الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 15:02

الحمامة المغتصبة وعهد الصقور /بقلم: فادي أبو بكر

كل العرب
نُشر: 29/10/15 16:27,  حُتلن: 08:08

فادي أبو بكر:

في الظهيرة تحلق الحمامة إلى شمال فلسطين ، حيث ينتظرها أبناء الجليل ليطعموها ما تشاء من الحبوب ، ثم تعود إلى بحر يافا لترتوي من ماءه العذب

سافرت الحمامة إلى مصر فالعراق فليبيا ، واستنجدت بمن هناك فقالوا لها " لا تشكي لنا ولا نبكي لك ، فحالنا ليس أفضل حال منك" ، و عندما وصلت سوريا تم اغتصابها من حمامات سوداء عيونها حمراء تطلق على نفسها اسم "داعش" ..

في ثقافات الشعوب عُرفت الحمامة البيضاء بأنها رمز للسلام ، ولأن فلسطين أرض السلام فإن هذه الحمامة لا تستحب أرضاً سواها لتطير فوق سماءها الصافية وترتوي من مائها العذب وتغرد بين أشجار أرضها المقدسة ..
أرض فلسطين شهدت تحركات الكثير من الأنبياء عليهم السلام على مر العصور ... فهي مهد عيسى ومسرى محمد .. هي الموطن الأصلي للديانات السماوية الثلاثة ... إنها أرض السلام ..

كانت الحمامة تبدأ صباحها بالتحليق فوق القدس على علوٍ منخفض ، وتغرد ترانيماً تضفي على تراتيل كنيسة القيامة نكهةً مقدسة ، ثم تقف على قبة الصخرة لتستمع لآذان الصلاة بصوتٍ عذبٍ يريح قلبها الصغير .
وفي الظهيرة تحلق الحمامة إلى شمال فلسطين ، حيث ينتظرها أبناء الجليل ليطعموها ما تشاء من الحبوب ، ثم تعود إلى بحر يافا لترتوي من ماءه العذب .. وبعد أن تصول وتجول في بيارات البرتقال في يافا .. تنهي يومها في القدس حيث تستلقي على قبة أقصاها وتنام بسلام وأمان لم تشهد مثيلاً له في أي مكان ..
كانت الحمامة البيضاء مصدر سعادة لكل من يسكن فلسطين وقدسها ، فتغريداتها كل صبحٍ ومساء كانت مصدر بهجة وسرور لكل من يسمعها ..

لأن فلسطين أرض السلام ، فقد ملأها الله بالخيرات ، وجعل منها أرضاً لا مثيل لها ... ومن هنا أصبحت فلسطين أرضاً يطمع فيها الغربان السود والثعالب الغادرة ..
الغربان والثعالب جعلوا من الحمامة البيضاء فريستهم الأولى ، لأنهم كانوا يعرفون مدى قيمة هذه الحمامة بالنسبة لأهل فلسطين ، وكان المقصد تحطيمهم و محو كل قيم النقاء والجمال من حياتهم .
كلما حلقت الحمامة البيضاء بالقرب من فلسطين وفي منقارها غصن الزيتون ... يهاجمنها الغربان السود ليسقطوا منها غصن الزيتون ثم يغتصبونها..
وإن سارت الحمامة مشياً ، لتتجنب الغربان السود أتوها الثعالب الغادرة واغتصبوها وهي بلا حول أو قوة ..
طارت الحمامة بعيداً.. وأصبحت تتنقل من بلد إلى آخر تستنجد بأي أحد تراه في طريقها ليعيد السلام والحياة لفلسطين ...
لقد كانت الحمامة حزينة مكسورة فهي قد تركت روحها في فلسطين ، روحها التي لا يمكن أن تعود لها حتى لو سافرت إلى أقاصي الدنيا .
سافرت الحمامة إلى مصر فالعراق فليبيا ، واستنجدت بمن هناك فقالوا لها " لا تشكي لنا ولا نبكي لك ، فحالنا ليس أفضل حال منك" ، و عندما وصلت سوريا تم اغتصابها من حمامات سوداء عيونها حمراء تطلق على نفسها اسم "داعش" ..
عندما لم تجد أملاً عند أحد، عادت الحمامة لتحاول الدخول إلى فلسطين فحاولت مراراً وتكراراً، وفي كل مرة كانت تغتصب وتُهان وتطرد ..
كانت تدوس على كبريائها وكرامتها من أجل أن تدخل أرض السلام ، دون أن تحقق نتيجة ودون أن يلقى لها أحد بالاً ..كانت الحمامة ذي جمال حزين وعطاء متوهج و كانت تعاني وجعٍ ما بعده وجع..
مع مرور الأيام والسنين .. أصبحت الحمامة البيضاء سوداء ، سوداء بفعل الكراهية والعنصرية والحقد الذي لاقته من الغربان والثعالب .. سوداء بفعل الخذلان والخيانة التي لاقته من أخواتها الحمامات الرماديات، تلك الحمامات اللواتي لعبن دور القواد وباعوا الحمامة البيضاء بأرخص ثمن.
أصبحت الحمامة البيضاء سوداء تحمل في منقارها غصن زيتون محروق لونه أحمر ، تتنقل من وجهة إلى اخرى لتظهر للعالم ماذا حل في أرض السلام ... لتظهر للعالم ماذا حل بزيتون فلسطين هذا البلد الأمين .. لتظهر للعالم كيف تحولت من حمامة بيضاء إلى أخرى سوداء ..
كل هذا ولم يستجب أحد ، و أداروا ظهرهم حتى توصلت الحمامة إلى نتيجة مفادها أن الحمام الأبيض قد انقرض في هذا الزمان ..!
بعد كل هذا توجهت الحمامة إلى رام الله وروحها مغمورة باليأس والإحباط، وزارت قبر الشاعر الراحل محمود درويش ، وهي واقفة على قبره تأملت مقولته " وبي أملٌ يأتي ويذهب ، لكن لن أودعه" ، فشعرت بلونها يتغير ويقل سواداً ، وكأنها استعادت جزءاً من روحها ..
ثم توجهت إلى الأسد في عرينه .. إلى قبر الشهيد القائد ياسر عرفات ، فوقفت على قبره تشكو له ما حل بالبلاد من بعده .. ولم تتماسك نفسها وانهمرت دموعها بغزارة ..
في الأثناء مر بها بعض الصقور ، في الوقت الذي كانت قد يأست من البحث عليهم ، وشكت لهم مرارة الحال وقسوة الواقع ..
قال لها أحد الصقور : "لا تحزني أيتها الحمامة .. فلكل ظالم نهاية وعاجلاً أم آجلاً.. سيأتي يوم الغربان والثعالب..سيأتي اليوم الذي يخرج فيه بين أشجار هذه الأرض صقوراً لتنتقم لشرفك وتفترس إرهابهم وبطشهم ويعيدون غرس أغصان الزيتون والتين في أرض فلسطين..

سيأتي اليوم الذي تحلقين فيه أيتها الحمامة في سماءك فلسطين .. وترتوي من ماء بحرك يافا ... وتستلقي على قبتك يا أقصى..
لن تطول عذاباتك أيتها الحمامة .. لن يطول زمن الثعالب و الغربان ... لن يطول زمن البطش والإرهاب ................. هذا عهد الصقور لك .."
بعد أن سمعت الحمامة كلمات هذا العهد ،عادت الحمامة كما كانت حمامة بيضاء ، وكأن سحراً حل بها ، وعادت تغرد ألحان أغنية موطني من وسط مخيمات اللجوء، لتأكد أن الأمل هو سلاح لا يمكن أن يُهزم ..

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة