الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 04 / مايو 10:01

رسائل عبر الريح/بقلم:أسيل منصور

كل العرب
نُشر: 22/10/15 10:35,  حُتلن: 13:17

في بيت المسنين الذي بدأت أعمل به في المدة الأخيرة يسكن رجل عجوز ابن ثمانين عاما.. مبتور القدم.. رث الملابس.. أشعث الشعر.. لا يتقن العربية ويتواصل مع الطاقم بالإشارات وبلغته الأم التي يعرفها قسم من العاملين..
عندما قمت بفحصه لأول مرة تحريت عنه وعرفت أنه كان كاتبا في السابق وأنه نشر عدة روايات اكتسحت السوق في حينها ،لاقت رواجا بين القرّاء وترجمت لعدة لغات منها العربية .
ومنذ أن علمت ذلك حفظت له مكانة خاصة في قلبي ،زاد تقديري له وأحطته بعناية خاصة .بالأخص لاني كنت أعجبه أيضا فكان كلما دخلت القسم يلاحقني بنظراته ويلقي لي بكلمات الغزل بلغته والتي كانت تترجمها لي جارته وهي تضحك،فكان يرسم الابتسامة على شفتي.
وفي أحد الأيام كنت في دكان الكتب المعهود الذي كنت مدمنة على دخوله فراودتني نفسي أن أبحث عن روايات لقاطن بيت المسنين وبعد أن فتّشَتَ البائعة مليا وجدت رواية واحدة قديمة بعنوان "رسائل عبر الريح " وهي آخر رواية للكاتب .قفزتُ من شدة الفرح ..دفعت ثمنها وخرجت مسرعة للمكتبة العامة حيث كنت أهرب أحيانا من شوشرة الحياة لألتهم الرواية ..
على الغلاف أطل اسم العجوز بالإضافة إلى اسم أنثوي رافق المؤلف في الكتاب ..قلبت الصفحة الأولى والثانية والثالثة ووجدت بها مقدمة كتبها المترجم وفهمت منها أن المؤلفة التقت المؤلف في حفل توقيع رواية جديدة تخصه وبعد أن وقع لها الكتاب وقد كانت آخر الحاضرين دعته لفنجان قهوة فلبى الدعوة رغم أن الوقت كان متأخرا وفي المقهى سرت ذبذبات بين الاثنين وتوافقت روحيهما واقترحت هي عليه أن يكتبا رواية سوية فقد كانت لها محاولاتها في الكتابة أيضا فوافق هو على الفور واقترح أن يتم الأمر عبر رسائل يتبادلانها عبر البريد ..وفي كل رسالة كانت العلاقة بينهما تتوطد أكثر فأكثر واشتعلت جذوة الحب بينهما عبر الكلمات اللاتي أحسنا استخدامهما فكانت كمشرط العمليات تقطع المسافات بينهما وتختصرها لتقرب بينهما ..وكانت الرسائل تتوالى والرواية تأخذ هيئة وشكلا ثم اتفقا على اللقاء لأخذ قرار فيما يتعلق بنهاية الرواية ..وحضّر هو نفسه وعقد العزم على أن يطلب منها الزواج وانتظر لحظة اللقاء بشوق ..وفي نفس المقهى جلس هو ينتظرها ومرت الساعة تلو الساعة وشريكته لم تصل ثم علم في الغد بأنها فارقت الحياة بحادث طرق، فوقع عليه الخبر كالصاعقة ولم يعرف كيف يمكنه العيش من غيرها فقد اعتاد وجودها في حياته وبعد فترة من الأسى عاشها من دونها قرر العودة للرواية ونشرها كما هي من دون نهاية ولم يتزوج هو أبدا وكلما كان يشعر بالشوق لها كان يعود لرسائلها ويعيد قراءتها وهنا انتهت المقدمة ..
عدت لبيت المسنين في اليوم التالي وتوجهت إليه وناولته طردا أعددته له ..فتحته من أجله بعدما أشار أنه يصعب عليه ذلك وأعطيته محتواه ..لمس العجوز الكتاب وقد كان كتابا ..قرأ العنوان بصوت مرتفع وضج في البكاء .. من شدة تأثري بالقصة الحزينة قمت بالبحث في أكثر من مكتبة حتى وجدت له الكتاب بلغته الأصلية ..بعدما هدأ قليلا وجه إليه نظرة كلها امتنان وشكر .ربتت على كتفه ومضيت في طريقي ..

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة