الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 01:02

موت الخراط /بقلم: أسيل منصور

كل العرب
نُشر: 04/12/15 07:45,  حُتلن: 07:49

كان المساء ليلكيا في يوم الخميس الفائت مما أدخل روح التفاؤل على قلبي بعد يوم عصيب ذقت فيه الويلات على عقب فهّات زملائي الذين لم يحسنوا تقديم جدول الحسابات لثمن عقارات بيعت في مؤسستنا في الشهور الستة الأخيرة فتحملت أنا بصفتي العامل الأكثر وفاءا وفق كلمات مديري نتيجة إهمالهم ووعدني إن أنجزت العمل خلال اليوم بعلاوة تكفي لشراء رغيف لحم مقدد..
في طريق العودة إلى البيت، ران الكرى في عينيّ فبحثت عن أنيس لوحدتي يوقظ حواسي عدا عن طعم الكستناء المشوية والذي علق في فمي بعدما تعوّدت أكلها كل يوم في نفس موعد وصولي المنزل منذ أن بدأ الشتاء، فأدرت المذياع وبالصدفة،أُذيعَ برنامج ثقافيّ عربي رصد أخبار المبدعين الأجانب والعرب من نحّاتين، رسّامين، موسيقيين وكانت حصّة الأسد من حظّ الممثلين،المغنيين والراقصين وفي نهاية البرنامج الذي تابعته كله لعدم وجود خيار آخر لتشويش لحق باقي المحطات عقب سفري في منطقة معزولة بعض الشي، ذكرت المذيعة بنبرة معتذرة وباختصار مقتضب موت الكاتب المصري، إدوار الخراط، والذي كنت من قرائه فحزنت لهذا الخبر، وخاصة أن الإذاعة أتبعته بأغنية أجنبية لم أفهم من كلماتها شيئا،فزدت من سرعة سيارتي حتى أعجّل من وصولي إلى البيت ..وحين وصلت،سمعت أصواتا نسائية مألوفة وعرفت منها أن زوجتي ولسوء حظّي استضافت بعضا من صديقاتها وكان جُلُّ همّي في ذلك الوقت أن أحظى بقليل من الراحة فعمدت إلى الباب الخلفي لأدخل منه ولكن كُشِف أمري في اللحظة الأخيرة لأن ابنتي الحبيبة لمحت ظلّي من الشباك وأخبرت أمّها فنادتني الأخيرة بصوت فيه غنج ودلال تحتال به عليّ حين تكون في حاجتي فدخلت مرغما من الباب الأماميّ ،حييت الحضور وتوجهت إلى غرفتي حين استوقفتني زوجتي.
-إلى أين تذهب ؟
-نعم ؟!
-أقصد أني بحاجتك لتغيير المصباح لتتحسّن الإضاءة لنستطيع أنا وأم علي وأم فادي مشاهدة برنامجنا المفضل والذي سيبدأ بعد قليل..
-أي برنامج منهم ؟ أذلك التركي المدعوّ بالأرض الطيبة والذي ليس فيه شيء طيب ؟ قلت بسخرية..
سمعت ضحكات مجلجلة من غرفة الضيوف العامرة
-سامحك الله يا أبا فلان ..موضة البرامج التركية قد ولّت واليوم ذاع صيت المسلسلات الهندية ..
قالت أم علي ببعض اللوم ..
-عذرا ! فأنا غير مطلع على هذه الأمور لانشغالي..
لكن هل تعلمن من توفي البارحة؟
تجهمت وجوه ضيفاتنا الكريمات ونطقت إحداهن بسؤال حذر :
-هل هو ممثل هنديّ؟
-لا ليس ممثلا هنديا ..
تنفست كل النساء وطفلتي الصعداء ولم يستفسرن عن المتوفّى
-ألا تردن معرفة هوية المرحوم ؟
-طالما أنه ليس أرناف فلا نبالي ..وضجّ ديوان النساء بقهقهات كادت تفقدني صوابي ..
-من أرنب هذا ؟ سألت بأدب مصطنع
-أرناف وليس أرنب وهو البطل في المسلسل الهندي الذي سيبدأ بعد دقائق.قالت إحداهنّ بقمّة الجديّة ورمقتني أخرى بنظرة غاضبة وكأني دنّست معبدا هنديا للتوّ..
-لقد توفّى الله الخراط..قلت بحزن..
-لقد بدأ المسلسل ..ستجد الطعام ساخنا في الفرن ..سنغيّر اللمبة لاحقا ..طردتني زوجتي بابتسامة ماكرة وسط تجاهل تامّ لخبر موت الخراط..

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net  


مقالات متعلقة