الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 00:02

حول أدب الأديب محمد نفاع- تاريخٌ يختصرُ نضالا في جريدة!/ رجاء بكريّة

كلّ العرب- النّاصرة
نُشر: 22/10/15 07:53,  حُتلن: 07:54

 
"..فسرّ هذا الرّجل تُغذّيهِ قدرتهُ التّلقائيّة على التّواضع حين يُرهِفَهُ إطراء، واعترافاته المباشرة بأثر النّقدِ على تجدّده، وأنّه لا يزال يُجرّب. فكم من أدباء اليوم ممّن يدّعون القصّة، ويجرؤون على الرّواية يقوى عليهم التّواضع؟"

يعيد التّاريخ مجده حين نمتلك من الشّجاعة ما يكفي لنصادق على ذاكرة من سبقَنا إلى صناعته، وتأصيلهِ في حنجرة الذاّكرة لتظلّ تغنّيه ما عاشت. وأضيفُ إليها، أنّ دواعي فخري تطالُ عوالمَ حينَ أسجّلُ ملاحظاتي في ظاهرة أدبيّة صنعت سجالا تاريخيا مشرّفا في الأدب الفلسطيني، الرّوائي والقصصي، لفلسطينيّي ال 48 على حدّ سواء. أورد كلماتي هذه وسط اشتعال الذّاكرة بالكلام والدّم، والثّرثرة الثرّة الّتي تمسح أبعاد حكايا لوّنت ما نكتبه بحلُمِ البقاءِ والعودة، والنّضال. يوميّات الدّمِ الّتي تسجّلنا هذه الأيّام كشعب، قاصفة القلب، لا تثنيني عن اختصار المرحلة بأحد الوجوه الفلسطينيّة المشرقة.

ودواعي فخري تلك، تريد أن تضع شخصيّة محمّد نفّاع في صدر المصداقيّة الّتي يحتفي بها كُثر في شخص أديب، والأدباء قلّة في عقد وفاق حول مشروع ألق. لكنّ نجاحنا في الإحتفاء بها كظاهرة تعني أنّنا لا نزال على قيد الأدب، ونثره العقيق. وأنا لا أبخس من قدر الأدب ولا الذّهب حين أقول أنّ سِرَّ نفّاع يعيش في ذَهبهِ المكنون، وهو ما يمتلكه أديبٌ ليبهر مُتابعيه. فسرُّ هذا الرّجل تُغذّيهِ قدرته التّلقائيّة على التّواضع حين يسمع إطراء، واعترافاته المباشرة بأثر النّقد على تجدّده، وأنّه لا يزال يُجرّب. فكم من أدباء اليوم ممّن يدّعون القصّة، ويجرؤون على الرّواية يقوى عليهم التّواضع؟ فالبعض لا يملك من سرّ الكتابة القصصيّة أبجديّة تسجيليها ممثّلة بلحظيّتها أو عمرِ بُرعمها، ورغم ذلك يعلنُ سيادته عليها. عين الشّيء في الكتابة الرّوائيّة، فالبعض سلخ عملا كاملا من أصوله العكّاوية، ونسب فكرته بكلّ بساطة لفكرهِ الخلّاق، ولا يعترف بكمّ الكلام والملامح الّتي ألقاها في عيون شخوصه من الأصل الّذي جزره ودبَّقهُ فَراشاً بين سطوره! وكُثُرٌ أصبحوا أسيادا على حطبِ الكلام، أو قشّه، وهؤلاء لن نضيع جوهرة كلامنا فيهم. فالجواهر "بالعادة" تُنسب لمن يحتفظون بلمعانها، وليس لصانعيها. هكذا فهمتُ سرّ الجواهر في الحياة، ولذلك انشغلتُ لفترة طويلة بتلميع كلّ ما يعيش في بيتي لأشمّ رائحة نظافة موضعيّة على المساحات البيضاء حين انتشر شياطها في كلّ مكان، وأصبح من غير الممكن السّيطرة على دخانها. لكنّي بعد كمّ من عبور الزّمن فهمتُ أنّ الغبار اختبار الرّؤية، والتّحدّي الأكبر أن يقبض اللّمعان على أنفاسك رغم الغبار.

وهذا اللّمعان الّذي أُعلنُهُ الآن، رأيته في مواقف كثيرة تحقّق فيها أديبنا. بدء بقراءته، تصريحاته، وفي حنّاء التّراب الّذي يعرفه الفلّاح أكثر من سواه، وهو البعض الّذي تشترك أصولي معه في الحفاظ عليه. فأن تكون فلّاحا في نصّك حِرفة يتقنها قلّة من أصحابها، وموهبة يخلقها المكان فيك، وتدرج عليها السّليقة. فأدب محمّد نفّاع يحتفي بشخوصه الفلّاحيّة على نحو يثر غيرة القارىء. وقد أسوق في هذه المناسبة أنّ أحد النّقاد عيّرني بمزحة، فهمت لؤمها حين أصرّ عليها، "أنّي فلّاحة" واعتقد أنّي سأثور عليه، لكنّي ابتسمت، وقلت، "يا سيّدي لولا أنّي فلّاحة لما سمعتَ بي أصلا" أذكر الحادثة الّتي مرّ عليها ما يزيد عن خمسة عشر عاما بقليل، كأنّها الأمس. وأتذكّر سمرة التّراب في ردود فعل نفّاع، ابتسامة سطوره، وفوح كلماته فيخيّل إليّ بأنّه يضع البذار بين السّطور مكان الكلام بذات اليسر لفلّاح لجم مماحكات الرّطوبة للتّراب.

وإذا تحتفي الإتّحاد بانحياز محمّد نفّاع للأدب تتويجا للمراكز الّتي شغلها في خدمة شعبه على مدى السّنوات الكثيرة الماضية، فلأنّ تاريخ أصولها أبلى بلاء لم تخُضه سائر المنابر الإعلاميّة في ترجمة صوت الفقر والإستلاب والإحتلال، والقهر، ونضالاته لما يزيد عن قرن من الزّمان، وأقصد منذ بوادرها الأولى.

لن تخسر السّياسة، لأنّها تسجّل هدفا في مرمى الأدب الفطري الحُر، شأن القرنفل الحر في مباخر الطّوابين الأصيلة. تهانيَّ للإتّحاد، لجريدة غنّت الهويّة وأغنت الإنتماء على احتفائها برجالها، فالإحتفاء ضرورة في مدّ صرح الوفاء، للأصالة والإنتماء، وأنتم لها!

حيفا

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة