الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 03:02

أكراد سوريّة بين دولنا وثوراتنا/ بقلم: حازم صاغية

كل العرب
نُشر: 27/08/16 08:11,  حُتلن: 08:12

حازم صاغية في مقاله:

مطالبة الأكراد بالانخراط في ثورة مدعومة من تركيّا تشبه مطالبة العرب بالانخراط في ثورة مدعومة من إسرائيل

الأكراد السوريّون مارسوا الشذوذ، بما انطوى عليه من سينيكيّة وانتهازيّة لعلمهم أنّ ذاك التصوّر مؤمثل لا يتّسع له الواقع فهم كانوا أسبق من سواهم إلمامًا بأنّ انفراط الدولة في سوريّة سينتج انفراطًا للمجتمع

لا تكون الدول القوميّة في منطقتنا ذاتَها كما تكون حين تضطهد الأكراد. ولا يشعر الأكراد بالانسجام مع كرديّتهم كما يفعلون حين ينتفضون على تلك الدول. لهذا خيّم شيء من اللامعقول على فترات الهدنة التي كانت تنشأ بين الطرفين. هكذا، ومثلًا لا حصرًا، بدا غريبًا وضع العراق في السنتين اللتين أعقبتا انقلاب 14 تمّوز (يوليو) 1958، أو في السنة التي أعقبت اتّفاقيّة 11 آذار (مارس) 1970. فذاك البلد، كما نعرفه، من مواصفاته العميقة العدوان على الأكراد، قبل أن يغدو المسرح المفتوح للتذابح السنّيّ – الشيعيّ.

أمّا في سوريّة، فذهب الأمر أبعد في الغرابة، إذ حلّ تعاون مداور، وأحيانًا صريح، بين الأكراد والسلطة الأسديّة التي استكثرت لعقود منحهم الجنسيّة. وهو تعاون لم يتوقّف إلاّ مؤخّرًا، معلنًا في توقّفه أنّ القاعدة قاعدة والاستثناء استثناء.

والحال أنّه كان شذوذًا من الطرفين يعاكس تمام المعاكسة تصوّرنا المؤمثل عن ثورة ينضوي فيها الشعب، كلّ الشعب، وعن نظام يقمع الشعب، كلّ الشعب.

بيد أنّ الأكراد السوريّين مارسوا الشذوذ، بما انطوى عليه من سينيكيّة وانتهازيّة، لعلمهم أنّ ذاك التصوّر مؤمثل لا يتّسع له الواقع. فهم كانوا أسبق من سواهم إلمامًا بأنّ انفراط الدولة في سوريّة سينتج انفراطًا للمجتمع، لا لأنّ هذه الدولة مصدر لاجتماع سويّ، بل لأنّها مصدر لاجتماع مُصادَر وممنوع. وهم استنتجوا أنّ عليهم، ما دامت الأمور هكذا، أن يقتنصوا فرصتهم ويغادروا بيت الطاعة. ويغلب الظنّ، تبعًا لهذا التصوّر، أنّهم استخدموا السينيكيّة والانتهازيّة كما تُستخدم التكتيكات في خدمة استراتيجيّة ما، فيما الهدف الاستراتيجيّ بلوغ ما يتراوح بين الفيدراليّة والاستقلال.

وما من شكّ في أنّ النظام الأسديّ، البارع في الشرّ، برع في اغتياله مشعل تمّو، رئيس «حزب المستقبل الكرديّ»، بعد أشهر على اندلاع الثورة. ذاك أنّ اغتياله أضعف المراهنين على ثورة سوريّة ينضوي فيها السوريّون جميعًا. إلاّ أنّ المشكّكين بإمكانيّة كهذه، قبل مصرع تمّو وبعده، سريعًا ما وجدوا بحرًا من البراهين تبدأ بانتفاضة حماة في 1982 التي لم يهبّ باقي السوريّين لإنجادها، ولا تنتهي بانتفاضة القامشلي في 2004 حين تُرك الأكراد وحدهم. وضدًّا على المتفائلين، المتناقصي العدد، بطاقة توحيديّة تمتلكها الثورة، يستطيع الأكراد أن يستشهدوا بأحوال حلب، حيث ترافق الغزو والحصار الأسديّان مع انقشاع المدينة على هيئة مدينتين متضاربتين.

وللمدقّق في اليأس الكرديّ من إفضاء الأمور إلى حلّ وطنيّ يتجاوز الطوائف والإثنيّات والمناطق، يحضر الدور التركيّ الموصوف بدعم الثورة. ذاك أنّ مطالبة الأكراد بالانخراط في ثورة مدعومة من تركيّا تشبه مطالبة العرب بالانخراط في ثورة مدعومة من إسرائيل. ونفورٌ كهذا إنّما تعزّزه وقائع لا تخطئها العين: فأنقرة، كما بات معروفًا، غيّرت وتغيّر مواقفها من كلّ اللاعبين، بمن فيهم الأسد و «داعش»، فيما هي ثابتة على موقفها من الأكراد.

كذلك لم تستطع قوى الثورة، من خلال ممثّليها المختلفين، أن تقول كلامًا حاسمًا ونهائيًّا حول الجمهوريّة التي يراد بناؤها، وأنّها ستكون «سوريّة» فحسب، من دون أيّة زائدة «عربيّة». ولا قيل، في المقابل، الكلام الحاسم والنهائيّ في حقّ الأكراد بتقرير مصيرهم. ثمّ إنّ القائل المفترض غير موجود أصلًا بفعل تعدّد القوى والمراكز، سيّما أنّ أقواها على الأرض إسلاميّة وسلفيّة يصعب أن يجمعها بالأكراد قاسم مشترك أو تصوّر موحّد للعالم وللمستقبل.

صحيح أنّ أكبر ثورات العالم، بما فيها الفرنسيّة والروسيّة، تقاطعت مع حروب أهليّة وحروب وتدخّلات خارجيّة. لكنّ المؤلم في سوريّة أنّ تلك الحروب والتدخّلات ابتلعت الثورة على نحو يترك الأكراد أمام خيار مُرّ: هل يكونون «العاشق الوحيد» الذي يراهن على ثورة جامعة في المثال، مفتّتة في الواقع، أم يفكّرون بنجاتهم بعدما تعذّرت نجاة باقي السوريّين؟

وقد يقال إنّ أكراد سوريّة لا يملكون المواصفات التي يملكها أكراد العراق وتركيّا، وهذا صحيح تبدّت صحّته مؤخّرًا في الانسحاب إلى شرق الفرات، وفي اتّضاح أنّ الحليف الأميركيّ لا يضحّي بالوزن التركيّ كرمى للوزن الكرديّ. وهذا ما سوف يطيل المسافة التي سيضطرّ الأكراد إلى عبورها وسط صحراء من الألم. لكنّها الخطى التي كُتبت على الأكراد والتي سيضطرّون إلى مشيها، مرّة بعد مرّة، إلى أن يصلوا.

نقلا عن الحياة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة