الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 23:01

لماذا الآن؟ السؤال وبطلانه / بقلم: د. جوني منصور

كل العرب
نُشر: 12/10/15 10:40,  حُتلن: 18:27

د. جوني منصور في مقاله:

لا جدال لدينا حول كون المسجد الأقصى خط أحمر عريض جدًا بالنسبة للشعب الفلسطيني وللعرب والمسلمين في العالم

التصعيد الاسرائيلي الذي يشهده الوطن ناتج من أسباب عدة، سنحاول التعرض إلى بعضها لفهم البوصلة التي تسير بموجبها هذه الحكومة وتداعياتها

تحمل كل حكومات اسرائيل في فكرها وطروحاتها أساسًا مشتركًا وهو كيفية التخلّص من العرب الفلسطينيين الباقين في وطنهم في الداخل، وأيضًا الباقين في الضفة الغربية وقطاع غزة

وفق التجارب التاريخية لشعوب اخرى، ووفق ما عاشه ويعيشه الفلسطينيون في الاراضي المحتلة وفي اسرائيل فإن تطبيق المزيد من القمع لن يزيد المقموع إلا صمودا، ومزيدا من الوثوق بصدق وعدالة قضيته ومطالبه

كل هذه التراكمية دفعت بالفلسطينيين في طرفي الوطن إلى الخروج في مظاهرات وإعلان الإضراب ليس فقط احتجاجا، إنما للتعبير عن الحق الانساني في العيش في الوطن بكرامة، لأن هذا هو وطن الفلسطينيين وليس لهم وطن آخر سواه

أرفض الطروحات التي يروج لها بعض المحللين والسياسيين بأنه لا بوصلة لحكومة نتنياهو، أو أنها تفتقر إلى استراتيجية. الواقع أنها من أكثر الحكومات التي تعمل وفق استراتيجية واضحة المعالم

السؤال : لماذا الآن؟ يفقد من معناه بالنسبة للفلسطينيين في الداخل وفي الاراضي المحتلة ما دام الظلم قائما. فحيث الظلم لا يُسأل مثل هذا السؤال مطلقا

إن الأحداث الأخيرة التي تعصف بالوطن بكافة مناطقه، ليست وليدة الساعة أبدًا. فأسبابها كثيرة جدًا ومتنوعة وتشمل توجهات مختلفة. فالناظر إليها بعين آنية يعتقد ان المخطط الاسرائيلي متمحور في الاستيلاء على الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك، وتحويله إلى مشاركة يهودية زمانية ومكانية مع المسلمين أصحاب الحق الأول والأخير فيه. ومهما أدعى نتنياهو أنه يسعى للحفاظ على الستاتوس كفو(الوضع الراهن)، إلا أن ما يجري في الحرم الشريف هو تأكيد لسياسة السيطرة عليه.

لا جدال لدينا حول كون المسجد الأقصى خط أحمر عريض جدًا بالنسبة للشعب الفلسطيني وللعرب والمسلمين في العالم، إلا أن التصعيد الاسرائيلي الذي يشهده الوطن ناتج من أسباب عدة، سنحاول التعرض إلى بعضها لفهم البوصلة التي تسير بموجبها هذه الحكومة، وتداعياتها.

تحمل كل حكومات اسرائيل في فكرها وطروحاتها أساسًا مشتركًا وهو كيفية التخلّص من العرب الفلسطينيين الباقين في وطنهم في الداخل، وأيضًا الباقين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولتطبيق هذه العملية تطور اسرائيل أدوات سيطرتها وهيمنتها وقمعها. فمن مخطط الفصل العنصري بين الاسرائيليين والعرب في داخل فلسطين 48، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح عبر الطرقات الالتفافية والجانبية للعرب وأخرى للمستوطنات في الداخل... إلى فصل في الاحتكاك اليومي المباشر، إلا في قضايا محدّدة للغاية. وسعت ولا تزال حكومات اسرائيل إلى مزيد من الفصل في ميادين أخرى. أضف إلى المخطط الاقتصادي بعدم تطوير القرى والمدن العربية للإبقاء عليها مرتبطة كليًّا بالاقتصاد اليهودي في مدن ومستوطنات مجاورة. والتضييق في سياسات قبول الطلاب الجامعيين للدراسة في الجامعات في اسرائيل، مما يضطر الطلاب وأهاليهم إلى تخصيص ميزانيات كبيرة من مدخول العائلة لتعليم الابناء خارج الوطن.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى التضييق في فرص العمل وتوفير مثل هذه الفرص. ويشهد على ذلك قلة الاكاديميين العرب الفلسطينيين في الجامعات في اسرائيل، وقلة، بل غياب في كثير من الأحيان، لطواقم الادارة والتفعيل في الجامعات، أعني سكرتارية وأمانة عامة وغيرها... ما تحاول حكومة اسرائيل القيام به، هو عزل العرب الفلسطينيين عن الاحتكاك المباشر مع المجتمع اليهودي في اسرائيل، وبالتالي إلى توجيه المجتمع اليهودي عبر منظومات التربية والتعليم والاعلام والنشاطات الاجتماعية والفكرية والثقافية بما يتناسب وتوجهات الحكومة السياسية. وللتوضيح فإن الاعلام في اسرائيل يعمل بقوة على توجيه المتلقين من الشعب الاسرائيلي لسياسات الحكومة دون معرفة الخلفيات والأسباب وسط تشويه وتزوير للحقائق. وهنا تنطبق على هذا المجتمع نظرية "القطيع". وتفيد هذه النظرية بسيطرة وهيمنة اجهزة الدولة ومؤسساتها ومنظومات تعمل وفق اجندة الحكومة كالاعلام، لصالح تطبيق سياساتها القمعية، وبالتالي يسود الاعتقاد لدى مواطنيها الاسرائيليين بأن ما تقوم به الحكومة هو الصحيح، وان لجوئها إلى القمع والقتل هو حق قانوني باسم مواجهة الارهاب، وان الفلسطيني هو شيطان ويتوجب تصفيته، ليبقى الجو سالما لعيش اليهودي في اسرائيل.
إن عملية عزل المجتمع العربي الفلسطيني في اسرائيل أصبحت واقعا ملموسا، وسط إهمال شبه تام من قبل رئيس الحكومة الذي من المفروض في اي دولة صحيحة أن يمثل كافة شرائح مجتمعه على أسس المواطنية، ووسط تطبيق مخططات قمعية رهيبة لترهيب الشباب الفلسطيني من التعاطي بالسياسة الوطنية...

لكن، ووفق التجارب التاريخية لشعوب اخرى، ووفق ما عاشه ويعيشه الفلسطينيون في الاراضي المحتلة وفي اسرائيل فإن تطبيق المزيد من القمع لن يزيد المقموع إلا صمودا، ومزيدا من الوثوق بصدق وعدالة قضيته ومطالبه.
إزاء هذه الرؤية، فإن الفلسطينيين في الاراضي الفلسطينية المحتلة يقاومون الاحتلال وأدواته وتطبيقاته على الأرض وخاصة الاستيطان وجدار العزل العنصري ومصادرة الاراضي واقتلاع الاشجار وجرف الاراضي، ومنع التنقل والتحرك بحرية في الوطن، ألخ... وإلى جانب ذلك يواجه الفلسطيني في اسرائيل سياسات حكومته(!) بأدوات مقاومة تعبيرا عن سخطه من سياساتها تجاه شعبه القابع تحت نير الاحتلال البغيض، وأيضا تعبيرا عن موقفه من سياسات هذه الحكومة تجاهه بكونه مواطنا يطالب بالمساواة والعدالة بكافة مركباتها، وهي غائبة أو مغيبة عن حيزاته الحياتية.

كل هذه التراكمية دفعت بالفلسطينيين في طرفي الوطن إلى الخروج في مظاهرات وإعلان الإضراب ليس فقط احتجاجا، إنما للتعبير عن الحق الانساني في العيش في الوطن بكرامة، لأن هذا هو وطن الفلسطينيين وليس لهم وطن آخر سواه.

من هذا المنطلق يلتف الفلسطينيون حول بعضهم البعض، واضعين جانبا كل خلافاتهم العقائدية والسياسية، معلنين أنهم ضد الظلم اللاحق بهم، وضد السياسات القمعية... ومطالبين بالحقوق المشروعة سواء للشعب العربي الفلسطيني في الاراضي الفلسطينية المحتلة، أو بالحقوق القومية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها للفلسطينيين في الداخل.

إنني أرفض الطروحات التي يروج لها بعض المحللين والسياسيين بأنه لا بوصلة لحكومة نتنياهو، أو أنها تفتقر إلى استراتيجية. الواقع أنها من أكثر الحكومات التي تعمل وفق استراتيجية واضحة المعالم. ومن يدفن رأسه كالنعامة في الرمل هو الذي لا يعرف كنه الحقيقة والواقع. فهذه الحكومة قد نقشت على رايتها شعار أرض اسرائيل الكاملة(كالحكومات التي سبقتها)، ولا للدولة الفلسطينية، ولا لمواطنية الفلسطينيين فيها، وإلى مزيد من الإقصاء والعزل.
لهذا، ينتفض الفلسطينيون كل في طرفه سعيا وراء تحقيق حقوقه ومطالبه. والفلسطينيون في الداخل أصحاب حق مواطنة ويطالبون بالمساواة التامة على قاعدة المواطنة وليس أقل منها. وهذا يعني رفع اليد الظالمة عنهم وإعادة الاعتبار إليهم بكونهم مواطنين حقيقيين.
فالسؤال : لماذا الآن؟ يفقد من معناه بالنسبة للفلسطينيين في الداخل وفي الاراضي المحتلة ما دام الظلم قائما. فحيث الظلم لا يُسأل مثل هذا السؤال مطلقا... فالثورات والانتفاضات والاحتجاجات الفلسطينية كانت وستبقى حقًّا إنسانيا وقانونيا حتى دحر الظلم وبزوغ فجر الحرية والمساواة والعدالة. وبناء عليه يبطل طرح السؤال.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة