الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 11:02

لا نقول وداعا يا شيخ بسام


نُشر: 13/07/08 07:12

من منا لا يعرف فضيلة الشيخ بسام أبو زيد ؟؟ .. من منا لا يعرف الشيخ أبا حسام ؟؟ .. لا اعتقد أن أحدا من أبناء الحركة الإسلامية إلا وسمع به، وتحدث إليه، أفاد من علمه وخبرته ودرايته. لقد عرفناه منذ أن انفتحت عيوننا على واقع العمل الإسلامي منذ أواخر السبعينات.. كنا كطلاب نراه، نسمعه، لكننا لم نكن نستطيع الاقتراب من حماه، فنحن ما زلنا المريدين الذين عرف كل منا حدوده فلم نتجاوزها، خصوصا مع علماء أجلاء مثل الشيخ بسام رحمه الله رحمة واسعة.
دخلنا الجامعة ، وزاد وعينا لما يجري من حولنا ، وازداد إعجابنا بهذا الرجل المُصِرِّ على أن يكون الجندي المخلص ، والناشط الذي لا يهدأ رغم تعقيد الأوضاع التي كانت تعيشها مدينة يافا في تلك الحقبة من الزمن ... كان ميدانه الوظيفي والدعوي أساسا في المدينة التي عرفها التاريخ المعاصر بعروس البحر ، والتي ظلت تحمل هذا الاسم رغم نكبة فلسطين التي اكتوت بنارها ... لقد أحب الشيخ بسام وهو الاسم الذي عرف به، مدينته يافا حبا فاق الخيال... عرف لها دورها ووعى أهميتها ، واستوعب تماما خطورة التحديات التي تواجهها لما تحمله من خلاصة التاريخ والهوية العربية والإسلامية ... رغم ذلك كانت البلاد بطولها وعرضها ميدانا لم يستطع استيعاب قدرات هذا الشيخ الجليل وطاقته وهمته... كانت فلسطين المحتلة بعد كارثة عام 1967 هي أيضا على موعد مع عطاء هذا الداعية المميز ، والذي عرف كيف يستفيد إلى أبعد الحدود من الموقع العلمي المتقدم للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشريف ، فأفاد واستفاد إلى درجة أصبحت معها كل قرية ومدينة ومضرب ميدانه الذي يصول ويجول فيه فارسا متمرسا عز نظيره وقل شبيهه .... ظل كذلك - رحمه الله رحمة واسعة - إلى أن استوت سفينة الدعوة الإسلامية في الداخل الفلسطيني على الجودي ، فكان واحدا من قياداتها المرموقين ، ودعاتها البارزين .


الشيخ المرحوم بسام ابو زيد

لقد سَكَنَتْ قضيتنا العربية والإسلامية في قلبه، وعمرت صدره الحنون، وأثقلت جسده الضعيف، إلا انه كان وعلى مدى سنوات طويلة تجاورت العقود الثلاث السند الذي لا يُبارى للحركة الإسلامية في الداخل، والفارس الذي لا يُشَقُّ له غبار... يصول ويجول في عطاء موصول دائم لا يفتر أبدا .. لقد رأى في الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر عموما وفي مدينة يافا خصوصا، خط الدفاع الأول عن الأرض والإنسان والمقدسات.. لقد قرأ ببصيرته الثاقبة صفحات المستقبل للقضية الفلسطينية ، وعرف بحسه المرهف أن رحلة الخلاص طويلة ، ولا بد من اجل النهوض بها والقيام لها من إعداد يُلْغى عنصر الزمن فيه ، ولا يعترف إلا بالعمل والتضحيات بلا حدود ، وتفويض الأمر بعد ذلك لله وحده في أن يُعَجِّلَ أو يُؤَجِّل ، فتلك مشيئته وله وحده الخلق والأمر .
ما جلست معه ، ولا تحدثت إليه وعلى مدى أكثر من عقدين إلا وازددت حبا فيه ، وإعجابا بخصاله ، وخصوصا في المرحلة الأخيرة التي أصيب فيها بأنواع البلاء التي لو صُبَّ شيء منها على الأيام كُنَّ لياليا .. أصيب في السنوات الأخيرة بأمراض هدت جسده، مما استدعى علاجا مكثفا صبر عليه دون شكوى... وفي كل مرة كنت أتحدث إليه واسأل عن صحته كان يقول : [ الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني ] ... لم يتوقف الأمر عن هذا الحد ، بل تجاوزه إلى زوجته وشريكة حياته التي آزرته وساندته في أحلك الظروف والتي سبقته إلى الله سبحانه بسنوات ... كان لفقدها الأثر الكبير في حياته وفي حياة أولاده ، إلا أن ذلك زاد في همته وفي صلابته فنهض رغم ظرفه الصحي والمعنوي بقوة استغربناها منه ، وكأني به يسابق الزمن وقد عرف في أعماق أعماقه أن السنوات المتبقية له في هذه الحياة قليلة ، فأرادها الأعظم والأزهر والأنور عطاء وتضحية ... لقد كان رضاه بقضائه  تعالى مركبه إلى حب الله ، والحبل الموصول معه سبحانه ... لقد رأى في تلك الابتلاءات امتحانا لإيمانه ، فحرص دائما على ألا يرى الله منه إلا ما يُحِبُّ ... فما لانت له قناة ، وما غابت من محياه ابتسامته وبشاشته ، وما فقد أبدا روح الدعابة التي اشتهر بها حتى في أكثر الظروف صعوبة وشدة ... إلا انه وجد سلواه في كثير من الأحيان في الكتابة والدعوة والخطابة والتدريس ما يعبر به عن مكنونات صدره ، ويخفف به من أحمال نفسه .
لقد زرته قبل أسبوعين من وفاته... كانت زيارة في الله كما تعودنا للاطمئنان على صحته وأحواله ... لقد كان سعيدا بهذه الزيارة ، إلا أن المفاجأة كانت صاعقة ، حينما أبلغت أن تدهورا خطيرا طرأ على وضعه الصحي ، مما أدى إلى إدخاله إلى قسم العناية المكثفة ، حيث وافته المنية ... نعم للحظة لم اصدق ما سمعت، فكيف يكون هذا وأنا الذي ودعته قبل أيام... لم يكن هنالك ما يدعو إلى القلق .. إلا أن الله سبحانه قد قدر له إنهاء رحلته في الدنيا ، وبداية رحلته السعيدة - إن شاء الله - إلى جنانه في الآخرة .
إنا والله لفقدك يا شيخ بسام لمحزونون ، لكننا لا نقول إلا ما يرضي الله ، فانا لله وانأ إليه راجعون ... عزاؤنا في الشيخ أبي حسام أنه عاش حياته لله تعالى ، ومضى إلى ربه سبحانه وهو مطمئن إلى عفوه ، واثق في رحمته ومغفرته ...
نم قرير العين حيث مثواك جنات الخلد لأنك أديت الأمانة على اشرف وأنبل معانيها ، ولأنك لم تتنكر إلى القيم العظيمة التي سلكتها عبر طريق الرسالة الخالدة وأنت تكافح من اجل استئناف الحياة الإسلامية ، واستعادة الأمجاد الربانية وهداية الخلق ودلالتهم إلى الطرق الرحمانية .... فهنيئا لك بهذه الشهادة ومباركة عليك جنات الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا....
رحمك الله يا أبا حسام رحمة واسعة، وجمعنا وإياك في الجنة، وتحت لواء حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم... اللهم آمين ...

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.74
USD
4.00
EUR
4.68
GBP
219546.15
BTC
0.52
CNY