الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 19:01

جماهيرنا العربية ومؤسساتها في مرآة المشهد العام/ بقلم: إبراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 16/09/15 16:14,  حُتلن: 07:44

إبراهيم صرصور في مقاله:

أخطر ما أصاب الأمة هو حرص أنظمتها على شل حركة شعوبها فلا تسمح بأي هامش إلا في حدود ما يخدم مصالحها وأجنداتها التي لا مكان فيها لحرية تنظيم أو كلمة

اخطر ما يواجهنا اليوم من خلال متابعتي لوضع نضالنا الجماعي ضد مخططات إسرائيل التي لا تنتهي هو أن تتحول خلافات واجتهادات مكونات مجتمعنا العربي إلى حالة من الصراع

اعتقد أننا تجاوزنا الحد المسموح به من الاختلاف في آليات النضال، عندما علا الصراخ والخلاف بين الأطراف حتى كدت أخشى على قضايانا كلها في ظل قعقعة الطبول التي تضربها الأطراف المتصارعة والمتنازعة 

ضمان التعايش بين مكونات مجتمعنا المختلفة يكمن في بناء الجسور بينها والذي هو السبيل الوحيد لتحقيق الإنجازات ومواجهة التحديات وعدم إضاعة الجهود والطاقات في خضم النزاعات والصراعات

لا بد من تحديد الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها بحال من الأحوال ، ويجب احترامها على الدوام عموما وأقول احترامها وعدم تحديها ولا أقول القبول بها ، فكل يتحمل مسؤولية خياراته في العاجل والآجل

منذ وَعَيْتُ ووقفتُ على طبيعة الأزمات التي تعاني منها الأمة العربية والإسلامية ، بما فيها شعبنا الفلسطيني عموما ومجتمعنا العربي الفلسطيني في إسرائيل خصوصا ، وقفت على سببين دفعا بها إلى هذا الحضيض والانحطاط...

أولهما ، تخليها عن الأسباب التي كانت رافعة نهضتها وصانعة معجزتها التاريخية غير المسبوقة .. فلا يختلف اثنان على أن أمتنا العربية ما كان لها أن تحتل مكانتها في صدارة العالم على مدى قرون من غير دينها الذي أسَّسَ لحضارةٍ وسياسةٍ ومدنيةٍ ملأت فضاء العالم عبقا ورَوْحًا ورَيْحانًا .

ثانيهما ، سقوط الخلافة الجامعة لشتات الأمة السياسي ، ووقوع الجغرافيا والشعوب العربية والإسلامية ( الديموغرافيا ) تحت سيطرة وسطوة الاستعمار الصليبي الحديث الذي ما ترك وطننا العربي والإسلامية إلا بعد أن اطمأن تماما أنه سَلَّمَها لمجموعة من العملاء ، حكموا برأيه وبطشوا برأيه وساسوا البلاد والعباد برأيه ، مقابل تعهده بالحفاظ على سلطانهم وحماية عروشهم .. ما عاد للشعوب في هذه المعادلة من مكان ، وما عاد لأحلامهم وطموحاتهم من موضع ولا موطئ قدم.

كان ذلك كله مقدمةً لضياع البلاد والمقدسات والحقوق وفي قلبها فلسطين والقدس ، كما كان مقدمةً لاستبدادٍ وفسادٍ فَرَّخَ في كل زاوية في حياة الأمة حتى لا تكاد ترى إلا السواد أنَّى نظرتَ ... هزائمٌ وتخلفٌ وأمِّيَّةٌ وجوعٌ ومرضٌ وشتاتٌ وفُرْقَةٌ واختلافٌ وصراعٌ ، وفوق كل ذلك ضياعٌ تحولت معه الأمة إلى غثاء كغثاء السيل لا ثقل لها في ميزان الحضارة ولا السياسة.

( 1 )
أخطر ما أصاب الأمة هو حرص أنظمتها على شل حركة شعوبها، فلا تسمح بأي هامش إلا في حدود ما يخدم مصالحها وأجنداتها التي لا مكان فيها لحرية تنظيم أو كلمة، ولا لديمقراطيةٍ أو تعدديةٍ أو تداولٍ سلميٍّ للسلطة، حتى انفجرت براكين الغضب في بعض مواضع من عالمنا العربي ما زالت تصارع على البقاء في مواجهة أذرع أخطبوط دولة الاستبداد العميقة الوحشية ، ومن يدعمها من دول الفساد والاستبداد القائمة ...

المصيبة في أنظمة العرب الحالية أنها أنظمة استبداد من جهة وأنظمة خنوع وخضوع وارتهان مهين للقوى الخارجية بما لا يخدم مصالح الأمة العليا من جهة أخرى ... بكلمات بسيطة ، أنظمة استبداد ودكتاتورية بلا كرامة وطنية ولا إرادة حرة ولا قرار مستقل ، فماذا نتوقع منها غير الذي نراه ونتابعه من انحطاط لا مثيل له في كل الدنيا ، يشهد على ذلك هذا العجز المقزز الذي نراه لهذا النظام العربي والإسلامي وهو يرى ويتابع جرائم إسرائيل ضد المسجد الأقصى المبارك والقدس الشريف.

( 2 )

نحن في الداخل الفلسطيني 1948، جزء من الأمة العربية والإسلامية ومن الشعب الفلسطيني، وإن شاءت الأقدار أن نعيش ظروفا تختلف عنها سياسيا وموضوعيا، إلا أنني ألحظ أننا قريبون جدا من ممارسة ذات اللعبة الخطرة، وَعَيْنَا ذلك أو لم نَعِيَهُ. عندنا شعب وهو الجمهور العربي أو المجتمع العربي بكل مكوناته، ولدينا نظام حُكم محلي ممثلا في البلديات والمجالس المحلية، وعندنا نظام قطري ممثلا في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية.

كيف لنا أن نصف العلاقة بين ( النظام الحاكم ) وبين الشعب في حالتنا نحن داخل الخط الأخضر ... يجب ألا ننسى ونحن في خضم هذا النقاش أن شعبنا العربي ( مجتمعنا العربي ) ، وحُكمنا المحلي والقطري ، محكوم هو بنفسه بدولة إسرائيل وحكوماتها وسياساتها ، الأمر الذي يؤثر على أدائنا مقابل طموحاتنا ... إلا أن هذه الحقيقة يجب إلا نعلق عليها عجزنا الغريب عن إدارة أزماتنا واختلافاتنا بشكل يُفَوِّتُ الفرصةَ على الحكم المركزي ( اليهودي ) من الإجهاز علينا.

اخطر ما يواجهنا اليوم من خلال متابعتي لوضع نضالنا الجماعي ضد مخططات إسرائيل التي لا تنتهي، هو أن تتحول خلافات واجتهادات مكونات مجتمعنا العربي إلى حالة من الصراع، بدل أن تخلق فيما بينها حالة من التعايش وتقاسم الأدوار والانسجام الايجابي، الأمر الذي يحافظ على اندفاعها دون عوائق وبعيدا عن المعارك الجانبية التي علمنا التاريخ أنها لن تكون إلا على حساب الكل الشعبي ولن تستثني أحدا.

( 3 )

الذي دفعني إلى مكاشفة الجميع بما يجيش في صدري الجدل الذي نراه ونرصده منذ فترة حول ثنائيات ملفتة للنظر منها : لجنة المتابعة ودورهما في حمل الهم الوطني الجمعي / العمل الشعبي ( الحراك بانواعه ) ، العقلية الجمعية / العقلية الفئوية ، الانشغال بالسياسة / الاشتغال بالسياسة ، تعزيز المشترك الجامع / النبش في المشتِّت والمفرق والمفتِّت ، ثقافة الرأي والرأي الآخر / ثقافة الاستئصال والاستبعاد ، الدين والسياسة / الدين او السياسة ، الانتقاد البناء ( النصيحة ) / الانتقاد الهدام ، الاعتراف بالأخطاء / ادعاء العصمة ، منهجية التقويم والتقييم / الارتجالية والعفوية ، الخ ....

اعتقد أننا تجاوزنا الحد المسموح به من الاختلاف في آليات النضال، عندما علا الصراخ والخلاف بين الأطراف حتى كدت أخشى على قضايانا كلها في ظل قعقعة الطبول التي تضربها الأطراف المتصارعة والمتنازعة (انتخاب رئيس لجنة المتابعة كمثال).. 

( 4 )

لا بد من وقفة مع الذات، وتغليب المصلحة الوطنية العليا، ومن ثم البحث عن الوسائل التي تضمن الانسجام بين كل الاجتهادات وتحويلها إلى روافد يغذي بعضها بعضا، وان تراءى للبعض أنها متناقضة.. الذكاء يفرض علينا تقسيم الأدوار بذكاء بشكل يضمن للجميع العمل ضمن منظومة نضال نحرص دائما على ألا تتصادم.. هل هذا ممكن ؟ نعم ممكن.

( 5 )

أكثر الظواهر بروزا في الفترة الأخيرة، ما يمكن تسميته بـ "صراع الأجيال" ، وهي ظاهرة متأصلة في كل الكيانات المنظمة تظهر مرافقة لتفشي واحدة من ثلاث. الأولى ، استبداد ( الكبار ) وغياب فرص التغيير وآلياته . الثانية ، قصور ( الكبار ) عن مواكبة التطورات المتسارعة ، وفهم المستجدات لاختلاف عميق في منهجيات التفكير والموروث الفكري والتنظيمي الذي يختلف مع اختلاف الأجيال . الثالثة ، وجود مسافة حقيقية او متوهمة ( يعتمد على رأي كل طرف ) بين الممكن واللاممكن وبين الموجود والمنشود في مشهد الصراع بيننا وبين إسرائيل ، او بيننا وبين انفسنا .

رأينا نتائج هذا الصراع داخل بعض الأحزاب والحركات في اكثر من منعطف في حياتها ، كما نرى ذلك في الجدل الدائر حول ( لجنة المتابعة العليا ) وملفاتها المختلفة ابتداء من بنائها الهيكلي ، أدائها ، دورها ، أهميتها ، انتخابات قياداتها ، الخ ...

أشعر بان هنالك مسافة ما يجب جسرها بشجاعة بين اجيالنا الشابة وطبقة القيادات التي مر على وجودها في مواقع اتخاذ القرار زمن ليس بالقصير.

( 6 )

ضمان التعايش بين مكونات مجتمعنا المختلفة يكمن في بناء الجسور بينها والذي هو السبيل الوحيد لتحقيق الإنجازات ومواجهة التحديات وعدم إضاعة الجهود والطاقات في خضم النزاعات والصراعات. الحركة الوطنية (إسلامية وقومية ويسارية ) تجمعها في حالتنا نحن الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل، قضايا أساسية وعامة ، ثم تتشعب الى مدارس وحركات وأحزاب وتيارات.

يجمعها السعي الى الحفاظ على الوجود في مواجهة سياسات الترانسفير والاقتلاع الصهيونية ، وحماية الهوية الدينية والوطنية في مواجهة سياسات مسخ الهوية وتفريغها من مضامينها الاصيلة لمصلحة حالة مائعة من اللاهوية في حدها الأدنى والاسرلة والصهينة الكاملة في حدها الأقصى ، وانتزاع الحقوق الجماعية والفردية السياسية والمدنية في مواجهة السياسات والتشريعات الصهيونية العنصرية .

يجمعها السعي لدعم الحقوق الفلسطينية المشروعة في انجاز الاستقلال وكنس الاحتلال الإسرائيلي البغيض.

يجمعها العمل على حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وعلى راسها المسجد الأقصى المبارك ، ودعم المدينة المقدسة ( القدس ) ، في مواجهة سياسات التهويد وفرض الامر الواقع التهويدي على المدينة بكل ما تمثله من ابعاد عربية وإسلامية .

يجمعها الاتفاق على ان مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل قد أصابته كثير من الامراض والانحرافات ، مما يهدد وجوده ، ويسهل تحوله الى لقمة سائغة في يد الحكومات الإسرائيلية واعداء هذا المجتمع في الداخل والخارج .

يجمعها الحرص على تصحيح هذه الاختلالات والتشوهات بوسائل وأدوات فاعلة تسهم في تجاوز الازمات في اسرع وقت ممكن وقبل فوات الأوان.

يجمعها الايمان بوحدة هذا الشعب مهما كان انتماؤه الفكري او التنظيمي او الديني وحتى العرقي .

مع ما ذكرت، وبالرغم مما ذكرت ، لا يمكنني ان اتجاهل ان هنالك تباينات بين تيارت مجتمعنا العربي الفلسطيني ، يكاد بعضها يكون عميقا الى درجة لا يمكن ان يجتمع عليها رأي ... لكن هذه الاختلافات التي يجب ان تدار على قاعدة فقه الموازنات والأولويات ، يجب الا تنسينا الكثير الذي يجمعنا من جهة ، وان تلزمنا بالحفاظ على خطوط حمراء نحرص على الا نتجاوزها خصوصا ما يتعلق منها بالدين وفريضة احترامه بالكلية ، والثوابت الوطنية والأخلاق العامة ، ولزوم التمسك بها تماما ...

هذا يعني ضرورة تبني خطاب يبتعد كثيرا عن الاستخفاف بالعقائد والأديان وما يتعلق بها من قناعات ، ويبتعد عن التخوين والتكفير الوطني والديني .. فلا مكان مثلا لخطاب ( لا للخلافة ، نعم للعلمانية / مقال لعلاء حليحل ) يتبنى فيه فلسفة الاستئصال ولا يرضى باقل من اقتلاع فكرة الخلافة والتي لا تعدو ان تكون مصطلحا يحمل كل المعاني الجميلة ومنها وحدة الامة السياسية والجغرافية ، والتي لا يرفضها الا منكر لحق من حقوق الامة الاصيلة .. مثل ذلك يقال في كثير من الملفات كقضية المثليين والمثليات ، والترويج للتحلل من الاخلاق تحت شعارات الحرية الزائفة .. الخ ...

كما لا مكان في هذا الخطاب التطاول على الأديان الأخرى ، والموروثات المختلفة لدى مكونات مجتمعنا المتنوعة ديانة وتراثا ، ولا للطعن في الأشخاص او الهيئات لأتفه الأسباب ، ولا للمز ولا للهمز ولا للغمز ، ولا لاحتكار النضالات ولا لامتلاك الحقيقة المطلقة.

( 7 )

لتحقيق ذلك لا بد من تحديد الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها بحال من الأحوال ، ويجب احترامها على الدوام عموما .. أقول احترامها وعدم تحديها ، ولا أقول القبول بها ، فكل يتحمل مسؤولية خياراته في العاجل والآجل.

أولها ، العقائد والقناعات الدينية ، وهذا يعني التورع عن المساس بالمشاعر الدينية وبكل ما يمت اليها بصلة ..

ثانيها ، الثوابت الوطنية في مجملها والتي لا خلاف عليها . لمنع الجدل ، اضرب لذلك مثالا .. انا افرق هنا بين الثابت الوطني الذي اسميه تحرير فلسطين مثلا ، وهذا ما يجب احترامه عموما ، اما الاختلاف حول تحرير كل فلسطين او بعضها ، فهذا امر قابل للنقاش الموضوعي ، ولا يجب ان يكون محل خلاف .. فلا الذين يريدون تحرير كل فلسطين يمكن ان يعترضوا على تحرير بعضها ، ولا الذين يريدون تحرير بعض فلسطين يمكن ان يعترضوا على تحريرها كلها ان تحقق ذلك ...هكذا يجب ان نتعامل مع الثوابت بكل أنواعها واشكالها .

ثالثها ، الاخلاق والأعراف والتقاليد الجميلة والايجابية . فمجتمعنا الفلسطيني أولا وآخرا ليس ( مقطوعا من شجرة ) .. هو جزء من امة لها تاريخ عريق ، ولها هوية جامعة ، ولديها مخزون هائل من الاخلاق والأعراف والتقاليد الجميلة والجليلة ، والإسلام أقرَّ من الأعراف ما كان صالحاً، وتلاءم مع مقاصده ومبادئه، ورفض من الأعراف ما ليس كذلك، أو أدخل على بعض الأعراف تصحيحات وتعديلات .. انا افرق هنا بين الأعراف الجميلة والأعراف القبيحة .. فالثانية يجب العمل الذكي على تجفيفها ( الثأر كمثل ) ، ( احتقار المرأة في بعض بيئاتنا المجتمعية مما لا علاقة له بالدين كمثل آخر) ، (العصبيات العائلية والقبلية كمثل ثالث) .. الخ .. هنالك اعراف جميلة في لباس المرأة والرجل (الحشمة) ، في الافراح والاتراح ، في المعاملات ، في التعاون الاسري والمجتمعي ، في احترام مشاعر الغير واحاسيسه ، في توقير الكبير والرأفة بالصغير ، في احترام المرجعية الابوية .. الخ ..

على الجميع التفكير الجدي في تبني منظومة دينية - أخلاقية – قيمية – اجتماعية – سياسية ، او ما نحب ان نطلق عليها دائما ( ميثاق شرف ) ، يجمعنا على المشترك قدر المستطاع ، يجد الجميع له مكانا محترما في اطاره ومنبرا للتعبير عن اشواقه ، في اطار احترام كامل لكل مكونات مجتمعنا وهيئاته ومؤسساته ..

بدون ذلك سيهددنا الخطر جميعا، ولنا في الجهاد والنضال الفلسطيني لمائة عام ما يكفي لنتعلم الدرس قبل فوات الأوان.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة