الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 18:02

حضارة الموت/ بقلم: مرام عمران عواودة

كل العرب
نُشر: 18/01/16 17:45,  حُتلن: 22:57

 مرام عمران عواودة في مقالها:

أيّ حضارة سننقلها إلى الأجيال القادمة سوى الموت، في زمننا هذا، زمن الحرب والجريمة؟ أي ثقافة يمكننا أن نورّثها لأطفالنا في أيام أصبح أقصى طموحنا فيها "العيش" وليس "الحياة" حتى!

يحاصرنا العنف والاجرام من كل ناحية، ابتداءً من عالمنا الكبير حولنا وانتهاءً بغرف نومنا الصغيرة!

أطفال اليوم وأطفال الغد لا يملكون في قلوبهم وعقولهم سوى تلك الصور التي "تزيّنها"الأسلحة والدماء والحقد والحروبات والكراهية، في عمر جُلّ الذي يجب أن يحمله لهم الامن والفرح والورود والحب!

كلها أمور نعيشها يوميًا ونتأقلم معها ونتقبلها بكل بساطة، نبني منها "حضارة" ونزرعها "ثقافة" في أرواحنا وأرواح أبنائنا. حضارة موت وثقافة كراهية،هذا ما تبنيه أيدينا وقلوبنا وعقولنا يا أبناء عصرنا الحديث المتطور!

قد يبدو عنوان مقالتي هذه مخيفًا، مُحبطًا ويفتقد للأمل، لكنه حقيقي وواقعي إلى أبعد الحدود، من وجهة نظري على الأقل! ولو فكرتم معي قليلًا، هل بامكانكم إخباري أيّ حضارة سننقلها إلى الأجيال القادمة سوى الموت، في زمننا هذا، زمن الحرب والجريمة؟ أي ثقافة يمكننا أن نورّثها لأطفالنا في أيام أصبح أقصى طموحنا فيها "العيش" وليس "الحياة" حتى! أي حُبّ يمكن أن نزرعه في قلوبهم الصغيرة وهم يرون العنف والقتل والجريمة في الشوارع كأنما يشاهدون أفلام الكرتون؟! أي قيم يمكن أن نغرس في أرواحهم البريئة في وقت حمل النفاق والكذب والخيانة عناوين عريضة له؟

ما عادت محاضرات التوعية، وخُطب التنظير والمواعظ الدينية والإجتماعية تفيد الآن، وما عادت الدعوات للسلام والتعايش تجد لها مكانًا فيما بيننا، ولا أكتب كلماتي هذه لأقدم النصح أو أحلل الوضع القائم أو حتى لأدعو الناس للكف عن الحرب والعنف والجريمة والعودة لطريق الصواب!

حقًا، لا أعرف لماذا أكتب، رغم قناعتي بأننا وصلنا إلى أوضاع يستحيل إصلاحها أو حتى تحسينها.. ربما أكتب لأشارك ما تبقى من "الإنسان" بفكرة قد تحملنا لنحلم على الأقل بواقع أجمل، أو أكتب علّي أتمكن من لمس بعض القلوب والضمائر النائمة، أو ربما فقط لأذكركم بأننا لا نملك أدنى درجات الحب والسلام لننقلها لأطفال اليوم ورجال الغد!!

يحاصرنا العنف والاجرام من كل ناحية، ابتداءً من عالمنا الكبير حولنا وانتهاءً بغرف نومنا الصغيرة! الحروب والثورات، والصراعات الدينيّة والطائفية والعرقية، التفجيرات والعمليات الارهابية والعنصرية بمختلف أشكالها ومصادرها جرائم القتل التي تشهدها شوارعنا وبلداتنا بدواعِ الثأر والشرف والبلطجة والسرقة وغيرها، الشجارات العائلية والشخصية وأعمال الزعرنة التي باتت جزءًا طبيعيًا من حياتنا اليومية، غياب القيم والاحترام واستخدام العنف الجسدي والكلامي في البيوت وبين أبناء الأسرة الواحدة، الكلمات الجارحة والتهجمات والنقاشات غير الحضارية والمنشورات الفاضحة عبر مواقع التواصل الاجتماعية ليشبه وَقعَها الجلدات على الارواح والنفسيات!

أطفال اليوم وأطفال الغد لا يملكون في قلوبهم وعقولهم سوى تلك الصور التي "تزيّنها"الأسلحة والدماء والحقد والحروبات والكراهية، في عمر جُلّ الذي يجب أن يحمله لهم الامن والفرح والورود والحب!
حياتنا باتت مخيفة حدّ الجنون، غياب الامن والهدوء أمر خرق قوانين الطبيعة، الخوف الذي يرافقنا كظلنا، السلم الذي سمعنا عنه كثيرًا وما عشناه ولو حتى ساعة واحدة، الحبّ الذي أمسى عملة نادرة في كل علاقاتنا وحلّ محله الحقد والكره... كلها أمور نعيشها يوميًا ونتأقلم معها ونتقبلها بكل بساطة، نبني منها "حضارة" ونزرعها "ثقافة" في أرواحنا وأرواح أبنائنا. حضارة موت وثقافة كراهية،هذا ما تبنيه أيدينا وقلوبنا وعقولنا يا أبناء عصرنا الحديث المتطور!
لا أطلب منكم الكثير، أريد وبكل بساطة، وإن قرأتم هذه السطور، أن تفكروا معي: إلى أين نحن ذاهبون؟ أي نوع من البشاعة لم نمتحنها بعد؟ ماذا تبقى من الإنسانية بداخلنا؟ هل، بالله عليكم، هذه هي النهاية وعلينا أن نستسلم للموت والكراهية التي صنعناها بأيدينا!؟

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net  

مقالات متعلقة