الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 06 / مايو 13:02

قصائد/ بقلم: أسيل منصور

كل العرب
نُشر: 19/10/15 20:46,  حُتلن: 13:48

سأحيا من أجل الموت

كان يوما اعتياديا كأي يوم ..استيقظت في الصباح ..ودّعت زوجتي وأبنائي وتوجهت للعمل .
لم يكن ليخطر أبدا ببالي أن اليوم كان سيحمل معه رياح مفاجأة عظيمة وأن أحداثه ستقلبني رأسا على عقب ..مرت الساعات في العمل مملة روتينية رتيبة إلى حد قاتل ..تناولت الفطور الذي حضرته لي قرينتي وتحدثت مع زملائي عن أخبار الساعة وبعد انتهائي من واجباتي جلست في مكتبي الصغير أتصفح جريدة البارحة ..كان هذا طقسا يوميا اعتدته وكنت أطبق فيه القول الشائع لا تبك على حليب سُكِبَ أبدا وأسعدني أن العناوين التي تحمل أخبارا سيئة هي من الماضي وأن تأثيرها على الحاضر يتلاشى شيئا فشيئا ..خرجت من الشركة واستحضرت أمامي مكان سيارتي فقد كانت قدرة الذاكرة عندي ضعيفة وقد نصحني أحد الأطباء على استعمال الذاكرة البصرية لأتملص من صعوبات التذكر ..وأنا أمشي رأيت أحدهم يقف أمام السيارة ويلوح لي فتبادر إلى ذهني أنه أحد العاملين يحتاج إلى توصيلة فلعنت الساعة التي خرجت بها من العمل ..كنت رجلا في السادسة والخمسين لم يهوَ الاختلاط بالغرباء ولم يحبذ وجودهم معه ..
تابعت المسير بحنق حتى وصلت إلى وجهتي القريبة ووجهت كلامي إلى الرجل الذي بدا من قريب فاحش الثراء وسألته إن كان يحتاج خدمة ...
وجه إليَّ الكلام :
-هل أنت المدعو فلاني ؟
أجبته بإيجاب وتساءلت عن سر لهجته وعلمت منها أنه من منطقة بعيدة.
-أحتاج التكلم معك بأمر مهم ،هل لديك بضع دقائق ؟
سألته عن هويته فرد علي بأنه محام من العاصمة جاء إليَّ بمهمة تنفيذ وصية لشخص أوكل إليه إياها قبل رحيله ..
اتفقنا على الجلوس بالسيارة وبدأ الفضول يلتهمني لسببين أحدهما كان أني أردت أن أعرف من المتوفى لأنه لحد علمي لم يمت شخص له صلة قرابة لي والسبب الثاني كان فحوى الوصية وإن كان سينجم عنها ربح مادي لا أحتاجه فالحالة ميسورة والحمد لله ...
لم يخلد بذهني أن الموضوع خطير وأني لن أعود كما كنت بعد تنفيذ الوصية ..
في السيارة ، ناولني المحامي ظرفا وصندوقا خشبيا احتضنتني رائحته الغارقة بعطر الورود .
وقال اقرأ ..
ولكنني ترددت كمن بدأ يعرف عن سر الوصية فالعطر أيقظ حواسي وأرجعني لزمن بعيد التقيتها فيه وبدأ قلبي يخفق بشدة وفتحت الظرف ببطء وبحرص تامّ على ألا أمزق خطأ محتواه...
يا الهي تساءلت ..أيعقل حقا بعد كل هذه السنين؟! واغرورقت عيناي بالدموع ولم يهمني أمر الغريب الجالس بجانبي فقد كنت في موقف لا أحسد عليه وبدأت أشعر بعظم المصيبة ...
"عزيزي حبيبي قلبي كبدي وكل ما لم تشأ !!أنا حتى لا أعلم كيف أناديك فأنت لم تكن ملكي ولن تكون يوما ..إن كنت تقرأ كلماتي فاعلم أني فارقت الحياة بصمت من دون أن أخبرك عنّا ..لقد كنّا دائما معاً نحيا سويا نختلف قليلا نتشاحن كثيرا ونرجع لسبيل العشق ..لا تقلق فأنت لم تُجَنّ بل أنا التي جننت منذ قابلتك ..لم تكن تعرفني ولم تُبْد بي اهتماما أما أنا فقد وجدت فيك عالمي وأبحرت كل يوم معك في أزقة الكون وحياتي بفضلك لم تكن مملة يوما فأنت غذيت شراييني بغرام مشوق في كل يوم مضى مُذ عرفتك ...لقد تزوجنا عشرات المرات في قصص عديدة ..لا لست مجنونة إلى هذا الحد ..ورجاء لا تتوقف عن القراءة وتحمّلني قليلا فأنا لدي اعتراف أتجرأ على البوح لك به الآن بعد أن حررني الموت منك ..لقد كنتَ مرضا مزمنا لم تنفعني أمامه كل حلول الطب ..أحببتك عشقتك وحييت سنين وأنا أكتم الأمر لعلمي بأن غايتي مستحيلة والآن أصبحت حرة وبينما تطير بك كلماتي إلى سرّ حياتي أكون أنا قد تعقلت فالموت كما تعلم عتق من لوعة الهيام ..كنتَ لي ليلى وكنتُ قيس البعيد ..سأقرُّ لك يا سيدي بأحجية تساءل عنها كل من عرفني ..من يا ترى مُلهِمي ومن يا ترى أقصد بكل ما أكتب ولمن أوجه حديثي في كل رواية وفي كل قصيدة والآن حان الوقت لتعلم بأنك جعلتني كاتبة أفضل ويمكنني أن أقول لك بصدق أن كل قصائدي تستهدفك وأنك كنت المقصود ..
لقد أحببتك ..لكن لكل شيء نهاية إلا الأدب فإنه سيحيا وبما أنك لا تهوى القراءة فقد سجلت لك بصوتي كل القصائد والروايات والمسرحيات التي أهديتك إياها بقلبي.. قد تتساءل لم عشقتك أنت بالذات ولم جعلت منك محورا أدور حوله بكلماتي وألفظ كل يوم يمضي روحي لأنه من دونك ...ولكن مهما حاولت أن أشرح فلن تعلم ما الخاص فيك أهما عيناك العربيتين ..أهو شخصك المتقلب المزاج المبتسم دوما رغم ذلك ..لا هذا ولا ذاك سيدي بل إن الأمر يتعلق بمن جعلتني أكون بسببك ..أتعلم أني كنت أصبح أجمل حين أراك وأنا لم أكن أعرِّف نفسي على أني جميلة ولم أقبل أي إطراء يتعلق بشكلي في كل حياتي ..جعلتني فاتنة محبة للحياة متحررة من أي قيود ..علمني وجودك أن للحياة شكل وهيئة وأني كلما تجرعت العلقم بغيابك سأكتب أفضل ..أنت يا سيدي جعلتني كاتبة مشهورة مرموقة يشار لها بالبنان ..
لن أطيل عليك ..أعلم أنك لم تكن تعلم وأنك زوج مخلص وأنني لم آمل يوما أن تحبّني فأنا كنت مجرد ظل في حياتك ..ظل لم تعلم بوجوده أبدا ولا بأس بذلك ..لكن أحببت أن أشكرك حبيبي فأنا سأحيا إلى الأبد في قلوب قرائي وكل هذا بفضلك ..
سأهديك روايتي الأخيرة وفيها أحداث جمعتنا أحداث فرقتنا وفيها قصتي معك التي لم تحدث قط ..
لك حرية التصرف بالرواية التي ستحصد الملايين إن نشرتها وإن لم تفعل فهي ملكك منذ الآن..."

أنهيت الرسالة ولم أتمالك نفسي وجهشت بالبكاء ..لقد كانت هي أيضا تحبّني ولم تتح لي الفرصة أبدا لأقول لها كم أكنّ لها من المشاعر ..أنا عاشق لها منذ اليوم الأول لكن كنت أخفي الأمر أيضا ...لقد كنت أقتني كل مؤلفاتها وأتابع أخبارها بانتظام حتى الآونة الأخيرة التي انقطعتُ عن ذلك لعلمي بأني أعيش وهما .. ولطالما تساءلت عن سبب عدم ارتباطها ...ولكم كتمتُ من المشاعر المكبوتة حتى أمست الحياة مُرّة.. لكن الآن الأمر مختلف ..
لقد تركتني لكنّها أبقت لي أجمل هدية ..قسما من روحها سيحيا معي منذ اليوم واعترافها برغم أنه جاء متأخرا جعلني من أسعد البشر ...لقد ربطتنا الكلمات بقيد سرمدي وإن استولى عليها التشاؤم وظنت أن الموت سيفرقنا فأنا سأحيا أنتظر أن نجتمع يوما في ظل الموت المحتم كالعشق بيننا ...
نعم ..سأحيا من أجل الموت ...

حيفا

على شاطئ البحر في حيفا وقفت وتابعت السفن البعيدة وهي تبتعد أكثر فأكثر فآلمتني المسافات التي تفصلني عنه..هو رجل ككل الرجال ولكن فيه من التناقضات ما لا توجد في العادة بأي رجل فهو شاعر له قيمته الأدبية والشعراء كما كنت أعلم لا يمكن حصرهم بإطار فهم عبيد للحرية وإن سجنوا فسيذون وتذوي معهم موهبتهم..

قلبه كان مفتاحا لكنوز أدبية تابعتها بانتظام وإن قلّت في فترة معينة لأسباب لا أعلمها..مشيت على الشاطئ وأنا أبحث عن شيء خاص فقد كانت هوايتي جمع الطوابع والأشياء النادرة ولربما كان في هذا سببا مهّد لكل ما اعتراني بعد رؤيته لأول مرة.

كان يمشي بسرعة فائقة ولم لا وهو يعرف وجهته في الحياة وقد حددها من قبل سنين وحارب من أجل أن يصل إليها وكان يمضغ العلكة بلا مبالاة..نظرت إليه وعرفت هويته من هيئته ومن لغة جسده وبدأ كل شيء يتغير وتذكرت من كتب لي أول تعليق في موقع نشرت فيه قصيدة بائسة ومن دون أن أعرف لماذا ربطت بينه وبين صاحب التعقيب بل وتيقنت من الأمر لشعور داخلي وبدأت رحلة البحث عنه وكنت أجد تعليقاته القليلة بكل سهوله فكأنما رؤيته جعلتني أقرأه وأميز أسلوبه عن الجميع ..

هو صاحب فكاهة وأسلوب أدبي متهكم بل وقاس في بعض الأحيان ولم لا وهو ملك في عالم الأدب ..في مرة تجرأت أن أكتب له ردا على تعقيبه وحين التقينا في الغد حاول أن يعرف بطريقته إن كنت من رد عليه فكأنه شك في أمر براءتي المفتعلة ولا أدري كيف عرف رغم أني استعملت اسما مستعارا كما يفعل فرمقته بنظرة أفصحت له عن كل ما أخفي بلا كلام لكنه لم يبادلني النظرة بنظرة مشابهة فأسفت على أن الحب جاء من طرف واحد.لم ألُم نفسي أبدا على اعترافي ولا على أني عشقته فكيف لي ألا أغرم بشخص قرأت كل أشعاره وتعرت روحه أمامي لأراها على حقيقتها شاعرية وواقعية في ذات الآن محبة وكارهة ،سعيدة ومتألمة ،حرة وملتزمة وكم فضلت له قصيدة قصيرة أحفظها عن ظهر قلب تساءل فيها عن كنه الحب فلكأنه لا يدري رغم خبرته ما الحب وليته سألني يوما لأقول له أن الحب هو ما يجمعني به ..

سر وجوديّ يجعل الواحد يستشعر بوجود الآخر في أي مكان ..هو الصدفة التي جمعتني به حين التقينا في الموقف وكم حسبت الأمر من ناحية منطقية ولم أجد لها تفسيرا فإني إن كنت تأخرت لدقيقة لم أكن لأراه وإن هو لم يدفعه الفضول للنظر في اتجاهي الذي لم يكن في ناحية وجهته لم يكن ليراني ..

ومضت الأيام وعييت مجددا بسببه واختفيت لمدة حتى أقلع عن حبه لأن الأمر قد بدأ يتوضح للجميع فأنا شفافة بطبيعة الحال وتتأثر صحتي بصحة مشاعري وقد شك من حولي بالأمر وتساءلوا لم يعود لها المرض بنفس أعراضه مجددا لكني كنت ممثلة بارعة أخفي حزني بضحكة لم تصل لعينيّ وكنت أكذب على الجميع وأحاول النسيان ونجحت في ذلك عبر كلمات صغتها وروايات قارصة البرودة قرأتها ذكرتني بأن الحياة ليست عادلة..

اليوم هو بعيد وأنا أشق طريقي في عالم الكتابة ومؤخرا استطعت كتابة نوع أدبي مختلف يساعدني على الشفاء منه أكثر عبر الكلمات ..لم نعد نلتقي وليس هناك أمل بأن نلتقي فقد غيرت مكان عملي لأبتعد عنه وإن كنت ما زلت أقرأ تعقيباته وأبتسم حين أجده في موقع أو بآخر ..

حيفا وحيدة أيضا فهي لم تتزوج أبدا من محبيها الكثر وظلت تحافظ على جمالها لحبيب لا أعلمه وسأقتدي بها حتى نلتقي ...

الحب

على ضفاف قلمك استوقفتني قصيدة
عن الحب كيف يكون حرا أم عبدا فريدا
فعبرت بحر حبك لأحمل لك جوابا ونشيدا
فغرقت لست أدري ما اجترحت من أخطاء عديدة
أنت في راحة البال تسعى وأنا في الفنا فقيدة
الحب يا سيدي حر ما زال بعيدا
وإن سكننا فهو الموت بذاته لا تعلم له مصلا مضادا سما مداويا أو فلقا جديدا
الحب هو السجان إن كنت أسيرا 
هو الطحان إن كنت سنابل كانت خضراء في الأمس سعيدة
الحب هو المخدر الذي تقبله مكرها وصديده
الحب حجر صحي عن الحياة الهانئة 
ولكن نقبل أن نكرره نعيده
الحب هو ما أحمل له من أسوار تحرسه من الأعين وتفيده
سلني ما الحب مجددا ؟!
الحب هو دموعي تهبط من سماء عينيّ الفسيحة
وقد اكفهرت للفراق
واضمحلت للبعاد 
واشتاقت إليه بعد المعاد 
فإلى السهاد....

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة