الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 09:02

بوارق في دقائق...نوائب الدهر لن تزيدنا الا ثقة بنصر الله/ بقلم: الشيخ خالد مهنا

كل العرب
نُشر: 16/11/15 15:58,  حُتلن: 07:54

الشيخ خالد مهنا في مقاله:

الأصل في الإسلام العلو والسيادة والتمكين فلا نستيئس من ضعف المسلمين حيناً من الدهر وقد بشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال (( الإسلام يعلو ولا يُعلى ))

إن الثقة التي يريدها الرب سبحانه وتعالى من عباده هي تلك التي تحققت في أم موسى عملياً حين قال عنها (( فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني )) وكتب الله له النجاة 

إن المقاييس البشرية تقول بخلاف ما نعتقد ونجزم به. هي تدعي أنّ صاحب القوة والصواريخ العابرة للقارات والبوارج البحرية والطائرات الأسرع من البرق والأدق في إصابة الأهداف ان هذا المالك هو الذي بيده في نهاية المطاف زمام الأمور، وهو الذي يتوقع له الغلبة والفوز على من لا قوة له.. وتظهر حقيقة اليقين بنصر الله في مراحل الضعف حين يحلك الظلام، ويشتد الضيق، وتجتمع الكروب، وتتكالب الأمم، لأن الأمل في الله كبير. والطريق إلى إقامة دين الله والسبيل إلى ذلك بالصبر واليقين قال شيخ الإسلام ((بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين))، ثم تلا قوله تعالى (( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)).


ولا تهلك الأمة إلا حين يبخل أبناؤها عن تقديم الجهود المتاحة لنصرتها ثم يتجرعون كؤوس الأمل بلا عمل، لذلك قال صلى الله عليه وسلم ((صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل)) . (صحيح الجامع برقم 3845 حسن) .


والأصل في الإسلام العلو والسيادة والتمكين، فلا نستيئس من ضعف المسلمين حيناً من الدهر وقد بشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال (( الإسلام يعلو ولا يُعلى )) (صحيح الجامع 2778 حسن).
والمقياس عند الله غير مقياس البشر. إن الله يجعل من الضعف قوة ، وذلك واضح من التأمل في قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها ، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم )) (صحيح سنن النسائي – كتاب الجهاد – باب 43 حديث 2978) .


قد نرى القوة اليوم بيد أعدائنا، والغلبة لهم علينا .. ولكن لا ننسى أن الله هو المتصرف بهذا الكون وعينه لا تغفل عن عباده المؤمنين ، ولن يرضى لهم دوام الذلة والقهر ، كما قال صلى الله عليه وسلم (( الميزان بيد الرحمن ، يرفع أقواماً ويضع آخرين )) ( صحيح الجامع 6737 صحيح ) ولابد أن يرفعنا الله بعد أن وضعنا، إذا رأى منا صدق السعي لمرضاته جلً وعلا .


إن الثقة التي يريدها الرب سبحانه وتعالى من عباده هي تلك التي تحققت في أم موسى عملياً ، حين قال عنها (( فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني )) وكتب الله له النجاة، وتلقى فرعون ذلك الطفل الرضيع ، فكان هلاك فرعون على يديه ، وهكذا تجري عجائب قدرته سبحانه وتعالى. إن عقيدة الإيمان بالقدر مصدر من مصادر الثقة بأن العاقبة للمتقين ، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( إن لكل شيء حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان ، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه )) (صحيح الجامع 2150 صحيح) .


ليست المسألة مسألة تخلف وعد الله – حاشاه سبحانه – لكنها مسألة توقيت المقدور ، والأجل المحدود ، الذي لا يتقدم لإستعجال مستعجل ، ولا يتأخر لهوى كسول. ولا يعيبنا ألا نصل إلى نتائج سواء في الدعوة أو غيرها لكن الذي يعيبنا التقصير في أخذ الأسباب ، والبخل بالجهد المستطاع – وإن قَلْ – والباقي تعهد به الله حين يشاء. فلابد لليل أن ينجلي ، ولابد للغثاء أن يذهب جفاء ، ويمضي قدر رب العالمين أن العاقبة للمتقين.

*****
الم يحدث في التاريخ أن وقفت مجموع الأحزاب بقضها وقضيضها مدعومة بنقض اليهود وغدرهم للمؤمنين ... فما كان من الرسول صل الله عليه وسلم حيث استوثق من عتاد الأحزاب وتأكد من خيانة "بني قريظة" وقد قيل له : ((يا رسول الله عضل والقاره)) أي غدروا كغدر عضل والقاره باصحاب الرجيع ((خبيب بن عدي واصحابه)) فقال النبي صل الله عليه وسلم لأصحابه حينذاك وقد بلغت القلوب الخناجر:
((الله اكبر ابشروا يا معشر المسلمين))
ومستيقنا رسول الله صل الله عليه وسلم كذلك ان هذا السحاب كما به نار كما به ماء وغيث ايضا...
ولتأتي (( صورة الايمان المضيء وصورة المؤمنين المشرقة الوضيئة في مواجهة الهول ، وفي لقاء الخطر ... الخطر الذي يزلزل القلوب المؤمنة فتتخذ من هذا الزلزال مادة للطمأنينة والثقة والاستبشار واليقين)) ، ولقد فقه ذلك الإمام الشافعي فقال :
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
.... فرجت وكنت اظنها لا تفرج
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
... ذرعا وعند الله منها المخرج
وصدق الشاعر حين قال :
اشتدي أزمة تتفرجي ... بصباح حر منبلج
اشتدي كوني نيرانا ... تتغذى بالدم والمهج
فيقيني يهتف بي صبرا .. هل بعد الضيق سوى الفرج


ان الله عز وجل صور لنا الحال الذي كان عليه المسلمين لما أحاط بهم الاحزاب احاطة السوار بالمعصم ، فقال تعالى:"إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون". وما هي الا أيام معدودات حتى تبدل الحال وظهر أمر الله بصبر المؤمنين ودبلوماسيتهم المتعملقة التي أدت الى تفتيت صفوف الاحزاب فأرسل الله ريحا شديدة فلم تبق خيمة، ولم توقد لهم نار ولم يقر لهم قرار، وأرسل الله تعالى (وجنودا لم تروها) ، وهم الملائكة لتزلزل أركانهم وتلقي في قلوبهم الرعب والخوف والفزع فكان كل رئيس قبيلة يقول:

(كما روى ابن الكثير في تفسيره):"يا بني فلان الي ، فيجتمعون اليه فيقول : (( النجاء النجاء ، لما ألقى الله عز وجل في قلوبهم الرعب)) فارتحلوا خائبين خاسرين . وتحقق نصر الله ، واعز الله جنده ، وهزم الأحزاب وحده ...
أيا تاريخ ما اعتدنا السجودا
...لغير الله او كنا عبيدا
لئن دار الزمان وراح شعبي
... مع الحرمات يقتات الوعودا
فما زادته أحداث الليالي
... وألوان الأسى الا صمودا
فبعد أشد الأوقات ظلمة يطلع الفجر ، وحين تشتد الكربات يقترب الفرج وحين يتملك النفوس اليأس من شدة العسر وتأخر النصر ومعاندة المكذبين ومحاربتهم يمن الله بالروح والتنفيس عن المؤمنين والتمكين لهم كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف:110)
وكما قال عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا".
إن صاحب الثقة بالله تعالى لا يهتز يقينه ولا يتزعزع إيمانه حتى وإن رأى تكالب الأمم واشتداد الخطوب؛ لأنه يعلم أن الأمر كله لله تعالى، وأن العاقبة للحق وأهله، وأن المستقبل لهذا الدين:(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
لله در القائل :
صَبْراً دِمَشقُ إذا ضاقَتْ حبائِلُها
هذي النوازِلُ أو حاقَتْ بِكِ النُوَبُ

تبقينَ ما بَقِيَتْ شَمْسٌ برابِعَةٍ
ويشهَدُ الدَّهْرُ والتاريخُ والحِقَبُ

أنَّ الشآمَ مدى الأزمانِ تَحْرُسُها
عينُ الإلهِ ... فلا خَوْفٌ ولا رَهَبُ

وإن ألَمَّتْ بأرضِ الشامِ نازِلَةٌ
ما هَمَّها غِيَرٌ أو هَدَّها حَرَب

من جاءَ يَطلُبُ وُدَّ الشامِ آخِذُهُ
ومنْ يلوذُ بها ... أمٌ لهُ وأبُ

جادَتْ بكُلِّ نفيسٍ عندما سُئِلَتْ
والكُلُّ يَعْلَمُ ما أعطَتْ وما تَهَبُ

واهتزَتِ الأرضُ حتى إنَّها انقَسَمَتْ
كأنَّكِ اليومَ أنتِ العُجْبُ والعَجَبُ

ما كانَ أطيَبَ كَرْمِ الشَّامِ مِنْ عِنَبٍ
إنَّ الأحَبَّ إلَيَّ الكَرْمُ والعِنَبُ

ولنْ يَعِزَّ عرينٌ للحِمى أبَداً
في العالَمينَ إذا لَمْ تَحْمِهِ القُضُبُ

صبْراً شآمُ سيأتيكِ السلامُ غداً
إنِّي أراهُ إلى علياكِ يَقْتَرِبُ

أم الفحم 16.11.2015

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة