الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 05:02

إجهاض إيديولوجيا الممانعة بالاسلام


نُشر: 24/11/06 09:32

الخطر في تصريحات وزير الثقافة المصري، فاروق حسني، عن الحجاب، لا يكمن في هذه الجرأة التي يجدها البعض اليوم في البلاد العربية والإسلامية، للعبث بثوابت، الأصل أنها لا تمس في الدين الإسلامي. مكمن الخطر الحقيقي في مثل هذه التصريحات، أنها أصبحت تعبر عن نهج وتيار علماني راديكالي اكتمل تشكل ملامحهما.. معاديان لكل ما هو إسلامي.. ويجدان تأييدا ودعما لهما من قبل أنظمة أضحت تخاف التيارات الإسلامية، أكثر مما تخشى أن تفقد سيادتها لكيان أجنبي، أو أن تضع نفسها تحت جناح دولة غربية، حتى ولو كانت هذه الدولة هي إسرائيل. هؤلاء، أضحوا اليوم على قناعة، بأن الإسلام دين مهيض الجناح، لا يملك القوة للدفاع عن نفسه، فضلا عن أنه أضحى هدفا للحملة الأمريكية، تحت لافتة "محاربة الإرهاب". وبالتالي وجدوا فرصتهم التاريخية السانحة للتماهي مع هذه الحملة، والظهور بلبوس أعداء "الراديكالية الإسلامية". إنهم وبحق عملاء برسم التعيين. وبالمناسبة فإنه ينبغي أن يكون واضحا في ذهن الجميع، بأن المطلوب أمريكيا اليوم، ليس البحث عن "مسلم معتدل"، حسب التعريف الإسلامي، بل "مسلم معتدل" حسب التعريف الأمريكي.
ولذلك مثلا، تجد أنه هنا في أمريكا ذاتها، أين يوجد أكثر من سبعة ملايين مسلم، تصنيف غير معلن للـ"مسلم المعتدل". وهذه الخانة لا تشمل أولئك الذين يرفضون العنف ويعلون من شأن المواطنة الأمريكية فحسب، بل إنه وحتى تكون مسلما يستحق وصف "المعتدل"، فإنه ينبغي أن تكون ذو نظرة إيجابية نحو إسرائيل، وعلى علاقة طيبة ودافئة معها، فضلا عن أنه مطلوب منك أن تكون من أنصار إمامة المرأة في الصلاة، ومن مديني أي من حركات المقاومة الوطنية والإسلامية في بقاع العالم الإسلامي. وهكذا، فأنت تجد "إماما"، لم يعرف عنه العلم الواسع، ولا الفقه العميق، ولا المعرفة الموسوعية، مقدما في هذه البلد، وتكتب عنه التحقيقات الصحفية، ويرسل في مهمات ديبلوماسية إلى العالم الإسلامي، وذلك طبعا، بعد أن يكون قد نشر عنه تحقيق صحفي موسع في صحيفة أمريكية معروفة، لا ينسى أن يؤكد فيه على نظرته المحبة والمحترمة لإسرائيل، وبأنه يؤمن بحقها في الوجود والعيش بسلام، حتى ولو كانت واحدة من مستوطناتها، أو سمها مغتصباتها، إن شئت، مقامة على أرض آبائه وأجداده. وبالمناسبة فإن هذا المثال، ليس افتراضيا، وإنما هو حقيقة وقعت.
على كل حال، فإن الراديكالية العلمانية المعادية لكل ما هو إسلامي، التقطت هذا المؤشر في عالمنا العربي والإسلامي، وحسبت أنها بتماهيها معه ستكون في صف القوي، خصوصا وأن أنظمة ذلك الجزء من العالم-كما سبق القول-تخشى الإسلاميين أكثر مما تخشى أمريكا وإسرائيل. ومع إدراكها لهذه الموضوعة، أرادت تلك الفئة الراديكالية المعادية للإسلام، أن تجعل من نفسها رأس حربة في تقويض شعائر الإسلام وثوابته، مستفيدة في ذلك من الغطاء المعنوي والمادي الذي يقدمه لها الغرب تحت لافتة حرية التعبير، والتي لا يتم اللجوء إليها إلا حين يتم المس بالإسلام وأصوله. فيوما نسمع عن قيام جمعية للـ"مثليين" المسلمين، ويوما آخر نسمع عن موجة من النساء الأئمة في الصلوات. وفي يوم ثالث تخرج علينا موضة جديدة من رفض الحجاب الإسلامي وقيادة حملة من التشكيك به وبشرعيته. وفي يوم رابع نسمع عن صرعة جديدة متمثلة بتشكيل جمعية من قبل عرب ومسلمين للدفاع عن حق إسرائيل بحماية نفسها من "الإرهاب الفلسطيني". إنه نهج، غير معزولة عناصره وتجلياته عن بعضها البعض، من استعداء للإسلام والتطاول عليه، وتسلق أكتافه للوصول إلى غايات وأغراض شخصية دنيئة ووضيعة على حساب الإسلام وأمته.
وقبل العودة إلى تصريحات وزير الثقافة المصري، فإنه من المفيد التذكير هنا، بأن هذه التصريحات لم تكن معزولة عن سياق أوسع من الجدل حول قضية الحجاب. ففي تونس، صعد النظام من حملته على الحجاب الإسلامي بذريعة أنه "لباس طائفي"، ولا زالت فتيات تونس يمنعن من دخول مدارسهن وجامعاتهن إلا بعد أن يخلعن الحجاب. وفي المغرب، قامت الخطوط الجوية المغربية بالفرض على موظفاتها من النساء عدم ارتداء الحجاب، كما منعت الصلاة في مقار الشركة وأغلقت المصليات، ومنعت الطيارين حتى من صوم رمضان!. أما في مصر فقد تمّ حظر النقاب (غطاء الوجه) في عدد من الجامعات المصرية، أي أن هولندا لم تقدم على سابقة في انتهاك الحريات الشخصية. شخصيا لست من أنصار النقاب من الناحية الفقهية، ولكنه حق للمرأة المسلمة، ما دامت تؤمن أنه فرض من الله عز وجل عليها. وكما لا تثور ثائرة النظام التونسي، وأعداء النقاب في مصر على وجود نساء "كاسيات عاريات" (حسب مصطلحات الإسلاميين) في الشوارع (على أساس أن هذا ليس لباسا طائفيا!!)، فليس من حقهم منع فتاة ترى فيه (الحجاب) رمزا للعفة والرزانة. ولكن القضية بكل وضوح أوسع من مشكلة الحجاب أو حتى اللحية، إنها "عقيدة" جديدة لتمييع الإسلام وتفريغه من محتواه.
وعودة إلى تصريحات وزير الثقافة المصري، فاروق حسني. فهو اعتبر "أن الحجاب عودة للوراء". وقال إن "النساء بشعرهن الجميل كالورود التي لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس". وأنه: "لابد أن تعود مصر الجميلة كما كانت وتتوقف عن تقليد العرب الذين كانوا يعتبرون مصر في وقت من الأوقات قطعة من أوروبا". وقال الوزير: "إن الجرائم اليوم ترتكب باسم النقاب والحجاب". مضيفا: "العالم يسير للأمام، ونحن لن نتقدم طالما بقينا نفكر في الخلف، ونذهب لنستمع إلى فتاوي شيوخ بـ(تلاته مليم)".  وزعم: "إن ارتداء المرأة الحجاب لن يحمي الأخلاق". مشددا: "أنا شخصيا لا أفضل أن ترتدي المرأة الحجاب ولو كانت لي زوجة لمنعتها من ارتدائه".
وعلى كثرة ما في كلام حسني من مغالطات، من مثل أن الحجاب يمثل عودة إلى الوراء وبأنه ليس دليل أخلاق وعفاف، إلا أن أبرز ما قاله في هذا السياق أمران:
الأول: محاولته فصل مصر عن عمقها العربي والإسلامي، بقوله: "لابد أن تعود مصر الجميلة كما كانت وتتوقف عن تقليد العرب الذين كانوا يعتبرون مصر في وقت من الأوقات قطعة من أوروبا". إن هذا كلام ملغوم، وهو مطلب لعدد كبير من الأقباط، ممن لا زالوا يتحدثون عن العرب كغزاة، وعن المسلمين كمحتلين في مصر، مع أن نسبة المسلمين من شعب مصر تفوق ألـ93% من السكان. نعم، إن ثمة من يدفع باتجاه تحويل الإسلام والمسلمين في مصر إلى أقلية مقموعة معزولة مجوفة، ليس بالضرورة من حيث الأعداد، ولكن من حيث التأثير والوزن.
الثاني: في حين يسعى حسني إلى الظهور بمظهر المدافع عن الحريات الشخصية، فإنه يعود ويكشف حقيقة قناعاته بقوله: "أنا شخصيا لا أفضل أن ترتدي المرأة الحجاب ولو كانت لي زوجة لمنعتها من ارتدائه". أين حرية الاختيار؟ وأين كرامة المرأة وإنسانيتها قبل أن يتحدث عن شعرها الجميل كالورد! إن الذي يريد أن يغيب كرامة وإنسانية وحرية المرأة، هو من يريد أن "يستبضعها" ويستملكها، باسم "ليبرالية" كاذبة لا تعني إلا التسلط. ترى أين كان حسني ولم ابتلع لسانه عندما تفجرت موجة السعار الجنسي في شوارع القاهرة قبل أسابيع أمام مرأى ومسمع الأمن الذي لم يحرك ساكنا. فقبل أسابيع قليلة، كانت شريفات مصر وعفيفاتها من المحجبات وغيرهن، عرضة للتحرش الجنسي الجماعي، حتى وهن برفقة أهليهن وآبائهن وإخوانهن وأزواجهن، ولم يتمكن أولئك المساكين من حماية أعراضهم من النهش من قبل "كلاب مسعورة" في قلب القاهرة. وكيف يحمونها من عبث المئات من الشباب "الداشر"، في حين كان أمن مصر، ولا زال، مشغولا بتعقب مفكري ومثقفي وعلماء الشعب!؟ وقتها تمكنت الأقفال من لسان حسني، وعجز عن كسرها وعن "تحرير" فمه من القيود!.
وعودة إلى نقطة منع زوجته-لو كان له زوجة، فالرجل غير متزوج ولن أدخل في بعض تفسيرات هذا الأمر-من الحجاب حتى ولو آمنت به وسعت إليه بنفس راضية. فمثل هذه العبارات تدل على نفس ديكتاتوري متمكن من الرجل وثقافته، فما هو إلا إفراز من إفرازات ديكتاتورية وأليغارشية النظام المصري. لقد قضى حسني 19 عاما كوزير للثقافة في مصر، وفي ظل عهده لم تشهد مصر إلا ارتكاسات بعد انتكاسات في فضاء الحرية الثقافي والسياسي. ويكفي أن الرئيس حسني مبارك وفي وسط العاصفة التي فجرها حسني بتصريحاته تلك، خرج على الشعب المصري معلنا تتويج نفسه "ملكا" على مصر، وذلك حين قال أمام مجلس الشعب المصري يوم الأحد (19-11-2006)، بأنه "سيظل يمارس مهامه في السلطة ما دام في صدره نفس يتردد". مضيفا: "سأواصل معكم مسيرة العبور إلى المستقبل متحملا المسئولية وأمانتها، ما دام في الصدر قلب ينبض ونفس يتردد، لا أهتز ولا أتزعزع".
ترى هل يجرأ فاروق حسني على انتقاد هذه التصريحات من قبل رئيسه؟ أم أن حدود الحرية والجرأة تقف عند حدود صاحب الأمر والنهي في الدنيا!؟ ولماذا لا يجرأ حسني على ذلك، وهو الذي يقول أنه سيبقى معتكفا في بيته إلى أن يعتذر له مجلس الشعب المصري ويرد إليه اعتباره وذلك بعد أن أوسعه أعضائه من كل الأحزاب، بما فيهم الحزب الوطني الحاكم نقدا وتجريحا. وبعد رد الاعتبار، كما يضيف، "سأذهب لأواجههم وأواجه مائة مثلهم". ما دام لديه هذه الجرأة فلما لا يواجه الرئيس الذي توج نفسه "ملكا" رغما عن الناس وبدون رضا منهم!؟ خصوصا وأنه هو نفسه من يقول أنه يشعر بحزن شديد على مناخ قمع الرأي الذي تعيشه مصر. مضيفا: "إنني أعمل منذ 19 عاما من أجل حرية التعبير والتقدم والتفوق الفكري، وفي النهاية نجد هذا التيار الذي هزم كل هؤلاء.. هذه مأساة". أليس تتويج الرئيس نفسه "ملكا" غصبا، قمع للرأي وتحقير للحريات!؟ أليس الشطب الجماعي لطلاب المعارضة في الجامعات المصرية من انتخابات اتحادات الطلبة قمع للرأي وحرية التعبير!؟ أوليس ضرب القضاة والاعتداء عليهم والتلاعب في استقلاليتهم اعتداء على ضمانات الحرية والاستقلالية والنزاهة!؟ أوليس التحرش بالصحافيات المصريات المعارضات جنسيا من قبل رجال النظام وفي وسط ميادين القاهرة وتحت شمسها الحارقة وأمام عباد الله دون خوف ولا وجل تعديا على الإبداع والتقدم الفكري!؟ وماذا عن تعذيب السجناء السياسيين في سجون مصر!؟ وماذا عن موت الكثير منهم في أقبية التحقيق!؟... الخ. أين جرأتك يا وزير الثقافة لمواجهة "مائة مثلهم". ثم إن وزير الثقافة يقول: "العالم يسير للأمام، ونحن لن نتقدم طالما بقينا نفكر في الخلف، ونذهب لنستمع إلى فتاوي شيوخ بـ(تلاته مليم)". غريب، هل فعلا إن ما يعوق تقدم مصر هو الحجاب!؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا عن إفساد أخلاق الناس بالدكتاتورية والقمع وإلغاء الإبداع عندهم!؟. فالاستبداد، كما يقول الدكتور أحمد الجباعي، "ينمي العادات الوضيعة في الأمة، كالتزلف والرياء والاحتيال على القانون ويذهب بعزة النفس، ويقونن السفالات، كالسرقة والرشوة وسائر أشكال الإفساد عبر حماية الاستبداد لرجاله الراتعين في ظله المحتمين بإرادته".
طبعا نحن نعرف أن وزير الثقافة "أذكى" من أن يتكلم في هذه الأمور. لأنه إن فعل فسيتذكر أسياده فجأة بأنه شتم الإسلام وتطاول على ثوابته، فتحرك "الحسبة" ضده!!. الكل يعرف اللعبة، وكيف يتم توظيف الدين للانتقام من الخصوم باسم الزندقة تارة، وباسم الردة تارة أخرى. طبعا حتى لا أفهم خطأ، فالمقصود هنا "الردة السياسية" على النظام، فمن ذاك الذي يعنيه الردة على الله!؟ ولا أجد هنا أبلغ من تلك الكلمات التي سطرها الكواكبي بحروف من ذهب في "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" التي يصف فيها حكامنا اليوم. كتب الكواكبي: "يتحكم بالناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المعتدي، فيضع كعب رجله على أفواه الملايين يسترها من النطق بالحق والتداعي لمطالبته". ويشير في موقع آخر: "فالعوام يجدون معبودهم وجبارهم مشتركين في كثير من الحالات والأسماء والصفات، وهم هم. ليس من شأنهم مثلا أن يفرقوا بين (الفعال المطلق) و(الحاكم بأمره). وبين (لا يسأل عما يفعل)، و(غير مسؤول). وبين (المنعم) و(ولي النعم). وبين (جل شأنه) و(جليل الشأن). وبناء عليه يعظمون الجبابرة تعظيمهم لله، لأنه حليم كريم، ولأن عذابه آجل غائب، أما انتقام الجبار فعاجل حاضر".
واختم بالتذكير، بأن هذا منهج جديد يزداد صلافة يوما بعد يوم في التهجم على الإسلام والانتقاص من شعائره وثوابته، وذلك في أفق ضرب الأمة في صمام مصدر عزها. نعم إن الغاية الحقيقية لهذه الحملة ليست الحجاب بحد ذاته، وإنما نقض الإسلام عروة عروة، وحتى نصل إلى مرحلة خلق جيل جديد مشوه، "قابل" للاستعمار والاستعباد والاستلحاق، وعاجز عن الممانعة. إن المطلوب أن يغيب الإسلام كـ"إيديولوجيا تحرير" وتمرد على الطغيان والعدوان، ولن يتم ذلك إلا بإشغاله بمعارك جانبية منبعثة من داخله، وتمس ثوابته من أطرافه، في حين يتم تهيئة حملة جديدة للانقضاض على قلبه.

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.73
USD
4.00
EUR
4.68
GBP
222122.51
BTC
0.51
CNY