الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 17:01

حماس وعقدة التفاوض المباشر مع الاحتلال/ بقلم: ماجد الزبدة

كل العرب
نُشر: 03/03/16 08:31,  حُتلن: 08:33

ماجد الزبدة في مقاله:

قبول حماس لمبدأ التفاوض المباشر مع الاحتلال يُشكّل هاجسا مرعبًا لحركة فتح التي تخشى خسارة إيرادات غزة المالية

بعد عشر سنوات من فوزها الكاسح في الانتخابات باتت غير قادرة على توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة لمليوني فلسطيني محاصَرين في غزة

عشر سنوات مضت على فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية أخفقت الحركة خلالها -رغم تمتعها بثقل سياسي كبير في المجتمع الفلسطيني-في إيجاد موطئ قدم راسخ لها على الساحة السياسية الإقليمية والدولية، وبقيت أسيرة المبادئ والمُثُل التي التزمت بها عند انطلاقها كحركة مقاومة قبل تسعة وعشرين عاما.

الإنجاز الأبرز الذي حققته حماس خلال السنوات الماضية كان إجبار دولة الاحتلال على الانسحاب من غزة، ومضاعفة تكلفة اعتداءاتها المتواصلة على غزة بحيث أضحى جيش الاحتلال يفكر مليًّا قبل الإقدام على خطوة من شأنها أن تستثير غزة ومقاومتها، لكن المتابع لتجربة حماس السياسية يجد أنها وبعد عشر سنوات من فوزها الكاسح في الانتخابات باتت غير قادرة -بغض النظر عن المُسبّبات-على توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة لمليوني فلسطيني محاصَرين في غزة عِوَضًا عن تحقيق إنجازات سياسية ذات أثر واضح في الواقع الفلسطيني.

اتبعت حماس خلال السنوات الماضية خطابًا اعلاميا اتّسم بتحدي الاحتلال ورفض حواره إلا عبر فوهة البندقية، وأكدت العديد من تصريحات قادتها وناطقيها رفض إجرائها أية مفاوضات مباشرة مع الاحتلال، مدفوعة بالفشل الذريع الذي لحق بحركة فتح وعجزها عن تحقيق إنجازات سياسية كبيرة أو بناء الدولة الفلسطينية المنشودة طيلة اثنين وعشرين عاما من تفاوضها المباشر مع الاحتلال، كما أن نبرة التحدي التي تطلقها حماس تجاه دولة الاحتلال تجد صداها لدى الشارع الفلسطيني الذي يؤيد في غالبيه المقاومة الفلسطينية، لكنها بكل تأكيد تُضعِف من قدرة حماس على المناورة سياسيًا، وتحول دون اختراقها للمنظومة السياسية الدولية، فالنظام السياسي الدولي لا يقبل التعاطي مع حركة سياسية ترفض مبدأ التفاوض الذي أضحى الوسيلة الأكثر رواجًا في العمل الدبلوماسي الدولي.

واقع الحال في غزة أثبت حاجة حماس إلى فتح قنوات اتصال مباشرة مع الاحتلال إما بهدف رفع الحصار عن غزة أو تحريك ملف الأسرى في سجون الاحتلال، فالتفاوض المباشر مع الاحتلال لا يعني بالضرورة تنازلًا عن حقوق الفلسطينيين المشروعة أو تخليًا عن المقاومة، كما أن إحجام حماس عن سياسة التفاوض المباشر مع الاحتلال يُقَدّم خدمة دون مقابل لوسطاء إقليميين لطالما حرصوا على التدخل في شئون الفلسطينيين الداخلية واعتبارهم قضيتهم فزّاعة يُشهِرونها في وجه النظام الدولي لتحقيق مآرب وأهداف لا علاقة لها بتحسين أوضاع الفلسطينيين السياسية والاجتماعية، كما أن إيصاد حماس لباب التفاوض المباشر مع الاحتلال هو هدية مجانية لوسطاء سياسيين يبحثون عن موطئ قدم لهم داخل الساحة الفلسطينية، ووسطاء آخرين جلّ أمانيهم تحقيق إنجازات شخصية، وما جولات التفاوض الأخيرة التي قادها المبعوث السابق للجنة الرباعية الدولية توني بلير مع حماس عنا ببعيد.

ورغم أن حماس نجحت في الماضي بتحقيق إنجازات ملموسة من خلال التفاوض غير المباشر مع الاحتلال إبّان صفقة تبادل الأسرى وخلال حروبه المتكررة على غزة، إلا أن عدم حيادية بعض الوسطاء كان عقبة كبرى في وجه حماس، فقد أثيرت شكوك -على سبيل المثال- حول دور الوسيط المصري في إطالة أمد عدوان الاحتلال على غزة مطلع يوليو 2014م، كما أن عدم رغبة حماس في إيجاد قنوات اتصال مباشر مع الاحتلال فاقم من مشكلات غزة الانسانية، وأضاف رصيدًا مهمًا لحركة فتح التي استطاعت من خلال احتكارها لتلك السياسة مع الاحتلال التضييق على حماس، فالعديد من الشواهد أشارت إلى مشاركة قادتها بشكل فاعل في حصار غزة ومنع وصول الاحتياجات الاغاثية لأهلها، وهنا أذكر على سبيل المثال تصريح وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعلون قبل أيام حول رفض رئيس السلطة محمود عباس مقترحًا إسرائيليا بنقل النفط من إحدى دول الخليج عبر ميناء أسدود إلى غزة مباشرة بسبب عدم تحصيل السلطة لضرائب ورسوم هذا النفط المجاني، وهو الخبر الذي لم تقم رئاسة السلطة الفلسطينية بنفيه أو التعقيب عليه.

لا شك بأن قبول حماس لمبدأ التفاوض المباشر مع الاحتلال يُشكّل هاجسا مرعبًا لحركة فتح التي تخشى خسارة إيرادات غزة المالية التي جاوزت نسبتها 50% من موازنة السلطة الفلسطينية لعام 2014م بحسب تقرير صادر عن المجلس التشريعي الفلسطيني، وفي ذات الوقت فإن اتخاذ حماس لمثل هذا القرار قد يفاجئ الكثير من أنصارها وعناصرها الذي تربوا على أدبيات المقاومة والتحرير عبر وسيلة وحيدة ألا وهي فُوّهة البندقية، وفي المقابل فإن انعدام مقومات الصمود في غزة، وفشل البرنامج السياسي الذي قادته حركة فتح في الضفة، إضافة إلى انعدام الرؤية الاستراتيجية الجامعة للكل الفلسطيني، يتطلب من حماس بوصفها قيادة المقاومة الفلسطينية أن تمتلك القدرة على المناورة السياسية، والأخذ بزمام المبادرة وطرح رؤية سياسية استراتيجية تتّسم بالمرونة مع الأخذ بعين الاعتبار كافة الوسائل والأساليب السياسية والدبلوماسية التي تكفل لها تحقيق الحلم الفلسطيني المنشود بتحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية.

إعلامي فلسطيني

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة