الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 04:01

دمقرطة العالم العربي بمنظار أمريكي/ بقلم: إبراهيم بشناق

كل العرب
نُشر: 21/01/16 13:49,  حُتلن: 20:22

ابراهيم بشناق في مقاله: 

الحرب التي تبنتها واشنطن بسياسة ما يسمى الحرب ضد الإرهاب لم يكن لها سوى التأثير السلبي على التطور الديمقراطي في المنطقة على الأقل


مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية بشأن قضية الديمقراطية في المنطقة العربية ومشروع الشرق الأوسط تجسد حالة من التناقض بين المبادئ والمصالح

الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على العديد من الدول لإتخاذ إجراءات غير ديمقراطية ضد أحزاب مشروعة داخلها، وضد حرية الإعلام فيها بذريعة محاربة الإرهاب

السياسة الحالية للولايات المتحدة بإدارة الرئيس أوباما عزفت نسبياً عن فرض الديمقراطية في الشرق الأوسط والوطن العربي خوفاً من وصول أحزاب لا ترغب بها واشنطن أو هي لا ترغب بإدارة أوباما

بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، خرجت أمريكا بسياسة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط بما أسمته سياسة الإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي، حيث جعلت تطبيقها أحد أهم أهداف سياستها الخارجية. وتزايد الحديث عن قضية الديمقراطية في المنطقة ضمن أجندة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، مؤكدة أن الدول تتحرك صوب الديمقراطية، حيث تزايدت تصريحات وخطب بعض القادة الأمريكيين التي راحت تؤكد على حرص الإدارة الأمريكية العمل على تحرير العالم العربي والإسلامي من الأنظمة الدكتاتورية ونشر الديمقراطية والحرية فيهما.

هدف المبادرة الأساسي هو الغزو الثقافي الأمريكي للمنطقة (وليس كما يزعمون احلال الديمقراطية في المنطقة)، من خلال تعزيز مظاهر الديمقراطية في المنطقة وتدعيم جهود الإصلاح الاقتصادي وتقوية المجتمع المدني وتوسيع المشاركة السياسية وتحديث التعليم، وتمكين المرأة…إلخ. وقد رصدت الحكومة الامريكية عشرات الملايين من الدولارات لإطلاق هذه المبادرة، لأنه في مرحلة ما قبل أحداث الحادي عشر من أيلول، لم تشكل الديمقراطية في أي وقت من الأوقات هدفاً للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة، لأن مصالح أمريكا في ذلك الوقت قامت على أساس دعم ومساندة نظم تسلطية فردية.

إن الحرب التي تبنتها واشنطن بسياسة ما يسمى الحرب ضد الإرهاب لم يكن لها سوى التأثير السلبي على التطور الديمقراطي في المنطقة على الأقل، كما أفرزت تناقضات جوهرية بخصوص موضوع الديمقراطية تجاهها، فتجارب التحول الديمقراطي التي جرت منذ بدايات الربع الأخير من القرن العشرين، كان فيها دور العوامل الخارجية ثانوي أو هش إن صح التعبير ونفس الشيء ينطبق على الوطن العربي، خاصة أن تدخل الولايات المتحدة العسكري في بعض الدول من أجل بناء نظم ديمقراطية في مناطق عديدة من العالم منذ بدايات القرن الماضي كانت حالات الإخفاق فيه أكثر من حالات النجاح.

فالغزو الثقافي يهدف الى إحتلال العقل بخلاف الغزو العسكري الذي يهدف لاحتلال الأرض، وهو أكثر خطورة من الغزو العسكري لأن الغزو الثقافي يبدو وكأنه إلقاء ستارة سوداء للواقع أو تجميلا له، فيقبل للإخضاع على أنه شيء آخر لالتباسه بمفاهيم كثيرة تتصل بعمليات التكوين الذاتي مثل النمو والاستقلالية والوعي ولا يزال أمر الغزو الثقافي محيرًا لدى الكثيرين، إذ لا ترى فئة من الناس أنه غزوًا، فتختار له أسماء أخرى وتروج له فئة ثانية على أنه وسيلة لتبادل الثقافات باعتبار أنه تواصل بين الحضارات الإنسانية. فالغزو الثقافي في واقع الأمر هو غزو من الداخل دون جيوش لذا فهو أكثر خطورة لأنه يضمن الضعف الذاتي، ودوام الهيمنة.

وأعلنت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي السابقه للولايات المتحدة الامريكية أن رسالة بلادها الحضارية هي نشر الديمقراطية في العالم الإسلامي. كما انشأت وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون جهازاً لتزييف الوعي لدى العرب والمسلمين تحت اسم مكتب التأثير الاستراتيجي، وتنفيذاً لبرنامج التأهيل تم دعوة 50 سيدة عربية من أربعة عشر بلدا إلى الولايات المتحدة ليخضعن لحملة تثقيف في المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي والمعهد الجمهوري الذي يشرف على الحملات الانتخابية للحزب الحاكم، ونظمت لهن لقاءات مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، فلم تعد أساليب الغزو الثقافي الأمريكي للعالمين العربي والإسلامي سرية، فمشاهد هذا الغزو أصبحت علنية مرئية يومية لا تأت على ظهر دبابة، بل تأتي داخل بيته ومكتبه وسيارته، من خلال الإعلام عبر المذياع أو جهاز التلفزيون أو الصحافة، لأنها تسعى إلى تمزيق هذه الدول وتحويلها إلى كيانات صغيرة، حيث يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة فرض المعركة الثقافية الفكرية على الدول العربية، تحت غطاء نشر الديمقراطية وحماية حقوق الأقليات واحترام حقوق الإنسان.

إن مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية بشأن قضية الديمقراطية في المنطقة العربية ومشروع الشرق الأوسط، تجسد حالة من التناقض بين المبادئ والمصالح، لأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية ضحت بالمبادئ الديمقراطية من أجل المصالح أو وظفت المبادئ في خدمة المصالح.

كما أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على العديد من الدول لإتخاذ إجراءات غير ديمقراطية ضد أحزاب مشروعة داخلها، وضد حرية الإعلام فيها بذريعة محاربة الإرهاب. إن السياسة الحالية للولايات المتحدة بإدارة الرئيس أوباما، عزفت نسبياً عن فرض الديمقراطية في الشرق الأوسط والوطن العربي خوفاً من وصول أحزاب لا ترغب بها واشنطن أو هي لا ترغب بإدارة أوباما.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة