الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 17:01

كلمات في يوم ميلاد القائد عبد الناصر الـ 98/ بقلم: زياد شليوط

كل العرب
نُشر: 14/01/16 11:54

"زمانُكَ بُستانٌ .. وعَصرُكَ أخضرُ
وذكراكَ، عصفورٌ من القلبِ ينقُرُ"
بهذا البيت من الشعر – والذي يختزل مقالات كثيرة- افتتح الشاعر نزار قباني قصيدته "اليه في يوم ميلاده"* والتي ألقاها في ذكرى ميلاد القائد جمال عبد الناصر عام 1971 أي بعد رحيله بثلاثة أشهر ونصف.

وفي يوم ميلاده الـ98، في الخامس عشر من يناير، نستذكر تلك الكلمات بل تلك القصيدة الرائعة، والنابعة من القلب والبعيدة عن الغايات، التي نظمها نزار قباني وكأن كل كلمة فيها تنطق بما يختلج في القلوب في هذه الذكرى العطرة، ليس لأن صاحبها انسان كبير وقائد عظيم وفارس أصيل فحسب، بل لأن واقعنا العربي التعيس والبائس في السنوات الأخيرة يجعلنا نشتاق لقائد بهامة واخلاص واستقامة عبد الناصر، ولأن القصيدة تعكس مشاعر الشاعر وهو ينطق باسم الملايين، ليس نحو عبد الناصر الشخص والرئيس بقدر ما تعكس المشاعر نحو مرحلة وعهد حمل العزة والكرامة والفخر للأمة العربية بأسرها، وأجملها الشاعر بأنها كانت "بستان أخضر" وما أدراك ما خضرة البستان!

كلما باعدت سنوات الفراق بيننا وبين عبد الناصر المرحلة والعصر، كلما شعرنا بقوة الفراغ الذي تركه وبأهمية وجوده في حياتنا. في كل محنة ومأزق ترفع اليافطات التي تحمل أقوال عبد الناصر، في كل مظاهرة ومسيرة عمالية ونضالية يهتف المتظاهرون باسم عبد الناصر، في كل تحرك شعبي ومطلب تحرري ترفع صور عبد الناصر، هكذا كان في انتفاضة العمال عام 1977 في القاهرة، هكذا حصل في بيروت وصنعاء وتونس والجزائر وهكذا كان في انتفاضة 25 يناير و30 يونيو في مصر، وكأن نزار كان يتنبأ حين قال:
وأنتَ أبو الثورات، أنتَ وقودُها
وأنتَ انبعاثُ الأرض، أنتَ التغيُّرُ
واليوم ووطننا العربي يعاني من أخطر الانتهاكات المتمثلة في سلب شعوبها ارادتها وتحويلها الى مسارات مناقضة لتطلعاتها، تقتل أحلامها وتجهز على ارادتها، نتمنى عودة الفارس المقاوم لأطماع الغرب والمستعمرين، فينادي نزار بلساننا:
رفيقَ صلاح الدين.. هل لكَ عودةٌ
فإنّ جيوشَ الرومِ تنهى وتأمرُ
وعندما تهجم علينا الهموم ولا نعود نحتمل ما يصيبنا من فواجع، وعندما نصاب في مقتل جراء من وصلنا اليه أو أوصلونا اليه ونحن عاجزون، محبطون، يائسون.. لا نجد من نشكو اليه ونلقي بهمومنا عنده سوى الأب والراعي عبد الناصر:
أبا خالدٍ أشكو إليكَ مواجعي
ومثلي لهُ عذرٌ.. ومثلكَ يعذرُ
واذا كان في لحظة حزن قاتل، لم يكن بالامكان تصورها، حين رحل عبد الناصر قبل أوانه وعندما كانت العرب بأشد الحاجة لوجوده كي يواصل المشوار ويحقق النصر بعد الهزيمة، تساءل شاعرنا في لحظة حزن غاضب عندما رثى جمال عبد الناصر " لماذا قبلتَ المجيءَ إلينا؟ فمثلك كان كثيرا علينا".. تدارك الشاعر نفسه وغاياته بأن عبد الناصر ما كان له إلا أن يظهر عندنا وبيننا، لأننا كنا بأمس الحاجة له ولطموحاته وكبريائه، لأن هذا الشعب كان بحاجة الى من يوقظه ويرفع رأسه ويعزز كرامته بين أمم العالم، وهكذا كان وهكذا وصف نزار مجيء عبد الناصر الينا في يوم ميلاده:
دخلتَ على تاريخنا ذاتَ ليلةٍ
فرائحةُ التاريخ مسكٌ وعنبرُ
كان عصر عبد الناصر عصر الفخر والكبرياء والعزة القومية، عصر الأحلام الكبيرة والطموحات الفذة القوية، عصر التنوير والرقي والثقافة والتحرر من العبودية، عصر الطهارة والاستقامة ونظافة اليد النقية، عصر الأخلاق والسمو والمباديء والقيم الانسانية.

ولهذا كثر محبو عبد الناصر وازدادوا في جميع أصقاع الأرض، كما كثر مبغضوه وأعداؤه وخصومه وحساده، وعندما رحل عن هذه الدنيا تصوروا أنهم ارتاحوا منه، لكنهم ما تخلصوا ولا ارتاحوا ولكن شبّه لهم.. وسرعان ما عاد عبد الناصر في مماته يقضّ مضاجعهم ويؤرق نومهم ويقلق تفكيرهم.. وبات عملاقا في موته كما كان عملاقا في حياته.. لأن سيرته وأعماله وتراثه لا تندثر، وذكراه مثل عصفور أخضر في ذاكرتنا ينقر.. وكثيرون يموتون بموتهم لكن عبد الناصر كالأفذاذ مثله أحياء برحيلهم:
تضيقُ قبور الميتينَ بمن بها
وفي كلِّ يومٍ أنتَ في القبرِ تكبرُ
وفي كلّ يوم وفي كلّ ساعة شوقنا اليك ينمو ويكبر، وفي كلّ يوم وفي كلّ ساعة محبتنا لك تبرعم وتزدهر.
(شفاعمرو- الجليل)

* (الأعمال السياسية الكاملة- 3، نزار قباني، ص381-390)

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة