقي أمور الحياة ستأتي وتترتب يوماً ما

في تاريخ ميلادك من عام الى عام، تقف بينك وبين نفسك، تسأل، غالباً مع فنجان قهوتك الصباحية يجوب في خاطرك وتسأل وتتسائل بأهم الاسئلة، ماذا فعلت؟ ماذا انجزت؟ وماذا علي بعد أن انجز، وماذا حققت من طموحاتك واحلامك والتحديات التي واجهتك في الدنيا والتي حتماً ما زالت تواجهك.
في السنين الأولى لسن الاربعين، أي في المنتصف الأول من الأربعين، تشعر في الكثير من التغيرات، الإيجابية والأقل ايجابية، أو بلغة اخرى السلبية والمحبطة، وأكثر ما قد يلفت نظرك هو التغيير الذي حتماً يحصل في جسمك وفي صحتك وحتى وان كانت صحتك جيدة جداً وعلى ما يرام، فهناك تغييرات لا بد منها، فمثلاً نظر العين في هذا الجيل يضعف، لكن الرؤيا حتماً تبدو أوضح، والنظرة أي نظرة تكون حتماً ثاقبة، التعب يبدو عليك بعد عمل ساعات قليلة خاصة إن عملت عمل جسدي، لكن النشاط يستمر وربما يزداد، وتنفيذ المهامة تكون بشكل منظم، والأوضح من كل هذا وذلك فإن ظاهريًا الشيب يحتل شعرك ويغير لونه شئت أم أبيت، وان لم يكن الشيب فإن تساقط شعر الرأس يصل أوجه في هذا العمر، لكن لون نمطك يبدو أوضح ولونك يبدو افضل مما كان من قبل.

في هذا السن، وهو الوحيد الذي خصه الله تعالى بآية في القرأن الكريم حيث قال في الكتاب العزيز "حتى إذا بلغ اشده وبلغ أربعين سنة" وربما ليس صدفة أن الاشياء الهامة والكبيرة تأتي في هذا الجيل، فنبوءة الرسول العربي الكريم نزلت عليه من الله تعالى في سن الأربعين، ففي هذا السن يشعر الشخص وكأنه على قمة جبل ينظر الى السفح الأول فيرى طفولته ومراهقته وشبابه، وأحياناً يرى كبر سنه وشيخوخته، ويجد بلا شك أن جزءًا كبيرًا من شبابه لا يزال في أعماقه، وكأنه يعمل في منجم كلما تعمق أكثر يجد خامات جيدة أكثر.
في هذا الجيل وكأن الأربعيني يقف على سفح جبل ينظر الى السفح الآخر من الجبل ليجد ما تبقى من مراحل عمره ويدرك حتماً كم هو قريب منها.
إنه العمر الذي يكون الإنسان قادر فيه على أن يفهم ربما كل الفئات العمرية ويعايشها ويتحدث بمشاعرها يفهمها وتفهمه.
فأنت تتحدث مع الأطفال بمنطق الأب وحنينه وتفهمه لأطفاله، وكل طفل قد يذكرك بأن لك أطفال، وأنهم ينتظرون عودتك الى البيت.

وأنت تتحدث مع المراهقين كونك لا تبعد عنهم كثيراً، فأنت تسمع منهم كلمة "عمي"، وهنا فأنت تبتسم بينك وبين نفسك وتقول هل أنا فعلاً اصبحت كبير في السن؟ ولماذا ينعتوني هكذا؟ وتحاول أن تغضب لكن سرعان ما تهدأ..

وأنت تتحدث من الشباب حتى جيل الخامسة والثلاثين كونك ما زلت تنتمي اليهم، وأنت تتحدث من جيل الخمسين كونك قريب اليهم، وأنت تتحدث الى جيل الستين كونهم ينظرون اليك انك قريب اليهم.
من لم يصل الى سن الأربعين، بعد ويقرأ هذا المقال، قد يفهم لكن من الصعب أن يتفهم حتى أن يصل اليه، ومن قد مر في هذا الجيل حتماً سيقرأ يفهم يتفهم ويبتسم، لأنه عاش وعايش هذا الشعور وهذا الاحساس.
غالباً المنتصف هو أكثر الأمور ايجابية، والنصف الأول من سن الأربعين هو نوعاً ما منتصف الأشياء، فالناس تبدأ بالنظر اليك شخص واعي وناضج، تستمع الى حكمة بالحياة، الى تجربتك، وتمنحك الثقة.

بلا شك فإن الأمور ليس بهذه الأمور الوردية وهناك تحديات ومشاكل ومصاعب، وهناك مسؤولية تجاه بيتك وعائلتك، وهذا من اكبر التحديات التي قد تكون في هذا الجيل.
فأنت تبدأ بالتفكير بمستقبل اولادك وتعليمهم الأكاديمي، تبدأ بوضع امورك الشخصية في اسفل سلم الأولويات، لأن اولادك وعائلتك والدك ووالدتك تراهم بمكان يسبقك، علماً انك تبدأ بممارسة هوايات التي طالما فطرت فيها، علماً أن هناك من ينظر الى هذه الهوايات على أنها تصرفات مراهقين نوعاً ما أو ما يسمى جهلة الكبر.
من السهل اسداء النصائح في كل موضوع، لكن من الصعب تطبيقها، لكن النصيحة الأولى والأخيرة ومن تجربتي في الحياة اهتموا بصحتكم، أكثروا من الضحك، وقللوا من الغضب، باقي أمور الحياة ستأتي وتترتب يوماً ما.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة