الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 23:02

الإسلام ليس طارئا في حياة الأمة


نُشر: 21/08/08 15:03

قرأت مقال السيد مرزوق حلبي في موقع العرب الصادر يوم الأحد الموافق 17\8\2008 تحت عنوان "قوميون بعمامة", والحقيقة ما كانت لدي رغبة بالرد على مثل هذا الكلام الذي قيل مثله كثيرا. لكن شيئا ما جذبني، وهي بعض التدليسات التي يمكن تلخيص المقال بسببها انه: كلام لا يقول شيئا. النص ذاته والكلام ذاته, كلام نخبوي, اقرب إلى "الهزج الشعبي" أحيانا, لا يقترح جديدا سوى انه يجتر  الكلام.
سأتفق مع حلبي بشان حديثه عن التجربة القومية والناصرية تحديدا, انها لم تتراجع ولم تقف امام النقد, ولم يقف احد عند أهم  نتائجها المريعة وهي هزيمة عام 1967، وانتهي  تقييم التجربة الكبيرة - التي سجلت اكبر هزيمة  في تاريخ العرب الحديث  أيضا- بنسب الهزيمة إلى حالة  خيانة  نسبت بالأساس لمن كانوا  حول  الرئيس عبد الناصر وبرأت ساحته, وبدا عبد الناصر وكأنه ضحية الحرب الوحيدة، وليس مصر  وشعبها والأمة العربية.
(1)
كرست هزيمة 1967 ما هو أهم "براءة اختراع" في العصر الحديث نسب للعرب: "المؤامرة", وانتهت هزيمة 1967 بأسوأ ما يمكن أن يكون في حياة  الشعوب, وليس المقصود عدم تقييم التجربة, بل ما هو أسوأ من ذلك، لقد  كان أهم استنتاج بعد  الهزيمة هو اعتبار استمرار النظام (أي نظام عبد الناصر) فشلا للمؤامرة  التي حاكها الاستعمار, أما هزيمة الأمة فتلك مسالة ليست مهمة.
أي شيء "غير عقلاني" أكثر من هذا التقييم, وأي شيء غير عقلاني أكثر من "عقدة المؤامرة" التي ما زالت تلاحق الأمة إلى هذه اللحظة؟؟
المؤامرة كانت وما زالت تشكل "حالة فكرية" عربية, لكنها ليس مجرد حالة, إنها تنسب الأحداث والنتائج والحروب إلى حالة غير عقلانية البتة.
لقد عمق القوميون بالأساس مفهوم المؤامرة حتى حولوه إلى إيديولوجية, واغتالوا عقل امة كاملا وهم يبنون لها الأساطير والحكايات والمؤامرات, حتى صارت المؤامرة لا تبرح عقل العرب ووعيهم, وصارت بفعل  التكريس ايدولوجية ملازمة  لسلوكيتهم ووجهة نظرهم في تفسير ما يحدث.
الوقوف مع هزيمة 1967 لا يسلب عبد الناصر ونظامه انجازاتهم, ولا يسلب التجربة القومية في مصر انجازاته من تأميم قناة السويس إلى مصادرة أملاك الإقطاع وتأميمها.
(2)
مشكلة مرزوق حلبي الذي يتحدث عن الحناء بأسلوب لا يخلو من الاستهتار(والحقد كذلك), انه لا يريد أن يعترف أن هناك تغيرا كبيرا حدث منذ أن صارت المواجهة علانية بين مشروع الهيمنة الأمريكية وبين  الإسلام (لن استعمل مصطلحات أخرى لا سياسي ولا تيار ولا  أصولي), لقد وجد التيار القومي في العالم  العربي نفسه في حيرة حقيقية, لم تكن واضحة بما فيه الكفاية في عصر الحرب  الباردة حين كان التيار  القومي محسوبا على المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي, وحين لم يكن قد اشتد بعد ساعد التيار  الإسلامي.
صار التيار القومي مطالبا أكثر  بالمفاصلة والوضوح, ليس هناك أماكن رمادية, وليس بالإمكان بعد الاختفاء  خلف شعارات, عليك أن تقول شيئا واضحا, لم تعد الجمل المبهمة كافية, لكن الأهم أن التيار القومي وجد  نفسه مرتبكا, فقد تراجع من حيث القوة والتأثير ووصل إلى حد الاضمحلال -وهو ضعيف أصلا- ومن جهة أخرى لا يمكن أن يصطف علانية مع التيار الإسلامي لأسباب إيديولوجية, وهو بالتأكيد لا يستطيع أن يقف إلى جانب المشروع الأمريكي. وعليه، وجد نفسه يتحدث بلغتين: واحدة  قريبة من الإسلام والتيار الإسلامي،  وأخرى قريبة من الليبرالية والعلمانية. أما السبب الحقيقي لذلك فيعود إلى غياب مشروع متكامل للمواجهة, ومشروع تنقصه كل المرجعيات الإيديولوجية. هنا تكمن أزمة المشروع القومي العربي,التي ترافقه  منذ  نشأته في أواخر القرن التاسع عشر.
في النهاية لا يمكن لأي مشروع من أي نوع أن ينهض بدون مرجعيات فكرية ثابتة,لا يمكن أن تكون علمانيا مرة واشتراكيا مرة أخرى، وقوميا في الثالثة وليبراليا في الرابعة وديمقراطيا في الخامسة.هذه هي نقطة الضعف المركزية في المشروع القومي, وهو ليس في حسابات المشروع الأمريكي.
(3)
شخصيا اتفق مع حالة التشخيص التي يتحدث عنها حلبي فيما يخص الحالة القومية, لكنه في ذات الوقت  يهرب من السؤال الأهم الذي تطرحه الحالة القومية اليوم, إنها باتت بدون مرجعيات فكرية وعليها  أن  تختار  بين الليبرالية والعلمانية والديمقراطية, لكنها تجد نفسها مرة أخرى في مأزق,هذا الاختيار سيجعلها خارج  سياق الأمة, الأمة العربية مع كل ما مر عليها من تجارب من كل الأنواع لم تنجح في الهروب من الإسلام  كمكون وجداني وروحي مركزي في حياتها, في أقصى الحالات كان هناك من طالب بفصل الدين عن الدولة لكن لم يجرا احد حتى اليوم بفصل الأمة عن دينها, والمسالة ليست محض صدفة, لان الإسلام يعيش عميقا  في حياة الناس, ولأنه ليس جزءا من فضائهم فقط بل من نفسيتهم وفطرتهم. وكل الكلام حول "الدين  الشعبوي" لم يفد البتة حتى هذه اللحظة, وكل الحديث عن دين الفقراء والمساكين والذين يبحثون عن الآخرة  لم يفد وبقي كلام للصالونات والترف الفكري,الإسلام هو دين الفطرة ,نقطة سطر جديد.
هذه مسالة لم يأخذها حتى الآن  أي من الكتاب غير  الإسلاميين, وفعلوا ذلك عن قصد, ولم يعترفوا بطبيعة  العلاقة والالتصاق بين الإسلام والناس الدين مثلا لا يشكل مركب مركزي لدى الشعوب الغربية, وفي كل  لحظات الأمة, وفي أشدها ظلمة وابتعادا عن الدين ظل الإسلام عاملا محرضا -وليس القومية- لكن ذلك فسره كثيرون على أساس خاطئ, قوة جذب الدين تكمن في الفطرة الإنسانية. ولم يكن عاملا محرضا وموحدا ودافعا ومبلورا وقائدا ومؤثرا مثل الدين في حياة العرب والمسلمين.
(4)
لقد  ظل الإسلام  وتياراته المختلفة يمارسون الحياة بأقصى درجات العقلانية, والعمل والواقعية فيما أشبعت التيارات القومية واليسارية الناس وهما وخيالا ودفعتهم للعيش في كوكب آخر, فصاروا منشغلون بالكلام  والاختلاف على المقولات, فيما ذهب الإسلام بعيدا, فلا احد يقترح مشروعا عمليا وواقعيا وقابلا  للتطبيق على الأرض ومرتبطا مع السماء في ذات الوقت. لم يفهم العلمانيون على اختلاف أنواعهم مفهوم  ربط الحياة بالآخرة إلا بمعناها الغيبي الذي يعطل معنى الحياة, ويهرب من الواقع، ومرد ذلك بالأساس عدم  إيمانهم بعلاقة الدنيا بالآخرة, لأنهم اعتبروا الحياة بداية البدايات ونهاية النهايات,لكنه  لم يفهموا معنى  التضحية  في  الدنيا للنيل بالآخرة,ومعنى العمل بالدنيا للفوز بالآخرة,هذه  قضايا  غابت هناك واكتفى  هؤلاء  رغم  إيمان  الكثيرين منهم بها بالتعريض عليها لا زيادة ولا  نقصان.
يدور حلبي حول نفسه, فهو يقر مبدئيا عدم قدرة التيار القومي طرح بديل يخرج الأمة من أزمتها لكنه  يفعل ذلك بعيدا عن الاقتراب من الحقيقة .
لم ينحسر التيار العلماني والقومي في العالم العربي لأنه لم  يتمدد إلا في حقبة بدايات الاستعمار, وكان تمدده محدودا للاسباب التي ذكرنا التصاق  الناس بدينهم ,وكان مرتبطا بنشأته, وقعت الحركة القومية والقوميين في خطا تاريخي ما زالوا يدفعون ثمنه حتى اليوم, فنشأة التيار كانت مرتبطة بالحركة الاستعمارية في المنطقة والثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين والتي هلل وطبل لها القوميون كانت نتاج العملية الاستعمارية, وكانت يدها التي تضرب بها مبنى الأمة وحالتها السائدة, وظلت الحركة القومية أسيرة ميلادها, لم تلد من بطن الأمة وقلبها ونبضها بل كانت ميلاد الحركة الاستعمارية, وبدلا أن تهرب من ميلادها ظلت  لصيقته, وكانت شاءت أم أبت منذ اللحظة الأولى تواجه الحالة الإسلامية, بكل أشكالها من الدولة العثمانية  التي شاركت الحركة القومية بتفكيكها مع حركة الاستعمار الفرنسية– البريطانية بوعي أو بدون وعي, فتلك مسالة تحتاج إلى خوض في التفاصيل.
قادت الحركة القومية في بداياتها العلمنة والغربنة في البلاد العربية, وبدلا أن تعيد ترميم حالة الانهيار التي  كانت تكتنف الحالة العربية التي كانت تحت سلطة الدولة العثمانية, استجابت لشروط العملية الاستعمارية, وفي  ذلك كان خطؤها التاريخي الذي ما زالت الأمة تدفع ثمنه إلى الآن.
اما مسالة إقصاء العقل أو اغتياله (والتي يقتبس بها حلبي المفكر برهان غليون), فتوقعه في مغالطة مرة, فغليون وهو احد ابرز المفكرين العرب في هذه المرحلة, لم ينجح إلى هذه اللحظة من اقتراح نموذج "غير  عادي" ينقذ العقل من عملية اغتيال, وغليون كما كل المفكرين الجدد (محمد اراكون ومحمد عبد الجابري وجابر عصفور وآخرون), ما زالوا ينسبوا اغتيال العقل للنص الديني تحديدا, ولا يقترحون في ذات الوقت  ألا نموذجا محسنا لذلك الذي اعتمده العرب في خطابهم القومي الأساسي منذ حقبة الاستعمار الاولى, اعادة  ترتيب العلاقة مع ما يسمونه ب"الحداثة" بشكل عام.
الشيء المذهل لدى هؤلاء وكثر اخرون أن المشكلة من وجهة نظرهم تكمن مع الخطاب الديني وتأويلاته  وتفسيراته ومكانته, وتتركز في ذات الوقت خطاباتهم على مسالة العقلانية كشيء أساس للنهوض بالأمة, ومفاد العقلانية يكمن في تغييب النص الديني(لنترك التأويل والخطاب الديني الثوري وما أشبه من الهرطقات).
العقلانية كحالة لدى هؤلاء لا يمكن أن تكون حاضرة بحضور الخطاب الديني, والمعنى أن اغتيال العقل  كفعل ناتج عن "لاعقلانية" هو بالضرورة مسالة دينية خالصة, لكن ماذا نقول إذا كان العقل والعقلانية  مركزية أصلا في الخطاب الإسلامي وتحديدا في القران الكريم, لكن ماذا نقول اذا كان هؤلاء ما زالوا  مصممين على  اعتماد حالة الصدام بين الدين (الكنيسة) والعقل التي كانت في أوروبا ما قبل الثورة  الصناعية وما بعدها, فتم انزالها على الحالة الإسلامية, وماذا يمكن أن نقول إذا كان هؤلاء يمسحون اكبر  منتوج حضاري في تاريخ الإنسانية (الحضارة الإسلامية بكل ما تحمل) بجرة قلم ويعتبرونه مجرد ظاهرة  ايجابية عند العرب, فيبدأ التاريخ عندهم عادة من روما واليونان ويقفز بقدرة قادر إلى دوقات أوروبا والثورة  الصناعية وجان جاك روسو وميكافيلي فنجد أنفسنا "كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا" كما يكتب حلبي.
أي فعل عقلاني يمكن أن يكون اكبر من هذا الإرث الحضاري الذي ما زال يدب على الأرض الدولة والعلوم والعسكرية وكل شكل حضارة ممكن.
(5)
الذين اغتالوا عقل امتنا هم الذين ذهبوا بها بعيدا عن محيطها وبيئتها الطبيعية, عن تاريخها وقيمها وحاولوا انتزاعها من هناك بالقوة, فعاشت على تخوم التبعية, فارغة مثل الطبلة, حقل تجارب, من أيام الشريف حسين  وقادة القومية الأولى إلى مشيخات النفط الحديث ومحطات روتانا.
حين ذهبت الأمة تبحث عن غير الله وجدت نفسها تحت وطأة الذل والمهانة وتلاحقها الهزائم وحين جاء من  يعيد الامة بالبحث عن الله مجددا في حياتها(الناس ليسوا كفارا بل عاشوا سنوات من الضياع وما زالوا إلى  هذه اللحظة حتى أنها أصبحت مسلسلا تلفزيونيا!), جاءت ردة الفعل دموية إلى حد لا يحتمل, دموية عبرت حقد لا تصدقه أحيانا, ولم يكن من قبيل الصدفة أن تكون هذه التجربة دموية للغاية في القرن الماضي لدى أكثر نظاميين قوميين, واحد يمثل الناصرية وآخر يمثل البعث, في مصر وسوريا. عند حلبي الذي يبحث عن  الله عز وجل يتجاوز الواقع عادة, والتأريخ طبعا ويصبح فعله غير عقلاني البتة, وتكون النتيجة كما يكتب:"مناسبة يتضح فيها لنا أن العرب على خيباتهم من كل شيء لا يزالون على عقليتهم يبحثون عن الله متجاوزين الواقع. مستعدون لتأجيل العقل أو لإقصائه أو اغتياله ـ حسب برهان غليون ـ كرمة لعقلياتهم. فالعقلية تذهب بالعقول في إجازة طويلة طويلة كأنها سرداب معتم معتم لانهائي المتاهة".
أما ما يسبب له القهر النفسي وما يخيفه على ما يبدو فهو الاقتراب الذي يعبر عنه القوميين تجاه الإسلام حيث يكتب:" لاحظنا ميلا مطّردا لدى قوميين كُثر في مقاربة الأطروحات الدينية أو الاندماج فيها. ويخيّل إليّ أنني سأرى بعضهم بعد حين يطلّ علينا عبر الفضائيات معمما أو ملتحيا وقد طلا لحيته بالحناء!".
كلام حلبي من أوله لآخره لا يعبرإلا عن تخوفات هي شخصية بالنسبة له لكنها تمثل تيارا, هو قليل الحضور, لكن حضوره الإعلامي اكبر بفعل شاشات البلازما, هذا التيار يخاف ومتخوف من الوقوف إمام حالة يقتنع  بها القوميون انه لا يمكن أن تطرح مشروعا بدون الإسلام, ولا يمكن اعتماد الإسلام طبعا كفضاء يعيش به  الناس فقط, انه يعيش بهم في داخلهم, ويحبونه, ويحفظون له الود والحب رغم كل حملات التغريب, ما زال  يشكل مركز هويتهم وانتمائهم, على ذلك يمكن فهم التقارب لدى التيار القومي, ولم يحصل يا حلبي أن استعمل  تيارا إسلاميا القومية من اجل الاقتراب من الناس, تجربتا سوريا ومصر ما زالتا ماثلتين امامنا. لنقرا ما يكتب :"ومثلما حاولت التيارات الإسلامية في حينه التقرّب من الخط القومي المنتشي تحاول التيارات القومية المحدودة أن تقترب من القوى المتدينة وأن تجاريها. ويُخشى أن يؤدي وهن القوى القومية العربية في الراهن واقترابها المهرول من التيارات الدينية إلى ذوبان الأولى في الثانية. فيصير الديني ملاذ القومي المهزوم!"
ويضيف:" وهنا أيضا، في ظروف امتداد الديني إلى كل مساحة يجد القوميون الحالمون سهولة في الانتقال من غيبيات وأحلام قومية إلى أحلام وغيبيات دينية طالما أنها تخدم الأمر ذاته وهو وجود جماعة مفترضة موحّدة ذات صوت واحد يطيب الانتماء إليها ودورة دموية واحدة. فالإسلام السياسي يقترح على العربي الجماعة وروحها وخصوصيتها وتميزها وصداميتها وحشودها الأمر الذي يبدو مستحسنا لكثير من القوميين المتأخرين الذين لا يترددون في الهتاف لحركات دينية أصولية أو في الاحتفاء بـ"انتصاراتها" الموهومة".
على الاقل ينتصر الأصوليون يا مرزوق فهل لديك انتصارا قوميا واحدا نطبل له ونقيم له حلقات الدبكة  الشعبية غير انتصار عام1967؟؟
(6)
ويصل حلبي إلى "قمة" الجهل الذي يؤكد انه لا يكتب بناء على معرفة بل بناء على اعتماد كلام قيل ويقال  منذ سنوات لكن لا فائدة منه, فلا يميز حلبي بين اية قرآنية كريمة وبين مقولة حزبية, والانكى انه يستعمل الاثنين في ذات السياق دون أن يكلف نفسه عناء المعرفة والبحث الأمر الذي يدل على ما أكدنا عليه انه أراد  تحذير القوميين من شر مستطيرا اسمه التيار الإسلامي, لنقرا ما يكتب:"فإذا كان بشّرنا البعثيون مثلا أننا "أمة ذات رسالة خالدة" فإن الإسلاميين يبشروننا بأننا "أشرف أمة أخرجت للناس"! وقد كانت المقولة الأولى غطاء لخطف الدولة والمواطنة ودوس حقوق الإنسان وكرامته، فأي نصيب سيلحق بنا في ظلّ المقولة الثانية؟"
من اين لك المقولة "اشرف امة اخرجت للناس", وهل تعتقد انها مقولة للاسلاميين, ومن باب انه لا فرق بين الاثنين كما فعلت في كل مرة قابلت هذه بمقولة لحزب البعث؟ فقط لو كلفت نفسك عناء البحث لوجدت كم كنت غير دقيقا.
لم يقل الإسلاميون هذا "الشعار", فهذه أية قرآنية أولا من عند لله, أما الثانية فانك قلتها مبتورة من السياق, يقول الله عز وجل في محكم كتابه:"كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر", والفرق يا حلبي شاسع جدا, فالأمة تكون خير امة إذا أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر, أي أمرت بما  انزل الله, ان لا تقتل ولا تسرق ولا تزني ولا تشرب الخمر ولا تكون جاسوسا ولا تعطي الولاء لأجنبي  مستعمر وان تساعد الفقراء والمساكين والأيتام, هذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تصبح الأمة  "خير امة".
ولو قرأت في مكان آخر في القران لفهمت الأمر أكثر ولما وقعت في مغالطة بهذا الحجم, حيث يقول الله عز  وجل:"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عن الله اتقاكم", هذا هو المقياس يا مرزوق ولا مقياس غيره لا امة خالدة ولا رسالة خالدة إلا ما تعمل وما تنتج من حياة وحضارة, وأنت تعرف جيدا من الذي أنتج حياة وحضارة في حياة هذه الأمة ومن الذي جعلها تستجدي وتداس تحت نعال الغزاة وتعيش على جوائز الترضية التي توزعها كوكاكولا. لكنك ما تلبث أن تكشف ما يخيفك, وكم أشكرك على صراحتك, حين تقول:"فإذا كانت التجربة القومية قد أضاعت منّا الماضي فإن ما نشهده اليوم من مشاريع وطروحات الإسلام السياسي مرشح ليُفقدنا حصتنا في المستقبل", المشكلة انك وعن  قصد تصمم على مسح التاريخ, ولو من باب الإنصاف, كما فعل بعض المستشرقون ولاعبو كرة القدم.
لقد أضاعت القومية بعض ماضينا الحديث بشكل خاص, ولكن ماذا نفهم كلامك بالخوف من أن تضيع في  المستقبل إذا لم يكن عداءا غير عاديا للإسلام, هذا الكلام يؤكده ما تصمت عنه عن قصد, ما لا تذكره, من  الذي وضع لك مكانا في الماضي, مكانا مشرقا, حضارة عظيمة, وإذا كنت تتحدث عن يورغان هيبرماس  والماركسيون الجدد ومدرسة فرانكفورت أليس من المنصف أن تتحدث عن حضارة عملاقة كبيرة أخرجت  أهم العلماء في تاريخ البشرية واهم حضارة على وجه الأرض منذ ان بعث ادم عليه السلام؟  وهي  ما  زالت مرشحة لذلك, أليس في هذا التغاضي شيئا من الكراهية التي تفك كل رموز مقالك.
سأنهي وأقول لك, الإسلام ليس طارئ في حياة الأمة, هناك أشياء طارئة كثيرة جربت وأنت تعرفها واختفت, القوميون الذين يقتربون من الإسلام (ليس تجارة طبعا) وإنما قناعة يعرفون جيدا انه بدون الإسلام  لا  يمكن  أن تبني مشروعا, نقطة سطر جديد.

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.72
USD
4.00
EUR
4.66
GBP
236703.65
BTC
0.51
CNY