الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 14:01

أم الفحم السلام/ بقلم: د.يونتان مندل

كل العرب
نُشر: 03/11/16 14:25,  حُتلن: 16:21

د.يونتان مندل في مقاله:

المعادلة واضحة: أم الفحم تقترح على إسرائيل وقف التمييز، والتحول إلى مجتمع أكثر ديمقراطية، وتعزيز المساواة والحياة المشتركة بين اليهود والعرب

ربما يتخوَّف ليبرمان من أنَّ سكان أم الفحم أنفسهم يريدون الدفع نحو دولة أكثر ديمقراطية؟ ولكن أوليس هذا هو طموح جميع السكّان الفلسطينيّين مواطني دولة إسرائيل؟

هل "تعترف" الدولة اليهودية ذاتها بمواطنيها العرب الفلسطينيّين؟ إذا كان الجواب إيجابي، فلماذا أقيمت نحو 700 بلدة يهودية منذ العام 1948 ولم تقم ولو بلدة عربية جديدة واحدة؟!

ليبرمان ليس بعضو الكنيست الهامشي. إنه وزير أمن دولة إسرائيل، وقد مرَّ تلفظه هذا مرّ الكرام – فلم نشهد تظاهرات، ولا احتجاج، ولا استقالات – وظهر في أعقاب موجة من القوانين المعادية للعرب في الكنيست

"لا أفهم لماذا نحتاج لأم الفحم"، بهذه العبارات تفوّه في الأسبوع الماضي أفيغدور ليبرمان، ويستحضر في هذه المرة حلمه لطرد مواطني الدولة العرب خلال مقابلة أجراها مع صحيفة "القدس" الفلسطينية.

لو كان المتلفظ بهذه العبارات يعتبر شخصية هامشية، أو لو كانت عباراته هذه تتسبَّب بعاصفة، أو لو اعتبرناها نزوة متطرّفة ظهرت في سياق ديمقراطي ومتسامح، لما وجدنا سببًا لتناولها. ولكن ليبرمان ليس بعضو الكنيست الهامشي. إنه وزير أمن دولة إسرائيل، وقد مرَّ تلفظه هذا مرّ الكرام – فلم نشهد تظاهرات، ولا احتجاج، ولا استقالات – وظهر في أعقاب موجة من القوانين المعادية للعرب في الكنيست، وبعد قيام جمعية حقوق المواطن بتلخيص الدورة السابقة للكنيست بكلمات: "إنَّ التوجّه المعادي للديمقراطية ليس بالظاهرة الجديد، فهو يميِّز الكنيست على مدار السنوات الأخيرة، ولكن الظاهرة تفاقمت في السنة الأخيرة وخاصة خلال الدورة السابقة".
ولذلك، وقبل لحظات من ترجمة تصريح ليبرمان هذا إلى تشريع خلال الدورة الشتوية التي بدأت لتوها، فيما يلي بعض الأجوبة الممكنة لسؤاله "لماذا نحتاج لأم الفحم؟".
حسب ليبرمان فإنَّ "سكان أم الفحم يعتبرون أنفسهم فلسطينيّين"، وهذا السبب الذي يجعل إسرائيل لا تريدهم ولا تريد مدينتهم. ليس من الواضح إذا كان المقصود طرح معيار جديد للمواطنة في إسرائيل، ولكن إذا كان فعلاً هذا هو الأمر، حينها يمكن للكثيرين من المواطنين العرب الشعور بالإهانة لأنَّ ليبرمان لم يسحب مواطنتهم أيضًا. فلو تجوَّل ليبرمان في البلاد – في الناصرة، أو سخنين، أو يافا أو اللد – لكان سيلتقي بمواطنين لهم أقرباء فلسطينيّين يعيشون في الضفة الغربية أو غزة أو الأردن، أو في أوروبا، بينما هم أنفسهم – وهنا يفاجئوننا مفاجأة كبرى – حين يعرّفون أنفسهم فلسطينيّين مواطنين في إسرائيل. تشهد هويتهم الفلسطينية على موطنهم وثقافتهم وانتمائهم.

كما وأشار وزير الأمن أنَّ "سكان أم الفحم لا يعترفون بالدولة اليهودية" – وهذا سبب إضافي "لماذا لا نحتاج لأم الفحم". وكذلك في هذه الحالة، من غير الواضح لماذا يخصّهم تحديدًا دون غيرهم، وما الذي يعنيه أصلاً أنهم "لا يعترفون" بيهودية الدولة؟ فقد بات من المعروف أن إسرائيل تعرِّف نفسها كدولة يهودية وديمقراطية، وفي الوقت نفسه تعتمد التمييز ضد السكان العرب لكونهم عربًا. لقد تمّت دراسة هذا الموضوع كثيرًا، ونشرت العديد من التقارير والمقالات بشأنه، وبات حقيقة رسمية بين دفتي تقرير لجنة أور – لجنة التحقيق الرسمية في احتجاجات أكتوبر 2000.
ربما يتخوَّف ليبرمان من أنَّ سكان أم الفحم أنفسهم يريدون الدفع نحو دولة أكثر ديمقراطية؟ ولكن أوليس هذا هو طموح جميع السكّان الفلسطينيّين مواطني دولة إسرائيل؟ تعالوا ربما نسحب مواطنة قاضي المحكمة العليا سليم جبران، مثلاً، الذي يتجرأ على عدم تكرار عبارة "نفس يهودية توَّاقة"؟! إذ يمكن الاستنتاج من هذا أنه "لا يعترف" بالنشيد القومي للدولة اليهودية. ولكن، من جهة أخرى، هل "تعترف" الدولة اليهودية ذاتها بمواطنيها العرب الفلسطينيّين؟ إذا كان الجواب إيجابي، فلماذا أقيمت نحو 700 بلدة يهودية منذ العام 1948 ولم تقم ولو بلدة عربية جديدة واحدة؟! ولماذا قال يوسي كوتشيك، المدير العام السابق لديوان رئيس الحكومة، إن "دولة إسرائيل تعتمد سياسة تمييز عنصرية إزاء المواطنين العرب تنعكس في جميع مجالات الحياة"؟ تعالوا ربما نسحب مواطنته هو أيضًا؟!

لنا أن نتوقّع أن تبدأ جميع حصّص المدنيات في المدارس في دولة سليمة بتصريح وزير الأمن، كنموذج لمشروع غير ديمقراطي وينتهك القانون، وينبع من عدم فهم بشأن ماهية المواطنة وماهية الديمقراطية، وما هو دور النظام الديمقراطي على صعيد حقوق الأقليات. كان يتعيّن على المعلمين في المدارس العبرية إطلاع الطلاب على مثل هذه التصريحات، لا بسبب خطورتها فحسب، وإنما كرسالة تضامن مع المعلمين والطلاب في أم الفحم مواطني دولتهم، لا سيما أنَّ الحياة لم تتوقّف في اليوم التالي لتساؤل ليبرمان "لماذا نحتاج إلى أم الفحم". فقد دخل في اليوم التالي آلاف الطلاب إلى مدارس أم الفحم، ونقلت الأمهات أطفالهن إلى رياض الأطفال في المدينة، وفحصت المعلمة الحضور والغياب، وخرجت الطبيبة إلى عيادتها، وتساءل المهندس، للمرة الألف، لماذا لا توجد خارطة هيكلية لمدينته. هؤلاء جميعًا هم مواطنون في إسرائيل، وإنْ كانوا يشعرون دومًا أنَّ الدولة تبصق عليهم، فإنهم شعروا بصورة أكبر بعد يوم واحد من تصريح ليبرمان - خاصة في ظل الهدوء العام السائد –بمدى حرقة هذا البصاق.
يوم الاثنين الماضي، كان النائب د. يوسف جبارين من بين الـ120 نائبا الذين افتتحوا الدورة الشتوية للكنيست. من المؤكد أنَّ ليبرمان لن يسرّ لسماع خبر مفاده أنَّ جبارين قد أدار يومًا قبل ذلك نقاشًا في مدينة أم الفحم حول قضية تيسير وإتاحة التعليم الجامعي أمام المواطنين العرب، وهو مشروع مشترك لمعهد فان لير ومجلس التعليم العالي، يهدف إلى تحقيق مساواة أكبر في الجامعات، وتشجيع الاحترام المتبادل بين السكان اليهود والعرب. ومن المؤكد أن وزير الأمن لا يتحمّس لحقيقة أن النائب جبارين بالذات، الذي يمثّل مع رفاقه في القائمة المشتركة الفلسطينيّين في إسرائيل، هو رئيس اللوبي البرلماني للعيش المشترك بين اليهود والعرب.
المعادلة واضحة: أم الفحم تقترح على إسرائيل وقف التمييز، والتحول إلى مجتمع أكثر ديمقراطية، وتعزيز المساواة والحياة المشتركة بين اليهود والعرب. أما ليبرمان فيقترح دولة بدون أم الفحم. ألان أصبح أكثر جليًا لماذا نحتاج لأم الفحم.

 د. يونتان مندل هو رئيس مركز العلاقات اليهودية العربية في معهد فان لير في القدس وزميل بحث في منتدى التفكير الإقليمي

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة