الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 19:02

موت المؤسسة النقدية/بقلم: أسيل منصور

كل العرب
نُشر: 14/12/15 22:22,  حُتلن: 07:55

اسيل منصور في مقالها:

لو أردنا أن نقارن بين الخارطة الأدبية والنقدية في البلاد في فترة الخمسينات والستينات وما بين الوضع الحالي سنجد في صفحات الماضي حضور بارز لمؤسسة نقدية تمثلت بتيار الحزب الشيوعي 

العملية النقدية قد روفقت بتحيُّز لأدباء ملتزمين سياسيا وبرأيي حتى هذا التحيز لا يقلل من قيمة المؤسسة النقدية آنذاك 

 النقد السلبي فإنّ له نفس الوظيفة فهو يعترف بكيان العمل الذي كُتِب ولهذا الاعتراف أثره في إحياء النص المكتوب بل وتكاد تكون وظيفة النقد مطابقة لوظيفة الطبيب الذي يزرع رئتين للعمل الأدبي

النقد لغويا هو تبيين حَسَنِ الشيء مقابل رديئه وإظهار عيوبه ومحاسنه. ويرى بعض الباحثين أن النقد هو محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره، للكشف عن مواطن القبح والجمال في الأعمال الأدبية. وبنظري فإنّ النقد الأدبي عبارة عن مرآة تعكس للقارىء "مناقب ومثالب" عمل أدبي معين، وهو أيضا بوصلة توجّه المبحرين في الأدب نحو أعلام كتبوا ما يستحق أن ترسو السفن في مينائه. ومن جهة أخرى فإن النقد إذا خرج إلى النور فإنه يعمل على مدّ عروق العمل الأدبي بالدماء بعدما خلقه الكاتب بهيئته النهائية وعلى بثّ الروح فيه ليُكتب لمثله الحياة، وحتّى النقد السلبي فإنّ له نفس الوظيفة فهو يعترف بكيان العمل الذي كُتِب ولهذا الاعتراف أثره في إحياء النص المكتوب، بل وتكاد تكون وظيفة النقد مطابقة لوظيفة الطبيب الذي يزرع رئتين للعمل الأدبي يتنفس من خلالهما.والكاتب مهما كانت أهميّته بأمسّ الحاجة لقرين نقدي لعمله حتى يراه بمنظور موضوعي ليساعده هذا في تطوير كتاباته المستقبلية.

ولو أردنا أن نقارن بين الخارطة الأدبية والنقدية في البلاد في فترة الخمسينات والستينات وما بين الوضع الحالي، سنجد في صفحات الماضي ، حضور بارز لمؤسسة نقدية تمثلت بتيار الحزب الشيوعي عبر منابر مثل جريدة الاتحاد والتي اهتمت بأصوات أدبية حظيت بشرف النقد. ولا شك أن تيار الحزب الشيوعي حرص على إبراز الأصوات التي عالجت قضايا فيها التزام سياسي والتي خدمت الترويج للفكر الإشتراكي ونبذت أعمال أدبية عالجت مسائل اجتماعية ولا أحد ينكر أن العملية النقدية قد روفقت بتحيُّز لأدباء ملتزمين سياسيا وبرأيي حتى هذا التحيز لا يقلل من قيمة المؤسسة النقدية آنذاك والتي ضمّت أصوات جديرة بمكانة لا يمكن تجاهلها في عالم النقد. والمفارقة التي نجدها بين الأمس واليوم هو أن القرّاء المستهدفين في البلاد في ذلك الوقت كانوا قلة لهجرة الكثير من المثقفين بعد قيام الدولة وبقاء القرويين الذين لم يكن لديهم توجه ثقافي ومع ذلك كان للمؤسسة النقدية صدى وكيان واضح شكّل همزة وصل بين الكاتب والقارىء، وأما اليوم فنشهد توسُّع لدائرة القرّاء المثقفين أمام غياب واضح للمؤسسة النقدية في البلاد. وإن قمنا بمعالجة كتب جديدة لباحثين ونقّاد كبار لهم قيمتهم ولا غنى لنا عنهم، سنجد وكأنّ عجلة الزمن قد توقّفت في مكان ما في كتبهم وبأنّهم تابعوا أدباء خاضوا الساحة حتى سنوات التسعين ومن بعدها سنلقى غياب جزئي أو حتى تامّ لمعالجة نصوص لأدباء جدد.

قد يقول قائل، إن هذا التجاهل مُبرّر لأنّ عدد الكُتّاب اليوم يفوق عدد القرّاء ونادرا ما نجد من بين ما يُنْشَر ما يستحقّ المعالجة وحتّى حين نقرأ نقد لعمل أدبي جديد فإنّه في الغالب سيكون غير موضوعي تختبأ من وراء سطوره، محسوبيات أو أغراض معيّنة ، ولكن أنا بنظري المشكلة هي أخرى، فبينما رافق الحزب الشيوعي إيمان راسخ بفكر معيّن دفع برجاله إلى المبادرة النقدية فإنّنا نشهد غياب حوافز تُشَجّع من يملك أدوات النقد على القيام بعملهم في غربلة الأصوات الجديدة ، عرضها على المحكّ، فتنتها كما تُفْتَن المعادن ليخرج منها الذهب صافيا خالصا، وأجزم في كون السؤال الذي يطرحه هؤلاء النقّاد الغائبين عن الساحة الأدبية على أنفسهم ، يتعلق بالفائدة التي سيجنونها إذا اعتلوا منصة النقد، وأسمعوا صوتهم وعالجوا نصوص لأصوات حديثة ليخلقوا عبر نقدهم البنّاء جيل الشعراء والروائيين القادم .

إنّ هذا المقال المتواضع هو همسة بأذن كل من يملك السلطة والقدرة على التأثير في دعم وتشجيع النقّاد على الإدلاء بصوتهم في القَيِّم من الكتابات التي تحاول أن تشقّ طريقها في ساحة خالية تماما من مؤسسة نقدية حيّة وفاعلة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة