الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 17:01

ريفلين، لندن، كلاين: وجوه كثيرة لعملة واحدة /بقلم:د.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 14/08/15 10:29,  حُتلن: 12:08

د.جوني منصور في مقاله:

صرح ريفلين انه يأسف لعدم وجود مساواة بين مواطني الدولة خاصة وأن اسرائيل هي دولة ديموقراطية، ومن أساسياتها المساواة في الحقوق والقانون

لقد حاولت جاهدا في هذا الاسبوع أن أُحلل هذه الشخصيات وأن اغوص لسبر غورها الفكري والسلوكي، فتبين لي انها لا تختلف عن بعضها البعض فكلها تتمسك بالديموقراطية والمساواة وحقوق الانسان

الأزمة التي يعيشها ريفلين ومن هو على مثاله وشاكلته تتمحور في رفض رؤية الحقيقة، ورفض تحمل المسؤولية الاخلاقية التي كانت هي السبب في هذا النزاع والصراع الحاصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين

كثرت في الأسبوعين الأخيرين حملات المديح لمواقف عدد من السياسيين في اسرائيل التي انطلقت في أعقاب حرق بيت عائلة الدوابشة في دوما واستشهاد الرضيع ثم والده. وكان من بين الذين اطلقوا تصريحات حركت مشاعر الاسرائيليين في مجملهم العام رئيس دولة اسرائيل رؤوبين ريفلين. صرح ريفلين انه يأسف لعدم وجود مساواة بين مواطني الدولة، خاصة وأن اسرائيل هي دولة ديموقراطية، ومن أساسياتها المساواة في الحقوق والقانون.

وهو يقصد بذلك المواطنين العرب في اسرائيل. وكالعادة، اعتبره كثيرون من المحللين أنه ليبرالي ومنفتح وغير تقليدي بالمرة، وجريء لأنه كرئيس للدولة يمثل الوحدة بين المواطنين. لكن حضرة رئيس دولة اسرائيل ليس جديدا في الكار السياسي، فهو من أعضاء بيتار سابقا، اي فريق كرة القدم ومن مؤيديه، وهو عضو كنيست سابق في حزب الليكود اليميني، ورئيس كنيست سابق، ووزير في حكومات اسرائيل... لكنه في مراكزه تلك لم يعمل مطلقا على تطبيق المساواة على أرض الواقع... لماذا؟ لأنه كان ضمن القطيع الاسرائيلي الرافض لكل أسس المساواة ليس علانية بل بطرق ملتوية، كحال سياسيين كثر في اسرائيل. والأنكى من ذلك، أن ريفلين قد طلع علينا في معرض تصريحاته أنه يؤيد عودة أهالي قريتي إقرث وكفر برعم المهجرتين ولو رمزيا، دون أن يكون ذلك بابا لعودة باقي القرى الفلسطينية التي دمرتها آلة الحرب والنار الاسرائيلية في العام 1948، ولا تزال تعمل على تدمير قرى ومواقع سكنية عربية في النقب على وجه الخصوص. ما يحتاج إليه ريفلين هو ان يفتح عينيه على حقيقة تاريخية وواقعية رئيسية وهي أنه اصبح من الضروري ولخرق الجدار الحديدي في اسرائيل أن يعترف بما قامت به اسرائيل وأذرعها العسكرية من جرائم في عام 1948 والذي يعرف بعام النكبة. هنا وفي هذه النقطة بالذات يكون "الإبداع" في التصريحات والمواقف. لكن أنّى لريفلين وغيره من بلوغ هذا المستوى في فتح اعينهم على الحقيقة، التي يعملون جل جهدهم على الهرب منها، والتستير عليها.

وبالرغم من أنه بتصريحاته التي أطلقها يعتبر ناضجا لما يدور من حوله، إلا أن لا يغرد خارج السرب. فهو من اعضاء السرب والقطيع، ولا يجوز له ان يكون خارجه، لأن ماكنة السياسة في اسرائيل ستلفظه خارجا.
إن الأزمة التي يعيشها ريفلين ومن هو على مثاله وشاكلته تتمحور في رفض رؤية الحقيقة، ورفض تحمل المسؤولية الاخلاقية التي كانت هي السبب في هذا النزاع والصراع الحاصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين. فالصراع في أساسياته ليس على الفكر الاستيطاني فحسب، أو المساواة في الحقوق، وهي من مركباته، إنما الصراع هو على العام 1948 وما حمله ويحمله من مكونات فكرية وضميرية واخلاقية، وتداعيات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية.
أما الشخص الثاني الذي لفت نظري خلال الاسبوع فهو يرون لندن مقدّم برنامج اخباري بعنوان "كرشنباوم ولندن"، حيث استضاف مديرة مشفى برزيلاي في عسقلان(أشكلون) هيلا أزولاي حول موضوع الإطعام القسري للأسرى الفلسطينيين الاداريين والمحكومين المضربين عن الطعام احتجاجا على الاعتقال ذاته وعلى سؤ المعاملة في السجون والمعتقلات الاسرائيلية التي يقبع فيها أكثر من خمسة آلاف اسير. حاول لندن طيلة المقابلة الا يذكر اسم الاسير المضرب عن الطعام محمد علان، فلجأ الى استعمال ضمير الغائب"هو". وحاولت المديرة جاهدة ان توضح له موقف الاطباء من عدم الاطعام القسري، إلا أنه طيلة الوقت حاول جرّها إلى خانة ان المضرب عن الطعام هو ارهابي وعلى يديه دم(كما يحلو لكثيرين من الاعلاميين والسياسيين في اسرائيل استعمال هذه العبارة). وماذا على أيدي نتنياهو ويعالون واشكنازي وغنتس وجنود جيش الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر؟ إن لندن لا يغرد خارج السرب، إنه أحد أعضاءه الرئيسيين. وهو بهذا يعزز فكرة تجاهل ورفض الآخر من خلال عدم ذكر اسمه متحاشيا اللجوء إلى ذلك، لدرجة أنه قال "هذا الشخص"، وهو كصحافي ومُقدّم برنامج اخباري وتحليلي يتوجب عليه ذكر الاسم.
أما الشخص الثالث الذي لفت نظري فهو جوني كلاين. كلاين هذا قدّم مقابلة صحافية اجرتها معه آييلت شاني من جريدة هآرتس في نهاية الاسبوع المنصرم نُشرت في الملحق الاسبوعي. كلاين يرئس المكتب الاسرائيلي لمنظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة. وهو ناشط اجتماعي ومن دعاة المساواة وغير ذلك من التعابير الرنانة التي يحلو لمثله ان ينطقوا بها. وشرح وحلل تداعيات تقرير الفقر الذي أصدره مكتب الاحصاء المركزي في اسرائيل، وبيّن أن من هم في مستوى الفقر ودونه لن يتحرروا منه إذا لم توفر الدولة ما يمكن ان يقلل منه(أي من الفقر). وتطرق إلى أسباب الفقر وعوامله ونموه وغير ذلك مشيرًا إلى أن الأطفال هم الذين سيعانون الأمرّين من تفاقم الفقر وحدّته... لكن حضرته وكعادة من هم أعضاء في السرب يرفضون التغريد خارجه، يسكن في مستوطنة "موديعين". أي أنه مستوطن ومستفيد من ميزانيات الحكومة الاسرائيلية التي تخصصها سنويا وبملايين الشواقل لدعم هذا النشاط غير الاخلاقي والمجرم بحق الشعب العربي الفلسطيني. والأنكى من كل ذلك أنه يعمل في اليونيسف، اي منظمة تابعة للأمم المتحدة، والأمم المتحدة ترفض الاعتراف بالاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتدعو اسرائيل بقرارارتها إلى الانسحاب من الاراضي المحتلة. والأنكى فوق ذلك أن منظمة اليونيسف تجمع تبرعات من دول تنادي بوضع نهاية للاحتلال الاسرائيلي البغيض والمقيت. وأن هذه الأموال التي تقدمها دول ومؤسسات وأفراد من اجل أطفال العالم الذين يعانون من حالات الفقر والجوع والفاقة. والأطفال الفلسطينيين يعانون من الفقر واحيانا الجوع وسؤ التغذية وتردي الخدمات الصحية، بسبب الاحتلال والاستيطان. فكيف تستوي هذه الأمور معا: أن يكون ممثلا لمنظمة دولية تتعامل مع الأطفال، وأن يكون مستوطنا تدعو منظمته(أي اليونيسف) إلى الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي المحتلة. وهو بسلوكه هذا وكأني به يقول للعالم: المشكلة ليست في الاستيطان... المشكلة في مكان آخر... إذًا، فليقل لنا كلاين ما هي المشكلة؟ وأين هي؟ ومن هو صاحب المشكلة...؟
لقد حاولت جاهدا في هذا الاسبوع أن أُحلل هذه الشخصيات وأن اغوص لسبر غورها الفكري والسلوكي، فتبين لي انها لا تختلف عن بعضها البعض فكلها تتمسك بالديموقراطية والمساواة وحقوق الانسان، ولكنها لا تملك من الجرأة ذرة رمل واحدة لقول الحقيقة والعمل وفقها.

المشكلة الرئيسية لدى هؤلاء وغيرهم أنهم يضعون قناعا سميكا على وجوههم كي لا يروا الحقيقة وكي لا ينطقوا بها. لكن، لا يمكن الإستمرار بالمسرحية، إذ أن الحقيقة أقوى بكثير من الخدعة ومن المخادعين. وأن الحقيقة ستنزع القناع في النهاية.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة