الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 00:02

التحرّش- قضيّة حاضرة غائبة/ بقلم: يوسف شدّاد

كل العرب
نُشر: 25/02/16 11:08,  حُتلن: 16:03

يوسف شدّاد – محرّر موقع العرب في مقاله:

الفضائح الجنسية في إسرائيل أسقطت أيقونات حكومية وإعلامية وأمنية وتربوية وفنية

قد تفغر فاك دهشة من الجرأة التي تتحلى بها المشتكيات اليهوديات وخروجهن علنا للإعلام وهو نتاج تراكمي لتمييز في صالح المرأة

قضايا التحرشات الجنسية أصبحت العنوان الأول في نشرات الاخبار الاسرائيلية وأزالت السياسة والصراعات والأمن من المنصة الرئيسية

لا ننسى تعاظم قوّة الفيسبوك الذي أصبح بالنسبة للمرأة اليهودية منبرًا تحارب من خلاله التحرشات الجنسية مستغلة لصالحها الجدل حول الابعاد القانونية للنشر في شبكات التواصل الاجتماعية

مجتمعنا العربي يلتزم بالفكر الخائف المرتعش والذي سيبقي جرح المرأة العربية الضحية مفتوحا جيلا بعد جيل وستبقى هي أوّل وآخر من يدفع ثمن غياب الموقف الجاد والعميق في ابرز القضايا الاجتماعية الغائبة

قد تفغر فاك دهشة مما ينشر تقريبا بشكل يومي في الاعلام العبري من فضائح جنسية أسقطت الكثير من أيقونات الحكومة والإعلام وسلك الشرطة والتربية والتعليم والفن، فلا يمر يوم بدون خبر عن فضيحة تحرش جنسي يكون بطلها المشتبه احد رموز المجتمع الاسرائيلي من مختلف المجالات. الأغرب من ذلك تلك الجرأة التي تتحلى بها المشتكيات، بداية بالكشف عن حادثة التحرش وتفاصيلها ونهاية بخروجها إلى الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وهي حالة من تراكم الوعي أفرزها التمييز مع المرأة.

لقد احتلت أخبار التحرشات الجنسية في اسرائيل عناوين الصحافة صباحًا ومساءً، وأصبحت تفاصيلها كالسمن والعسل بالنسبة للمراسلين الذين "بحشوا" في تاريخ المشتبهين، وأحضروا شهود عيان على واقع العلاقات بين المشتكية والمشتبه، ومرروا المعلومات بأسلوب دراماتيكي مزلزل ساهم في تعاطف الرأي العام مع المشتكية في كل مكان، بعد أن تحولت هذه القصص إلى حديث المدينة في الشارع والمقاهي والعمل والفيسبوك والتويتر وغيرها، ما أدّى إلى حالة من التعبئة غير المباشرة في صف المرأة لتكسر صمتها وتواجه مجتمعها ومن اعتدى عليها حتى لو مرت سنوات طويلة على بعض حوادث التحرش المنشورة.

لقد استوقفني هذا الحراك في المجتمع الإسرائيلي لأكتب هذه الكلمات ، ومجتمعنا العربي يصرخ في مناسبات عديدة مطالبا المرأة الضحية بالبوح بسرها، والتحلي بالجرأة ومعالجة نفسها ومعاقبة من مزق كرامتها وداس عليها بقدميه ومضى، وكيف أنّ تلك الحالات المنشورة يوميا في الصحافة العبرية لها توأم في المجتمع العربي، ولكن الفرق الوحيد يتمثل بالفجوات والهوة الهائلة بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي الذي رفع شعار التمييز مع المرأة، بينما ما زال مجتمعنا غارقا حتى أذنيه في التمييز ضد المرأة وتحجيمها، رغم المحاولات الشجاعة الناجحة في جعلها في مراكز القيادة بفعل جهود جبارة لجمعيات نسائية وعقول نيرة منفتحة في المجتمع الذكوري.

لا أريد الخوض هنا بالعوامل الأساسيّة التي تصغّر من مكانة المرأة العربية مقابل مكانة المرأة اليهودية، وأولها التمييز التاريخي ضد العرب اضافة الى عوامل مهمة كالمشاركة في القوة الاقتصادية والعاملة والتعليم ونظام العائلة العربية، لأنّ ذلك يحتاج إلى شرح وافٍ يعتمد على نتائج أبحاث ميدانية جديّة، ولكني أريد التنويه إلى الدور الاعلامي الذي حوّل قضايا المشتكيات اليهوديات إلى قضايا رئيسيّة، حلت مكان أكثر القضايا السياسية والجنائية سخونة – الحكومة والصراع الاسرائيلي الفلسطيني، فساد السلطة وأجهزتها، عصابات الإجرام، العنف المستفحل، المخدرات وحوادث الطرق- كلها نزلت عن منصة الأخبار الرئيسية المدوية، لتحل مكانها اخبار التحرشات الجنسية التي باتت الشغل الشاغل للإعلام العبري الذي حطم باب الرهبة من النشر.

زيادة على ذلك فإن كثيرين لا ينتبهون إلى مشهد مهم ساهم في تعزيز دور الإعلام في إسرائيل لفضح التحرشات الجنسية ، ومهد له الطريق لنشرها بهذه العناوين الدراماتيكية، وهو تعاظم قوّة الفيسبوك الذي أصبح بالنسبة للمرأة اليهودية منبرًا تحارب من خلاله التحرشات الجنسية، مستغلة لصالحها الجدل حول الابعاد القانونية للنشر في شبكات التواصل الاجتماعية، التي شجعت التحدث علنا عن أكثر المواضيع حساسية وسرية دون خوف، باعتبارها مساحات لا حدود لها وبالتالي خلقت نقاشا انقضت عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية وأصبحت راعية له.

من هنا وحتى وصول مجتمعنا إلى هذا المنعطف في السلوك والنظرة إلى هذه القضايا والتعامل معها وإكساب الاعلام العربي الجرأة المطلوبة كما أكسب المجتمع الاسرائيلي اعلامه الجرأة لفضح ما يجري، تبقى الطريق طويلة. فبالنسبة لمجتمعنا العربي فإن تفجير هذه "القنابل الاجتماعية" سيكلف غاليا رغم ما يتحلى به من بصيرة إنسانية تجعله مجتمعا يعيش تناقضًا صارخًا، ملتزما بالفكر الخائف المرتعش والذي سيبقي جرح المرأة العربية الضحية مفتوحا جيلا بعد جيل، وستبقى هي أوّل وآخر من يدفع ثمن غياب الموقف الجاد والعميق في أبرز القضايا الاجتماعية الحاضرة الغائبة، والتي تناضل في سبيلها الجمعيات النسوية التي أشبهها كمن يحمل الشموع في النفق المظلم في مجتمع لا يعرف حتى اللحظة من يحاسب ولا يستبشر خيرًا بما هو آتٍ، فصار صمته كصمت الجلاد في وجه ضحيّته.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net  

مقالات متعلقة