الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 21:01

رئيس الجمهوريّة وبائع السمك المطحون/ بقلم: حازم صاغية

كل العرب
نُشر: 01/11/16 08:25,  حُتلن: 08:27

حازم صاغية في مقاله:

الصفحة التي فتحها البوعزيزي بجسده أغلقها فكري بجسده أيضًا، وهو الإغلاق الذي تكرّسه تحوّلات مؤسّساتيّة يراد لها تأبيد تلك الخلاصات المُرّة، على ما نشهد في لبنان

شيء واحد قد يوفّر بعض العزاء، هو أنّ المجتمع المغربيّ ربّما كان من أكثر المجتمعات العربيّة ديناميّة والدولة المغربيّة ربّما كانت من أكثر الدول العربيّة قدرة على الاستجابة لما يحصل في المجتمع والتفاعل معه

يوم أمس اختصرت الرقعةَ العربيّة صورتان: في المغرب طحنت شاحنة للنفايات، في منطقة الريف الأمازيغيّة شمال البلاد، جثّة شابّ اسمه محسن فكري وعمره 29 سنة. السلطات صادرت أسماكه التي يعتاش من بيعها ثمّ باشرت إحدى شاحناتها للنفايات طحنها، لكنّ محسن فكري لحق بأسماكه محاولًا إنقاذها فطحنته الشاحنة هو أيضًا.

أمّا الصورة الأخرى، ففي لبنان، حيث انعقدت جلسة انتخاب ميشال عون رئيسًا جديدًا للجمهوريّة.

العلاقة بين الحدثين والصورتين إنّما تصنعها هزيمة الثورات العربيّة وظفر الثورات المضادّة. فالانتخابات اللبنانيّة لا تعدو كونها ثمرة من ثمار الهزيمة والظفر المذكورين، وكذلك طحن محسن فكري الذي يدمي القلب بقدر ما يصفع الوجه ويتحدّى العقل والكرامة الإنسانيّة.

لنتذكّر فقط أنّ الشرارة التي أطلقت الثورات العربيّة كانت إضرام شابّ تونسيّ اسمه محمّد البوعزيزي النار في نفسه يوم 17 كانون الأوّل (ديسمبر) 2010، أمام مقرّ ولاية سيدي بوزيد، احتجاجًا على مصادرة السلطات البلديّة في تلك المدينة عربة كان يبيع عليها الخضار والفاكهة كسبًا لرزقه ورزق عائلته.

ولأنّ هذه الشرارة أطفئت جزئيًّا، كما انطفأت جزئيًّا، بات ممكنًا أن تحلّ عليه وعلينا مأساة محسن فكري الرهيبة، وأن يُنتخب ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة. فالصفحة التي فتحها البوعزيزي بجسده أغلقها فكري بجسده أيضًا، وهو الإغلاق الذي تكرّسه تحوّلات مؤسّساتيّة يراد لها تأبيد تلك الخلاصات المُرّة، على ما نشهد في لبنان.
شيء واحد قد يوفّر بعض العزاء، هو أنّ المجتمع المغربيّ ربّما كان من أكثر المجتمعات العربيّة ديناميّة، والدولة المغربيّة ربّما كانت (والعتبة، هنا، منخفضة دائمًا) من أكثر الدول العربيّة قدرة على الاستجابة لما يحصل في المجتمع والتفاعل معه. وربّما رتّب اشتغال هذين العاملين معًا شيئًا من التصحيح يطاول المسألة الاجتماعيّة والحقوق السياسيّة. هذا التعويل، الضعيف والبالغ النسبيّة، هو ما يمكن أن يبلغه سقف الأمل اليوم في هذه الرقعة العربيّة الغارقة بدمها وذلّها، وبزواج معقود بين قسوتها وتخلّفها، تضحياتها وتفاهاتها، برمها بحاضرها وانسداد المستقبل في وجهها.

نقلا عن الحياة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة