الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 19:02

العام الجديد.. تطرفٌ وسلاح/ بقلم: سامح راشد

كل العرب
نُشر: 31/12/16 18:26,  حُتلن: 08:51

سامح راشد في مقاله:

شهد 2016 تعاظم ثلاثة ظواهر: أولاها، صعود الاتجاهات اليمينية بأفكارها العدائية تجاه الآخر، المنعزلة عنه ثقافياً على الأقل. وثانيها، اتساع نطاق استخدام القوة المسلحة في إدارة النزاعات والصراعات.

تأتي الظاهرة الثالثة، تحول الصراعات والمشكلات والقضايا على اختلاف مستوياتها، إلى ملفات مفتوحة ومتفجرة، من دون أفق واضح لا لحل جذري، ولا حتى لتسويات جزئية

ليس متوقعاً أن يتمكّن أي طرفٍ من تحقيق نصر حاسم في أيٍّ من النزاعات المسلحة

تراجعت أسهم اليسار، ومُنيت الأحزاب الاشتراكية بخسائر متتالية في الاستحقاقات الانتخابية

يبدو المشهد أن العالم يقف متفرجاً على معاناة شعوب ومدنيين يقتلون بواسطة الآلة العسكرية لنظام حكمٍ، أو لدول تسانده، أو لفصائل وتنظيمات مسلحة تفرض سيطرتها على الأرض، وتعتبر سكانها رهائن ودروعاً بشرية

على الرغم من عدم التوصل إلى حلول جذرية لمعظم الصراعات والقضايا المثارة عالمياً خلال عام 2016، إلا أنه حفل بأحداث وتطورات جوهرية. سواء فيما يتعلق بمآلات هذه الصراعات والقضايا مستقبلاً، أو بالنسبة للدلالات الفكرية والسياسية المرتبطة بتلك التطورات.


شهد 2016 تعاظم ثلاثة ظواهر: أولاها، صعود الاتجاهات اليمينية بأفكارها العدائية تجاه الآخر، المنعزلة عنه ثقافياً على الأقل. وثانيها، اتساع نطاق استخدام القوة المسلحة في إدارة النزاعات والصراعات. وترتيباً عليهما، تأتي الظاهرة الثالثة، تحول الصراعات والمشكلات والقضايا على اختلاف مستوياتها، إلى ملفات مفتوحة ومتفجرة، من دون أفق واضح لا لحل جذري، ولا حتى لتسويات جزئية.

ليست الظاهرتان، الأولى والثانية، جديدتين، فالتوجهات اليمينية، أو بالأحرى الراديكالية/ المتطرفة، مُتجذرة زمنياً لدى بعض الشعوب والمجتمعات. وكثيراً ما انعكس وجودها الاجتماعي والثقافي في اتجاهاتٍ سياسيةٍ، وصل أصحابها، في حالاتٍ متعدّدة، إلى سدة الحكم في مراحل زمنية مختلفة.

الجديد الذي حملته السنوات القليلة الماضية، وصولاً إلى 2016، هو الانتشار الأفقي لتلك التوجهات، أو ما يمكن تسميته "انتقال العدوى" اليمينية إلى عدد متزايد من المجتمعات، خصوصاً في نطاق العالم المتقدم. وصاحب ذلك تعمقٌ رأسي، أفضى إلى صعود تيار اليمين سياسياً، بفعل آليات الديمقراطية المعمول بها في الدول المتقدمة. وثمة ملاحظة مهمة في هذا الصدد، هي أن تحليلاتٍ كثيرة تعزو ذلك الصعود إلى محفزات تتعلق بتغيراتٍ في التركيبة المجتمعية، وصعوبات الاندماج الثقافي والاجتماعي بين مكوناتٍ ذات أصول وروافد متباينة دينياً حضارياً. إلا أن هذه الرؤية، على الرغم من وجاهتها، تعجز أحياناً عن تفسير وجود (وتنامي) التوجهات اليمينية التي تصل إلى حد العنصرية، في مجتمعاتٍ لا تعاني من تلك الاختلافات، أو مجازاً، التشوهات المجتمعية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، سويسرا والولايات المتحدة الأميركية. فالأولى تجسد حالةً من الاتساق والتماسك المجتمعي، مع قدر من التنوع. بينما تعدّ الثانية مثالاً على المجتمع التعدّدي الذي يضم مكونات اجتماعية متباينة، ويستوعب توجهات فكرية وسياسية متعارضة. بالتالي، يمكن فهم و"منطقة" ما حققه اليمين من نجاحاتٍ وانتشارٍ في دول ومجتمعاتٍ هي بتركيبتها الديمغرافية مهيأة لتلك النزعات الراديكالية. وفي المقابل، تراجعت أسهم اليسار، ومُنيت الأحزاب الاشتراكية بخسائر متتالية في الاستحقاقات الانتخابية. وهو ما تبلور بوضوح في 2016، ويتوقع استمراره وتعاظمه خلال 2017، والأمثلة عديدة، في النمسا وفرنسا وألمانيا وغيرها.

الظاهرة الثانية، انتشار استخدام القوة المسلحة واتساع نطاقه، فقد عادت لغة القوة إلى صدارة أدوات إدارة المشكلات والصراعات، بشكل تدريجي مع بدايات الألفية الثالثة. وكانت مقصورةً، في البداية، على حالاتٍ محدّدة، تتعلق بالقوى الكبرى في العالم. كما في غزو أفغانستان 2001 ثم العراق 2003، إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت استخدام أطراف مختلفة النمط والقوة القوة المسلحة، تشمل دولاً متوسطة، إضافة إلى فاعلين من غير الدول. بما في ذلك جماعات وتنظيمات وفصائل مختلفة الحجم والنوعية والأهداف. بعضها ذو طابع سياسي بالأساس، مع امتلاك ذراع مسلح، مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن. وبعضها ذو طابع محض عسكري، مثل بعض الفصائل المسلحة في سورية وليبيا. وقد تزايدت قوة أولئك الفاعلين من غير الدول، وتنامى دورهم، حتى صاروا رقماً أساسياً في معادلات المشكلات والصراعات الإقليمية. بل أدى وجودهم وطبيعتهم التي تعتمد على القوة المسلحة إلى اضطرار الدول للتعامل معهم بالمثل، واستخدام الأداة العسكرية.

الظاهرة الثالثة هي نتيجة منطقية لهذا الوضع، بأن تتحوّل النزاعات والمواجهات المسلحة في بؤر مختلفة من العالم، إلى ملفات مُعلقة، وبؤر مزمنة من الصراع المفتوح. ويُعزى ذلك إلى عوامل متداخلة، يتصل منها بالظاهرتين اللتين تعمقتا خلال 2016، أن موقف الدول الكبرى، خصوصاً في العالم الغربي، تأثر بالمد الراديكالي اليميني هناك، فعلى الرغم من الأضرار والسلبيات الكثيرة التي تعرّضت لها أوروبا بفعل تلك الصراعات، وخصوصاً تدفق اللاجئين بأعداد هائلة، إلا أن ذلك لم ينعكس، بعد، في السياسات الأوروبية والغربية عموماً تجاه تلك الصراعات.  بل إن تيارات يمينية صاعدة في الدول الأوروبية ترفع شعاراتٍ قومية وعنصرية، وتعلي الأفكار الإقصائية والهويات الضيقة على القيم الإنسانية العليا والمبادئ المشتركة التي يفترض أنها ركنٌ جوهريٌّ في تكوين العالم المتحضر وتقدمه.

لذا، يبدو المشهد أن العالم يقف متفرجاً على معاناة شعوب ومدنيين يقتلون بواسطة الآلة العسكرية لنظام حكمٍ، أو لدول تسانده، أو لفصائل وتنظيمات مسلحة تفرض سيطرتها على الأرض، وتعتبر سكانها رهائن ودروعاً بشرية. وليس أدل على ذلك من عدم حدوث أي تقدم فعلي في المسارات السياسية لمختلف القضايا والنزاعات المسلحة المتفجرّة في مناطق مختلفة، خصوصاً في الشرق الأوسط، فبعد فشل المحاولات السابقة لإيجاد حلول سياسية، لا جديد في أي مسار تفاوضي، أو مبادرات سياسية. وتحول الأمر إلى إعادة إنتاج لنسخ مكرّرة من صيغ سابقة، لم يكتب لها النجاح.

وفي ضوء التعقيدات المحيطة بعمليات التسليح، وصعوبات المواجهات بين قوات نظامية وأخرى غير نظامية، ليس متوقعاً أن يتمكّن أي طرفٍ من تحقيق نصر حاسم، أو تغيير موازين القوة في أيٍّ من النزاعات المسلحة الدائرة. وبالتالي، هي مرشّحة للاستمرار خلال العام الجديد، على الأقل. ويعزّز هذا التوقع تباين الحسابات السياسية للقوى الفاعلة، بما يجعل التوصل إلى حلولٍ سياسية جذرية، أو حتى مرحلية، ليس أولوية بالنسبة لمعظم تلك الأطراف.

* الكاتب: باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط.
* نقلًا عن العربي الجديد - لندن

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة