الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 16 / مايو 14:01

حبٌ شعاره التضحية - بقلم: فؤاد خوري


نُشر: 23/07/08 10:54

  إنّها الآن، ومع كلِّ صعوبات الحياة التي تواجهها، فالفقر الذي خيَّم على حياتها وحياة عائلتها كلَّ هذا الوقت، وهي، الابنة الثانية الكبرى بين البنات، عدا ولدين ما زالا صغيرين، إلاّ أنّها ظلّت متفائلة أنَّ الحلم يومًا سيغدو واقعًا، وستنال ما تمنّته يومًا.
  آمال، التي رأت من تجربة أختها الكبيرة، شيئًا لا يُوحي إلاّ بالعذاب والألم، فبعد أن تزوجت سوزان، البنت الكبرى، الشاب الذي حلمت به دائمًا، فهي، وبسبب الفقر الشديد الذي عاشته، أرادت أن تتحرّر منه وتعيش حياة رغيدة، فتزوجت بمالك، كان مالك رجلاً ثريًا، لكنّه أهدر ثروته على أمور لا طائل تحتها، فلم تحتمل سوزان حياة الشقاء معه، أن تصبح مجّرد سلعةٍ رخيصةٍ يستعملها عند الحاجة، والحب الذي كنتّه له أضحى ألمًا، ومصيرها الآن في بيت أهلها بعد أن انفصلت عنه.
  لطالما تفاءلت آمال  وتمنّـ أن يتقدم لطلب يدها الرجل الذي تحب، بِغّض النظر إن كان ثريًا أم لا، معدن الشخص في نظرها هو الأهّم، والمال مظهرٌ ثانوي، لا يشكّل عاملاً أساسيًا عند الزواج، على هذا الأساس كانت تبني آمال مبادئها.
  أمّا والدها، فقد نظر إلى الموضوع من وجهة نظرٍ مغايرة، كلُّ ما كان يشغل بال رفيق، والد آمال، أن يُؤمّن مستقبل ابنته مع رجلٍ مُقتدر، يحميها من غدر الزمن والأيام، فلا يريد أن يتكرر ما حصل معه، مع بناته، وقد وافقته زوجته الرأي في ذلك.
  كان رفيق الوالد يملك دكان خضراوات في مركز القرية، وكان إنسانًا معروفًا بِحُسن سيرته بين الناس، وحرصًا منه على أن يُزوج ابنته من رجلٍ ميسورا لحال، كان له معرفة برجل يتردد على دكانه لشراء الخضار، رأى به شخصًا ميسورًا يُناسب ابنته زوجًا.
وفي احد الأيام، فاتحه رفيق بالموضوع ، في البدء تعجّب الرجل من طلبه هذا، لكنّه قلّب الموضوع على كل جوانبه، ورأى أنّه الآن في سنٍ ملائمٍ أن يتزوج، كان عادل يعمل في شركة استيراد، وكان مرتاحًا ماديًا، وافق عادل على الفكرة، لكنّه طلب أن يتعرف على الفتاة، فدعاه رفيق يومًا لزيارته في البيت، وحينها يراها ويتعرّف عليها عن كثب.
آمال لم تكن تدري عمّا كان يخطط له والدها، وإذ بها تُفاجَأ في أحد الأيام بزيارة عادل لهم، الرجل الذي دعاه والدها، علّه يكون عريس المستقبل، رآها عادل، ولكنّه لم يدخل إلى قلبها ولم يحرّك في ه مكامن المشاعر ، أمّا هو فأبدى إعجابًا حين رآها، وتمنّاها زوجةً له، والآن ماذا ستقول لوالدها، أتقول له "لم يعجبني ولا أرغب بالارتباط  به"، أتخبره أنّها تعرف شابًا آخر يعمل نادلاً في أحد المطاعم، راودتها في تلك اللحظة أفكارٌ عديدة، وخوفُ رهيب ممّا ستقول لوالدها، حتمًا سيُرغمها على الزواج به، لا سيّما أنّه ميسور الحال، وإن لم تكن تبادله الحب، الحب سيُولد مع الأيام، المهم أنّه غنّيٌ ويستطيع بأمواله إسعادها، لكنَّ آمال لم تفكر قطّ كما أبيها، فالحب، هذا الشعور النبيل، هو الذي يجب أن يكون الأساس لأيّة علاقة زواج، لا الأموال التي من الممكن أن تتبدّل مع الأيام.
لم تكن آمال لتتجرّأ على إخبار والدها بالموضوع، فأعلمت أمّها به، ربّما ستتفهمها، وهي بطريقتها ستُعلم أباها بما يجول في خاطرها، فآمال كانت تحب وليد، الشاب الذي يعمل في مطعم، إنّه فقير مثلها، يعيش مع والدته وإخوته الصغار في بيتٍ صغير يكاد لا يسعهم، وهو كذلك أحبها، شعرت آمال أنّهم سيسعدان سويةً، وإن كان الآن فقيرًا فمن يدري، ربّما تتحسن ظروفه، كيف ستطرح الموضوع على والدها، إنْ هي أخبرته، أسيقبل بما تقول  أنّها ترفض الثراء والمال لمجّرد هذا الشعور، لمجّرد الحب، الذي كان في نظر والدها شعورًا يتبدّل، ويومًا سينقلب عليها، وحينها إن كان باستطاعة الحب أن يُسعدها، فليَفعل إن استطاع....
حصل ما كانت تودُّ آمال أن يحدث، فبعد محاولات إقناع عديدة، استطاعت والدتها أن تُقنع أباها فتعامل مع الأمر بلين، كلُّ ما ابتغاه، بلاءً حسنًا لابنته، ولكن اتضّح له أنّها لا ترغب بعادل، وإنّه لن يُرغمها على فعل ما لا ترغب، فهو لم يتصرف يومًا على هذا النحو، ولن يُغير عاداته.
فرحت آمال، خاصةً أنَّ عبئًا كبيرًا زال عن عاتقها، لكنَّ والدها قد طلب منها بأن يأتي وليد وعائلته لطلب يدها، إن هي تريده، فلتُتح الفرصة لأن يتعرف أهلها عليه.
وتحدثت آمال مع وليد بالموضوع، ومع كلِّ البؤس والعوز الذي يعيشه وليد ، إلاّ أنَّ آمال أحبته، وهو أيضًا، دائمًا رسمت في خيالها مستقبلا مزركشا وملّونًا.
حاول وليد كثيرًا أن يجد مهنةً أفضل من أن يكون نادلاً، لكنَّ جميع محاولاته باءت بالفشل، إنّه الآن يدخّر كل قرشٍ ليستطيع وفي المستقبل القريب أن يُقدم على خطوة الزواج.
أخبرت آمال وليد بأن يأتي هو وأمه لطلب يدها، وهذا ما حصل، لكن ما حدث لم تكن تتوقعه آمال مطلقًا، فقد طلب والد آمال طلبًا وحيدًا من وليد، أن يُؤمّن بيتًا، هذا كان مطلبه الوحيد، وإن لم يُؤمّن البيت، فليسَ عندهم له نصيب، ووليد، ومع كلِّ النقود التي ادخّرها حتى الآن، فهي لا تكفي لتحقيق مثل هذا المطلب، ماذا يفعل الآن، ومن جهةٍ أخرى لا يستطيع أن يبتعد عن آمال، فهو يحبّها.
في أحد الأيام، بينما كان يفكر وليد كيف سيُؤمّن بيتًا ليظلَّ مع منى قلبه، وإذ به يسمع في المذياع أنَّ هنالك من هو بحاجة لشخص يستطيع أن يتبرع بكليةٍ لشخصٍ مريض، ومن سيتبرع سيكون له نصيب وافر من الأموال، لاقت الفكرة من وليد استحسانًا، وقررّ أن يتبرع، إنّه بحاجة لكل قرش، فمهما ادخّر من المال الذي يجمعه من عمله،فلن يستطيع تأمين البيت، خاصةً أنَّ أهل آمال أعطوه مهلةً ليست بطويلة ليُؤمّن فيها البيت.
اتصّل وليد بالذين وضعوا الإعلان، وذهب إلى المستشفى، وقابلَ المريض وأهله، وخضع لفحوصات بعد أن اخبروه المُشرفين هناك، أنَّ قرار التبرع هذا يجب أن يكون نابعًا عن قناعة تامة، لأنَّ الذي سيتبرع بكلية سيعيش طوال حياته بكلية واحدة، وافق وليد على كلِّ ما تقدّم من اجل أن يُؤمّن النقود لشراء بيت، لحسن الحظ كان وليد الوحيد من بين متبرعين كُثر لم تتلاءم الفحوصات التي أجروها مع حالة المريض الذي يحتاج الكلية.
نجحت العملية وتحقق ما حلُم به وليد، بعد ما أخبر وليد المريض وأهله أنّه لولا الفقر والعوز الشديد لكان سيتبرع دون مقابل، لكنَّ الظروف هي التي دفعته إلى ذلك.
أمّن وليد البيت، وعاش مع آمال فيه، وأنجبت آمال طفلاً في غاية الجمال والبهاء، وتحسنت حالتهم المادية كثيرًا، وسُعد أهل آمال بأنَّ ابنتهم تنعم بالسعادة مع زوجها، مع أنَّ آمال حزنت عندما علمت أنَّ كلَّ هذا الثراء الفاحش الذي هي تلمسه وتتنعم به، ما هو إلاّ نتيجة فقدان كلية من جسد حبيبها.
فبقيا في النهاية قلبين، الحب الذي جمعهما، هو من جعله يُضحي بأجلها، وهي، وإن ضاقت بهم الأيام لن تتوانى عن تقديم أغلى ما لديها! إكرامًا لهذا الحب.

مقالات متعلقة